لبنان بات سجنا كبيرا لمواطنيه والغضب الشعبي آتٍ لا محال البطاقة التمويلية فرصة لاسعاف الناس: هل تتلقف السلطة مساعدة صندوق النقد ام تهدرها؟
نور نعمة – الديار
يعيش اللبناني في سجن كبير، وفي كابوس لا ينتهي، خاصة بعد ان اصبح لبنان منفى لشعبه. كل يوم يمر تتفاقم معاناة المواطن ،فلا ادوية ولا كهرباء ولا بنزين ولا افران، ولا مستشفيات قادرة على استيعاب اعداد المرضى. هكذا تغرق سفينة لبنان، وهكذا تسقط المؤسسات، سواء التابعة للقطاع العام او الخاص نتيجة الفساد المستشري التي امعنت به معظم القوى السياسية ،والتي يجب محاسبتها على «الخطيئة» التي اقترفتها بحق الشعب اللبناني.
ومن ثم يأتيك من يقول ان وقف الدعم على البنزين والمازوت خطوة استباقية قبل ولادة الحكومة ، فهل المطلوب «حرق انفاس» اللبنانيين ليتجاوبوا لاحقا مع اي خطوة حكومية بالتهليل والتصفيق وان كانت اقل حقوقهم؟ واذا لم تشكل الحكومة وعادت المشاكل الى الواجهة ،ماذا يمكن عندها القول الى الشعب اللبناني» ؟ هل المطلوب تهجيرهم من وطنهم؟
والحال ان البطاقة التمويلية كان يمكن انجازها من قبل، ولكن المناكفات السياسية عرقلت مسارها اما اليوم فهناك فرصة امام المواطنين اللبنانيين من الاستفادة من ثلاث دفعات سيقدمها صندوق النقد الدولي للبنان. واول دفعة ستكون في نهاية اب وهنا يفترض ان تخصص للفقراء والمحتاجين بعيدا عن توظيف هذه الاموال لاهداف انتخابية او آنية او سرقتها كما حصل مرارا في الماضي القريب.
وتزامنا مع ذلك، يستمر رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب بعدم القيام بواجبات هذه الحكومة في الحد الادنى، بل جل ما يفعله هو توجيه الانتقادات لغيره. والحال ان دياب رفض دعوة حكومة تصريف الاعمال لاجتماع طارئ مستندا على حجة ان الحكومة مستقيلة منذ 10 آب 2020 وبالتالي لا يريد خرق الدستور. وهنا تساءلت مصادر مطلعة اذا كان حسان دياب يصدق نفسه عندما يقول ذلك؟
وقف الدعم خطوة قبل ولادة الحكومة
رأت اوساط سياسية ان خطوة رفع الدعم عن المحروقات اعطت اشارة بأن الحكومة ستتشكل وان المباحثات الحكومية دخلت في الامتار الاخيرة للتأليف، لانه لا يمكن لاي رئيس حكومة ان يحمل كرة النار بيده وهي رفع الدعم ،لان هذا القرار اصبح امرا واقعا وكان سيتخذ عاجلا ام آجلا. واشارت هذه الاوساط انه بدلا من ان تتخذ الحكومة الجديدة هذا القرار وتضع نفسها في مواجهة مع الرأي العام فكان من الافضل اتخاذ قرار وقف الدعم عن المحروقات في هذا التوقيت، وعندها في اول لحظة تشكيل الحكومة تقوم بصدمة ايجابية من خلال انخفاض سعر الدولار وتتنفس الناس الصعداء وبالتالي تشكل الحكومة نوع من ارتياح لكيفية ادارة الازمة وتخفيف من حدة الارتطام.
بدورها، تؤكد اوساط نيابية في تحالف حركة امل وحزب الله ان التقدم في الملف الحكومي مرده الى المرونة التي ابداها امس الاول الرئيس نبيه بري في تسمية الوزير الشيعي لتولي وزارة المالية.
