أسئلة شديدة الملوحة حول تفجير مرفأ بيروت؟؟؟
ناصر قنديل-البناء
– يدور النقاش اللبناني الداخلي وما يواكبه من نقاش خارجي حول من يجب ان يُلاحق بموجب التحقيق الجاري حول تفجير مرفأ بيروت، ولا يخفي نقاش الحصانات، سواء بدعوة رفعها عن الجميع، أو بالتحصّن خلفها من الجميع، أو بتمييز البعض عن البعض، وسواء ما يصدر عن القوى السياسية او عن المحقق العدلي او عن الهيئات الحقوقية الخارجية والداخلية، أن الأصل في النقاش هو السياسة، وفي هذا توظيف لدماء الشهداء ولشعاري الحقيقة والعدالة، لأن الأصل في تحرك من ينشد الحقيقة والعدالة ليس البحث عمّن يمكن تحميله المسؤولية وتقديمه على مذبح الحقيقة والعدالة، فالأصل هو البحث عن الحقيقة ثم إقامة العدالة، لأنّ البحث عن العدالة يعني البحث عن قصاص يعادل سقوط أرواح غالية ودمار وخراب لحقا بأملاك الناس وتشويه أصاب وجه المدينة الجميلة، والبحث عن قصاص يعادل الجريمة قد لا ينسجم مع السعي للحقيقة التي تبدأ من طرح الأسئلة الحقيقية، قبل الحديث عن المسؤولية، وتبحث عن توصيف الجرم قبل الحديث الجريمة والمجرمين.
– الأسئلة التي توصل الى الحقيقة لا يجب ان تعرف المجاملة، ولا السعي لتجنب الإحراج، ولا التوجيه السياسي، والأجوبة على هذه الأسئلة يجب ان توضع في تصرف الرأي العام ليُبنى عليها الإتهام، وفق التوصيف الجرمي الذي توفره الحقيقة وحدها، وما دامت الحقيقة غائبة أو مغيبة، يبقى كل اتهام وكل توصيف جرمي سياسة، ولو رافقته سياقات مدبجة قانونا، وتبقى كل حصانة سياسة أيضاً ولو رافقتها سياقات مدبّجة قانوناً، والصراع بينهما صراع سياسي بغلاف قانوني، لأنّ الفريقين الإتهامي والمتحصن، لا يقدمان أولوية البحث عن الحقيقة، بل يدخلان فوراً في النقاش الجرمي والإتهامي، مع إيهام الزعم ان في ذلك سعياً للعدالة.
– نحو الحقيقة يجب ان نعرف بداية، هل ان النقاش يدور على قاعدة التسليم بأن لا عمل جرمياً وراء جلب النترات، وأن لا عمل جرمياً وراء استبقائها، وأن لا عمل جرمياً وراء تفجيرها، وانّ كلّ المعنيين أبرياء من هذه الزاوية، والنقاش محصور بتوصيف جرم الإهمال وحدود المعرفة بالخطر الناتج عنه، وهذا هو معنى القتل بالقصد الاحتمالي قانوناً، فلماذا لا يقول لنا التحقيق أولاً إنّ الفرضيات الجرمية القائمة وراء جلب النترات واستبقائها وتفجيرها، ساقطة، وإنّ لديه سردية تقول إنّ كلّ شيء تمّ عفواً وبالصدفة، وسقط الشهداء وتخرّبت المدينة لأنّ المسؤولين لم يقوموا بما كان يمكنهم القيام به لتجنب الكارثة، تماماً كما هو التوصيف الرائج لسردية الانهيار المالي، القائمة على نفي وجود جريمة الاستدانة المفرطة، والفوائد المفرطة، والأرباح المصرفية المفرطة، والتحويلات المفرطة، والإنفاق العام المفرط، وانّ كلّ القضية انّ المسؤولين نسوا أن ينتبهوا لما يجب فعله لمنع الإنهيار!
