الجيش يُسقط الثلاثية الذهبية
“ليبانون ديبايت” – ميشال نصر
بين تداعيات الذكرى السنوية الأولى لتفجير مرفأ بيروت ، الذي لم تنته فعالياته بعد، والأجواء الإيجابية المزيفة التي يحاول رئيس الحكومة المكلّف نجيب ميقاتي بثّها ، خرق التوتر على الحدود الجنوبية، المشهد في توقيت مشبوه ، مرتبط بحسب مسار الأحداث، بأجندة غير لبنانية منذ لحظة بدايته وحتى نهايته، ما يضع الدولة اللبنانية أمام معضلة جديدة مرتبطة بالملف الحكومي، عنوانها بند المقاومة في البيان الوزاري في حال وُلدت الحكومة.
فبروفا الصواريخ التي بقيت محدودة في الزمان والمكان، واضعةً لبنان على “كف عفريت” في لحظة إقليمية – دولية بالغة الحراجة، بيّنت أن الدولة اللبنانية بمستوياتها السياسية، التي تفاعلت مع الحدث وفقاً للدارج، غائبة عن السمع والوعي، مسلّمة بانتهاء الأمر إلى دعوات لضبط النفس واللجوء إلى الأمم المتحدة، دفعت إلى حصر المواجهة بين أطراف ثلاثة، الشعب اللبناني ومن خلفه الجيش، “حزب الله” وتل أبيب، التي نجحت حالياً بإبقاء بيروت خارج اللعبة الإيرانية-الإسرائيلية.
خطوة الحزب في الردّ، وإن جاءت بإطلاق عشرات الصواريخ، إلاّ أنها لم تكن أكثر من حفظ لماء الوجه، في ظلّ عدم نجاح السيد حسن نصرالله، بالوفاء بوعده بالردّ من لبنان على مقتل أي عنصر من الحزب في سوريا، وهو ما حصل أكثر من مرة، وهنا لا بدّ من الإشارة إلى أن استهداف الطيران الحربي الإسرائيلي لقرى جنوبية، لأول مرة منذ عام 2006 ، لم يكن من باب كسر قواعد الإشتباك بقدر ما هدف إلى التأكيد على أن إسرائيل جاهزة لأي تصعيد، خصوصاً أن الدعم الأميركي الذي تبحث عنه، بات مؤمّناً بعد الخطأ الإيراني الإستراتيجي.
الإستعراض الإسرائيلي، في المقابل، وعرض عضلات رئيس الحكومة الإسرائيلي الجديد نفتالي بينيت، جاء بعد اتصالات أجرتها عواصم القرار من باريس إلى موسكو، داعيةً إلى عدم ضرب أية مواقع للحزب خوفاً من الإنزلاق إلى حرب مفتوحة تُطيح بما تبقّى من هيكل للدولة اللبنانية، في توقيت غير مناسب، علماً أن تل أبيب كان سبق وأبلغت واشنطن، عن توافر معلومات إستخباراتية لديها عن أوامر عمليات للمجموعات الإيرانية في “دول الطوق” لتحريك الجبهات المحيطة بالكيان من غزة إلى جنوب لبنان.
وسط هذا المشهد، بدا واضحاً أن شيئاً ما كبيراً قد تغيّر ، الجيش اللبناني يثأر لكرامة الدولة مضطراً، فيُصدر بياناً ويوقف “أداة الجريمة” وكذلك المقاومين، وإن شكلاً وليس فعلياً، بعد تسوية سياسية أنجزت بيد قضائية، دون أن يُخفي استقبال “الموقوفين” في بيئتهم كأبطال واقع انتصار منطق الدولة على الدويلة للمرة الثانية، التي تلجأ فيها الحارة إلى الشرعية الرسمية للخلاص من الورطة، ولتكون بذلك الخاسر الأكبر في أقلّ من أسبوع، وفي المرّتين على يد سلاح لطالما استخدمته لترويض الاخرين، ألا وهو الفتنة.
عليه فإن ما قبل ردة فعل الجيش هو غير ما بعدها ، وسيترك آثاره وتداعياته على الآتي من الأحداث على الصعيد السياسي والأمني والعسكري، خصوصاً في ظلّ المعلومات المتوافرة عن قرار باستمرار إطلاق الصواريخ، داخلياً وخارجياً. فنظرية “مقاومة وشعب وجيش”، تلقّت ضربةً قويةً من طرفين فيها، شعب انتفض في شويا، وجيش تصرّف وفقاً للقوانين، ما سيكون له عملياً تأثيره على البيان الوزاري للحكومة الجديدة، والذي سيشكّل ساحة صراع جديد في حال مرّ قطوع التشكيل، الذي بات بعد ما حصل أكثر صعوبةً وتعقيداً، مع توجه “حزب الله” للتشدّد أكثر على هذا الصعيد.
يقول المثل “يا عنتر مين عنترك ؟عنترت وما حدن ردّني”… إنها حقيقة يفرضها عادة ميزان قوى أطراف المعادلة… فهل بدأ ميزان القوى يتغيّر في لبنان؟… يسأل الشاطر حسن.