فبعد رفض رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ليوسف الخليل مدير العمليات في مصرف لبنان، أكد بري ان تسمية بديل عن الخليل لن تكون عقبة امام الحكومة وان «الثنائي الشيعي» لم يطلب اي حقيبة اخرى غير المالية ولم يغص في تفاصيل الحقائب الخدماتية ولم يكن جزءاً من اي سجال او بازار حكومي.
في المقابل تؤكد اوساط في «الحزب التقدمي الاشتراكي» ان النائب السابق وليد جنبلاط لم يطلب اي حقيبة بعدما كان تردد انه متمسك بالشؤون الاجتماعية وشرطه الوحيد ان تكون الحقيبة التي ستمنح اليه وازنة وتليق بتمثيله الدرزي.
وفي حين تقول الاوساط ان رئيس مجلس النواب نبيه بري يلتزم الصمت ولا يعلق على الملف الحكومي، تنقل عنه انه حذر فيما ينقل عن الرئيسين عون والرئيس المكلف نجيب ميقاتي من اجواء تفاؤلية، وهو متمسك بمقولة :»لا تقول فول ليصير بالمكيول»!
وفي تفاصيل التفاوض الحكومي، علمت «الديار» ان تسمية وزيري الداخلية والعدل قيد التداول بين عون وميقاتي مع ترجيح اسم واحد من بين عميدين سنيين متقاعدين لشغل وزارة العدل بينما يريد عون منح الداخلية لعميد مسيحي متقاعد مشهود له باستقلاليته وهو على علاقة طيبة به منذ العام 1990.
وفي توزيع الحقائب حسب الطوائف والاحزاب، يتردد وفق المعلومات ان التربية ستؤول لجنبلاط والاشغال لحزب الله، والطاقة بقيت لعون مع الدفاع بينما يجري التفاوض حول الشؤون الاجتماعية والاتصالات ولم يحسم امرهما بعد.
وترجح المعلومات ان ينتهي ميقاتي السبت والاحد من توزيع الاسماء والحقائب على ان يعقد اللقاء التاسع مع عون الاثنين اوالثلاثاء. واذا صدقت التوقعات ان الحكومة ستتشكل الاسبوع المقبل فهذا امر سيولد اجواء ايجابية ويريح الناس بعض الشيء.
مصادر مقربة من قصر بعبدا: لم يعلن سلامة عن قراره بوقف الدعم خلال اجتماع مجلس الدفاع الاعلى
من جهتها، قالت مصادر مقربة من قصر بعبدا ان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة لم يعلن خلال اجتماع المجلس الاعلى للدفاع عن قراره بوقف دعم المحروقات علما ان لديه الصلاحية في اتخاذ هكذا قرار، دون العودة الى رئيس الحكومة او رئيس الجمهورية انما رأت هذه المصادر ان قرار رفع الدعم عن المحروقات يتطلب مشاورات نظرا للانعكاسات السلبية على الاوضاع المعيشية . واضافت ان الاتفاق كان يرتكز على وقف الدعم للبنزين والمازوت في ايلول ولكن استبق حاكم مصرف لبنان الامر واوقف الدعم في آب.
ولفتت المصادر الى ان سلامة تكلم فقط عن دفع 830 مليون دولار للمحروقات خلال الشهر الماضي وقد اعرب حاكم مصرف لبنان عن اسفه لقيام البعض بتخزينها او تهريبها وكاشفا الى ان المال لم يعد متوفرا للاستمرار بدعم هذه المواد ويجب استخدام المال المتبقي لادوية الامراض المستعصية والمزمنة. واضافت هذه المصادر ان وزير الطاقة ريمون غجر سأل حاكم مصرف لبنان عما سيحصل في حال توقف الدعم ؟ من جانبه، قال الحاكم بانه سيفتح اعتماد للمحروقات وفقا لسعر السوق وهنا بدوره رد ريمون غجر ان سعر صفيحة المازوت سيصل الى 260 الف ليرة لبنانية في حين ان سعر صفيحة البنزين سيصل الى 320 الف ليرة لبنانية. وردا على سؤال حول تاريخ اصدار البطاقة التمويلية ، اشارت المصادر المقربة من قصر بعبدا ان وزير الطاقة كشف ان المعايير للبطاقة التمويلية تم وضعها وبقي فقط انجاز امور تقنية متعلقة بها اضافة الى المنصة التي يجب فتحها للبطاقة.
