عون يندفع للإمساك بالسلطة التنفيذية: ماذا يفعل ميقاتي؟
إثر الردود الرافضة لخطوته، قال عون أمام بعض من التقاهم، إنه لم يعد يثق بأحد، ولن يسمح لأحد أن يهزمه أو يكسر قراره، وخصوصاً حسان دياب أو رياض سلامة أو حتى نجيب ميقاتي، مؤكداً أن أي حكومة ستتشكل يجب أن يحصل على ضمانات بإقالة سلامة في أول جلسة لها، هذه الضمانات تعني أن عون سيتشدد في مطالبه الحكومية. معروف أن سلامة يحظى بدعم خارجي وداخلي، والدعم الخارجي هو الذي أوحى لحسان دياب بعدم الموافقة على ما يريده عون، ما قيل لدياب بالحرف الواحد:” ننصحك بأن لا تدخل في هذه اللعبة.”
مساران لإيهام الناس
تحترف القوى السياسية اللبنانية خوض معارك إشاحة النظر عن استحقاقات أساسية. إنها معارك إيهام اللبنانيين بقضايا مهمة، بالتزامن مع تفاقم الأزمات. فعلى وقع قرار حاكم مصرف لبنان رياض سلامة برفع الدعم عن المحروقات، تحركت المواقف السياسية في أكثر من اتجاه: ضغط شعبي لتنفيس الإحتقان. تفاوض مع حاكم المصرف المركزي على تخفيض احتسابه سعر صرف الدولار، والتسعير على سعر منصة صيرفة، بدلاً من اعتماد سعر السوق السوداء. وبذلك يرتفع سعر المحروقات 3 أضعاف بدلاً من ارتفاعه 5 أضعاف.
وهناك لعبة تقاذف المسؤوليات والتعهد بالمساءلة والمحاسبة، لإرضاء الناس وإيهامهم بالانتقام لهم. والمسألة الأهم هي إشاعة أجواء إيجابية حول عملية تشكيل الحكومة، وقرب الاتفاق على توزيع الحصص والحقائب.
ولا بد من الإشارة إلى مسارين أساسيين للبناء عليهما: المسار التفاوضي التقليدي، بشكل تفصيلي يومياً، وهو الذي يتعلق بالتفاوض حول تشكيل الحكومة وكيفية توزيع الحصص والنزاع على الحقائب والأحجام، والدخول في لعبة توزيع الأسماء والاختيار من بينها.
أما المسار الثاني فهو استراتيجي لدى كل من أطرف النزاع. وأكثر من يجيد إدارته هو رئيس الجمهورية ميشال عون، بعد حزب الله طبعاً. ولكن بما أن عون هو من يدير مع ميقاتي عملية تشكيل الحكومة، فهو من احتل المرتبة الأولى في الممارسة الاستراتيجية.
والمسار الذي يسلكه عون في مفاوضاته لتشكيل الحكومة، أبعد من مجرد حصص وحقائب. فهناك من يعتبر أن شروطه أبعد بكثير من تفاصيل التشكيل، وتتعلق بصلاحيات بقاء السلطة التنفيذية خاضعة لسيطرته. فإذا وفرت له الحكومة الجديدة ذلك تتشكل، وإذا لم توفره يظل الوضع على ما هو عليه، ويقوم هو بإدارة الدولة. وبذلك يستمر الصراع مع “الطبقة التقليدية” أو “الدولة العميقة” التي يدعي عون مواجهتها بمكاسب شعبية حققها.
عون والمالية وسلامة
ويمكن أن يتضح ذلك في حال عدنا إلى القرار الذي اتخذه حاكم مصرف لبنان. فوفق معلومات، كان عون منذ الأيام الأولى لمشاورات التكليف، يشترط على ميقاتي التعهد بإقالة سلامة والالتزام بالتدقيق الجنائي. وعندما فاتح رئيس الجمهورية الرئيس المكلف بوضع وزارة المال والتسليم بها للشيعة، وتشديده على ضرورة تغيير اسم يوسف الخليل، ثمة من قرأ في هذه الشروط محاولة عونية لقطع طريق التشكيل على ميقاتي.
وتقدم البحث بين الطرفين حول مصرف لبنان. فعون يريد انتزاع ضمانات بإقالة سلامة، وإخراجه من المصرف المركزي قبل انتهاء عهده.
