أين عدالة القروض السكنية؟
المصدر : وكالة نيوز
الكاتب : عباس قبيسي
في العديد من البلدان، يعتبر الحصول على سكن مناسب أمرًا صعبًا دونه تحديات كبيرة للعديد من الأفراد والأسر، لذا فإن توفر القروض السكنية يمثل فرصة هامة لتحقيق الشباب لأحلامهم في امتلاك منازلهم الخاصة.
وبحسب المتعارف عليه، فإن القروض السكنية عبارة عن تمويل يقدّم من قبل المصارف المحلية أو الجهات المالية المعنية في الدولة، وفق شروط وضوابط محددة في إطار سياسات مالية خاصة، وهي تقدّم للذين تنطبق عليهم الشروط المنصوص عليها، وبالتالي فإنها تعدّ عملية تساهم بطريقة أو بأخرى في تحقيق تنمية المجتمع. لكن على الرغم من كل الفوائد لهذه القروض، إلا أنه لا بد من النظر بدقة وعناية في آلية العمل المتبعة في عملية منحها، خصوصاً لجهة تحديدها للشرائح المستفيدة منها ومدى مقدرة أفراد تلك الشرائح على تأدية التزاماتهم بسداد المبلغ المقترض.
وفي ما يتعلق بآخر تطورات القروض السكنية في لبنان، كانت الأخبار التي راجت في الآونة الأخيرة حول رصد مبلغ قيمته 165 مليون دولار لمصرف الإسكان وهو عبارة عن تمويل على شكل قرض مقدم من الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي، وهذه الأخبار عززت آمال اللبنانيين خصوصاً الموظفين منهم بامتلاك منزل خاص، لكن هذه الآمال تبخرت خصوصاً في ظل الشروط المحددة لجهة تحديد الفئات المستفيدة من هذه الخطوة، لأنها تقوم على أسس تفتقر إلى العدالة الاجتماعية والمساواة، لأنها تحرم موظفي القطاع العام من فرصة الحصول على التمويل، وبالتالي تكون النتيجة هي تغليب مصلحة القطاع الخاص على العام، علماً أن الأخير يعاني اصلاً من انهيار بات ينذر بعواقب قد لا تحمد عقباها.
وفي التفاصيل، فإن قيمة القرض تتراوح بين 40 ألف دولار لأصحاب الدخل المحدود، و50 ألف دولار لأصحاب الدخل المتوسط، وسيتم سداده على مدى 20 عامًا. ومن المفترض أن يُسدد المقترضون ثلث دخلهم. على سبيل المثال، إذا كان الدخل الشهري 1500 دولار، فعلى الشخص دفع 500 دولار. وعليه، ستتراوح قيمة السند الشهري بين 300 الى 400 دولار. وهذا سيحجب فائدة القرض عن موظفي القطاع العام الذين هم في أمس الحاجة إليه، والسبب في ذلك أن رواتب موظفي هذا القطاع تبلغ في أحسن الأحوال نحو 400 دولار على أحسن تقدير، وهذا الراتب لا يكفي لتلبية احتياجات موظفي القطاع الأساسية.
في ظل هذه التحديات الاقتصادية والاجتماعية والمالية، والحال التي يمر بها موظفو القطاع العام، كان حرياً بالحكومة والمسؤولين عن الهندسات المالية في البلد أن يعملوا انطلاقاً من مبدا تحقيق العدالة الاجتماعية والمساواة بين كل شرائح المجتمع، مع الاخذ في الاعتبار الأوضاع المالية لكافة الشرائح التي تحتاج إلى مثل هذه القروض، وهذا يتطلب في مكان ما تحقيق التوازن الاجتماعي بين موظفي القطاعين العام والخاص لأن من شأن ذلك أن يعزز استقرار المجتمع وتنميته، هذا إذا كان هدف القيميين على تلك القروض تحقيق تنمية المجتمع وليس مجرد آلية لتنشيط القطاع العقاري من دون الالتفات إلى المواطن واحتياجاته بغض النظر عن طبيعة عمله.
وفي الختام، لا شك أن السكن هو هاجس أساسي للمواطن اللبناني، لأنه يعزز مقدرة المجتمع على الإنتاج، ويجنبه خضات عدم الاستقرار، ولأنه كذلك فإن المطلوب هو البحث في كيفية تأمين التمويل اللازم للقروض السكنية مع عدم ربطها بشروط تؤدي في النهاية إلى استفادة جزء محدد منها وحرمان شريحة كبيرة منها، لأن من شأن ذلك أن يخلق حالة من الغبن تؤدي في بعض نواحيها إلى إبطاء عجلة النمو الاقتصادي، وهذا ما لا يحتاجه البلد حالياً في ظل الأزمة الكبيرة التي يمر بها.