وحول التأخير الحاصل في تلقي لبنان النفط العراقي في ظل تفاقم ازمة المحروقات في لبنان، لفتت المصادر المقربة من قصر بعبدا ان وزير الطاقة خلال اجتماع المجلس الاعلى للدفاع تطرق لهذا الموضوع وشرح ان هناك ترتيبات لوجيستية لشحنها من بغداد الى بيروت انما اكد في الوقت ذاته ان الاتفاق تم ابرامه وتوقيعه مع العراق.
وايضا، لفتت مصادر مطلعة للديار الى ان وزارة الطاقة لم تغير التسعيرة القديمة للمحروقات حتى اللحظة مشيرة الى انه تم تسليم المصافي المازوت على السعر القديم ومؤكدة انه لم يفتح اعتماد جديد للمحروقات على السعر الجديد بعد قرار مصرف لبنان بوقف دعم البنزين والمازوت.
رفع الدعم عن المحروقات: صنع في بعبدا وبموافقة الجميع
في المقابل، كشفت اوساط وزارية للديار ان قرار وقف الدعم للمحروقات تم اعداده في قصر بعبدا ولكن عندما تصاعدت النقمة الشعبية جراء اعلان مصرف لبنان بوقف الدعم ، استدعى الرئيس عون الحاكم للطلب منه بتجميد هذا القرار ولكن الاخير رفض وعليه اصبح سلامة في الواجهة وبالتالي تحول الى كبش فداء لقرار السلطة مجتمعة. وفي هذا السياق، غرد النائب اسامة سعد على حسابه على تويتر قائلا: «لا تصدقوهم …قرار رفع الدعم قرار مدعوم من كل اطراف السلطة. الفوضى عصاهم الغليظة ضد الناس والفوضى ملاذهم لاعادة انتاج منظومتهم المجرمة. لا للفوضى القاتلة ولا للمنظومة المجرمة. نعم لوحدة الشعب ، نعم للعدالة ، نعم للامان، نعم للتغيير».
الخبير الاقتصادي سامي نادر للديار: البطاقة التمويلية كذبة من اكاذيب السلطة التي لن تنجزها
وفي نطاق متصل، اعتبر الخبير الاقتصادي سامي نادر ان قرار مصرف لبنان بوقف الدعم عن المحروقات قرار لا مهرب منه مشيرا للديار ان ربط رفع الدعم بالبطاقة التمويلية هو من جملة الاكاذيب التي تطلقها السلطة الحاكمة اليوم. ورأى ان السلطة لو كانت جدية في اصدار البطاقة التمويلية لكانت طبقت مشروع البنك الدولي في هذا المجال والذي يضع آلية لمن يستفيد من البطاقة التمويلية ولكن عطلت معظم القوى السياسية الحاكمة مشروع البنك الدولي واضعة اياه في «الجارور».واشار الخبير الاقتصادي ان السلطة لا تريد بطاقة تمويلية الا وفقا لاهدافها الانتخابية والانية والفاسدة. واضاف انه لم يعد هناك مال لدعم المحروقات بسبب اجرام السلطة بحق الوطن وشعبه مشددا ان لا حل سينفع لبنان في ظل وجود هذه الطبقة السياسية الفاسدة ولن يتوقف الانهيار طالما الاشخاص نفسهم يحكمون لبنان.
عشرات الافران اقفلت والغاز متوفر لخمسة ايام فقط
وفي غضون ذلك، علمت الديار ان نقيب الافران اتصل بوزير الاقتصاد راوول نعمة ليقول له ان عشرات الافران اقفلت ولكن رد نعمة عليه بهذه الكلمات الموجزة « ما خصني …هيدي مسؤولية وزير الطاقة». كما اعلن رئيس نقابة موزعي الغاز ان المخزون لا يكفي الا لخمسة ايام وعليه ناشد المعنيين على الاتفاق على السعر. كما طالب نقيب موزعي الغاز مصرف لبنان باعطاء الموافقة المسبقة لتتمكن الباخرة الموجودة في البحر منذ عشرين يوما بالدخول والتي تحمل 5000 طن كما السماح لباخرة اخرى تصل بعد اربعة ايام وتحمل 9000 طن. اضف الى ذلك، اعلن ادارة المركز التجاري سيتي مول اقفال المركز نظرا لازمة الكهرباء والظروف الاستثنائية والقاهرة.