من يدعم سلامة؟
وأتخذ سلامة قرار رفع الدعم، مقرراً خوض المنازلة مع عون، معتبراً أنه يلتزم بالقانون ولا يمكنه المس بالاحتياطي الإلزامي. وحتى بعدما استدعاه عون كان واضحاً بأنه يحتاج إلى قانون صادر عن المجلس النيابي. وسلامة اتخذ قراره بالاشتراك مع أعضاء المجلس المركزي الذين أخبروا مرجعياتهم، فيما أبلغ هو القرار المجلس الأعلى للدفاع أثناء اجتماعه.
وحسب معلومات، أقدم سلامة على هذه الخطوة بعد التنسيق مع جهات متعددة. والبعض يعتبر أنه حصل على موافقة ميقاتي. وثمة من يتهم رئيس مجلس النواب نبيه برّي بالوقوف وراء دعم قرار سلامة. فبرّي يرى أن هذا هو السبيل الوحيد للضغط على عون وإشعاره بسخونة الواقع على الأرض. ولعلّ ذلك يدفعه إلى تسهيل تشكيل الحكومة.
ويفترض أن موقف سلامة يريح ميقاتي الذي يتجنب تجرعّ كأس رفع الدعم والانفجار الاجتماعي في وجه حكومته المزمعة. وفي هذا السياق تشاع أجواء إيجابية عن اقتراب تشكيل الحكومة. وهذا يريح الناس، بعد منحهم أسبوعاً للتعبير عن غضبهم، ثم تتشكل الحكومة فينخفض سعر صرف الدولار. ويرى الناس في ذلك بادرة إيجابية.
حسابات عون وخياراته
وإذا كانت هذه حسابات ميقاتي، فإن حسابات عون مختلفة. فهو لا يتزحزح أبداً عن مطلب إقالة سلامة، والتزام ميقاتي بذلك. لكن المسار الذي سلكته الأمور بعد قرار سلامة، وفي ظل عدم القدرة على تغييره إلا بتسوية، أصبح عون على يقين بأن لا مجال لإقالة سلامة، الذي يمسك بأوراق قوية، ولا قدرة لميقاتي على السير بقرار إقالته.
وهنا سيكون رئيس الجمهورية أمام خيارين: الأول إبقاء الوضع الحكومي على حاله، وبقائه متحكماً بقرارات الدولة، ورافضاً أي قرار غير شعبي يتخذه سلامة. والخيار الثاني هو رضوخ عون للأمر الواقع، وقبول بتشكيل الحكومة.
أجواء كثيرة تفيد أن عون قد يلجأ إلى الخيار الثاني. وهذا ما دفع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للاتصال به وحثه على ضرورة تشكيل الحكومة. وحصل اتصال بين ماكرون وميقاتي بعيد لقاء الأخير بعون عصر الخميس 12 آب الجاري. وعلى وقع الاتصالات والضغوط الفرنسية، استمر التلويح الإيجابي بقرب تشكيل الحكومة. وتسريب تفاصيل المسائل المتفق عليها.
ويظل السؤال الأساسي مطروحاً: هل يقبل عون بتشكيل حكومة بلا ضمانة إقالة سلامة، أم يظل على تشدده ومواقفه التصعيدية؟ على هامش هذا السؤال لا بد من الإشارة إلى أن التيار العوني وكتلة لبنان القوي، يشهدان انقساماً حول مصير سلامة.
وهناك حاجة دائمة لدى رئاسة التيار العوبي لاتخاذ خطوات تراعي الوضع الشعبي. في هذا السياق دعا هذا التيار للتحرك أمام منزل سلامة مساء الخميس. ولهذا التحرك تفسير من اثنين: إما تنفيس احتقان الجمهور واستخدام الهياج الشعبوي، ليلجأ التيار إياه إلى القول إنه ترك وحيداً في هذه المعركة، ولم يتمكن من تعطيل قرارات سلامة ولا تعطيل تشكيل الحكومة. ويكون ذلك في الحقيقة ترجمة لاتفاق بين عون وميقاتي.
والتفسير الثاني هو أن يكون موقف التيار العوني وتحركه عنواناً لرفض التسوية مع ميقاتي. وهذا يؤخر تشكيل الحكومة أو يمنع تشكيلها.