وفي غضون ذلك حذرت اوساط اقتصادية انه مع انتهاء الموسم السياحي الصيفي وعودة المغتربين اللبنانيين الى البلاد التي يعملون فيها ، ستواجه المطاعم والمحلات التجارية واقعا كارثيا في حال لم تشكل حكومة تبادر الى اتخاذ اجراءات ايجابية بحق الوطن واقتصاده.
القوات اللبنانية: اليوم قبل الغد يجب اقرار البطاقة التمويلية للتعويض على الناس امام الازمة المستعصية
من جهتها، شددت مصادر القوات اللبنانية انه يجب ان تذهب فورا حكومة تصريف الاعمال باتجاه البطاقة التمويلية التي تشكل تعويضا للناس في مواجهة هذه الازمة المتمادية. ولفتت الى ان الاولوية اليوم هي لاقرار البطاقة التمويلية والاسراع فيها. واضافت هذه المصادر ان صندوق النقد الدولي سيقدم للبنان مبلغ بقيمة 860 مليون دولار في نهاية هذا الشهر الحالي وبالتالي يجب تخصيص هذه الاموال للبطاقة التمويلية شرط مراقبة صرفها ضمن آلية واضحة.
وقالت هذه المصادر للديار ان الحزب كان قد حذر مرارا وتكرارا بأن السياسة المعتمدة من خلال الدعم المشبوه والمفتوح ادت وستؤدي الى فقدان كل اموال الدولة وصرفها وهذا ما حصل عمليا. ذلك ان هذا الدعم كان يذهب اما تهريبا اما منفعة الى السماسرة. ولفتت المصادر القواتية ان السلطة لو اخذت بتحذير حزب القوات اللبنانية لما كانت وصلت الخزينة الى الخط الاحمر الذي وصلت اليه اليوم في هذا التوقيت بالذات. واضافت المصادر ان ممارسات السلطة الخاطئة عبر اعتمادها لسياسة الدعم ولسياسة المالية المشبوهة عن سابق تصور وتصميم ليستفيد منها المهربون والفاسدون والمحتكرون. ولفتت الى ان شح الاموال ونفاذها على مستوى المصرف المركزي هو نتيجة هذه السياسة وبالتالي تتحمل هذه السلطة الفاسدة مسؤولية الحالة التي وصلت اليه البلاد.
«اما وقد وصلنا الى ما وصلت البلاد اليه» اعتبرت مصادر القوات اللبنانية ان لا حل اليوم الا في رحيل هذه السلطة فورا لان من لا يستطيع ان يدير بشكل جيد اوضاع الناس يجب عليه الرحيل بكل بساطة. واستطردت بالقول ان السلطة الحالية تضع اللبنانيين امام خيارين وهو بين الاسوأ وبين اسوأ الاسوأ في حين ان اي سلطة في العالم تضع مواطنيها بين الافضل والاحسن.
وحذرت القوات اللبنانية من المس بالاحتياطي الالزامي خاصة ان السلطة ليست بعيدة عن استخدامه علما ان الاحتياطي هو ما تبقى من تعب الناس وجهدها وكفاحها خلال سنوات عدة. ورأت القوات اللبنانية ان السلطة الحاكمة اذا استخدمت الاحتياطي الالزامي سينفد ايضا بادارتها الفاشلة ومن ثم ستطالب السلطة باستخدام الذهب. وعليه،شددت القوات ان هذه السلطة لا افاق لها ولا حدود لسرقتها على حساب المواطن اللبناني مشيرة ان طالما هذه السلطة باقية طالما لبنان سيظل غارقا في دوامة الفشل والذل.