– الأسئلة نحو الحقيقة تبدأ من تقديم جواب مقنع ورسمي من اليونيفيل حول كيفية تعاملها مع ملف النترات، وهي الجهة الأمنية المزوّدة بأحدث التقنيات، والموجودة للتشدّد في مراقبة كلّ ما يقع تحت تصنيف عسكري او شبه عسكري في البحر ويحاول دخول المياه اللبنانية، من دون مزحة المانيفست، لأن الألمان والطليان والفرنسيين ليسوا موجودين لمنع تزوّد حزب الله بالسلاح من خلال مراقبة ما اذا كان يجلب السلاح مصرحاً عنه وفقاً للمانيفست، بل لتجاوز المانيفست ومعرفة المخفي والمخبّأ ووضع اليد عليه، فما هي معلومات البحرية الدولية عن النترات، وكيف تفسّر تسامحها مع دخولها ومع بقائها، وكيف تفسّر ما هو أخطر الحديث عن استعمالها، خصوصاً انّ الإتهامات الرائجة توجه نحو حزب الله الذي وُجدت هذه البحرية الدولية لمراقبة ما هو أقلّ ومنع وصوله، فهل يعقل ان اليونيفيل البحرية كانت علم خلال ست سنوات وتصمت على تخزين حزب الله للنترات واستجرارها نحو سورية او غيرها، وربما في وجهات أوروبية كما يقول خصوم حزب الله، فماذا تقول اليونيفيل عن كلّ ذلك، ولماذا لم يسألها مجلس الأمن الذي انتدبها لمهمة واضحة وحاسمة، عن تبريرها لهذا الانتهاك الخطير لمهمتها، وهل قام المحقق العدلي بمراسلة من تعاقبوا على قيادة هذه القوة البحرية واستدعاهم للتحقيق، لأنّ جوهر مهمتهم وفق القرار الأممي هو مساعدة البحرية اللبنانية على ضبط السواحل اللبنانية ومنع دخول أيّ مواد عسكرية وشبه عسكرية، لغير الجهات العسكرية الشرعية للدولة اللبنانية؟ وان لم يفعل فلماذا؟
– الحلقة الثانية من الأسئلة تطال زيارات متعددة تمّت لبوارج حربية أميركية وبريطانية وفرنسية، الى مرفأ بيروت، آخرها كانت زيارات البارجة الأميركية يو اس اس راماج في شهر أيلول 2019، وبعدها حاملة الطائرات الفرنسية تولون في آب 2020، وقبلهما حاملة الطائرات البريطانية أوشن في شهر آذار 2017، وقبل هذه الزيارات زيارات أخرى، تمت لمرفأ بيروت، من سفن حربية غربية، ومعلوم عند أبسط الخبراء الأمنيين أنّ مسحاً أمنياً تفصيلياً يتمّ لمدى جغرافي لعدة كيلومترات، بواسطة معدات تقنية عالية الدقة، تهتمّ اصلاً بوجود المواد المتفجرة، في دائرة قريبة، وكلّ هذه الزيارات وما سبقها من مسح أمني جرت في فترة إقامة النترات في المرفأ، فماذا قال الخبراء وكيف صنفوا وجودها ودرجة خطورتها، ولماذا تغاضوا عنها، وكلّ الخبراء يقولون انه يستحيل الا تكون قد ظهرت على شاشات أجهزتهم، أو ان يكون قد فاتهم حجم خطورتها، وانّ التفسير الوحيد للتغاضي هنا هو وظيفة متفق عليها ومعلومة من المعنيين في الغرب وبعض نظرائهم في لبنان لمهمة النترات واقامتها، لأنّ القول بالعكس بالنسبة لعمليات التفتيش العسكرية كما بالنسبة لليونيفيل يعني ضمنا تبرئة المسؤولين اللبنانيين العسكريين والأمنيين، الذين لا يمكن اتهامهم حتى بالتقصير ان كان كبار خبراء الغرب العسكريين لم يعتبروا ان وجود النترات مصدر خطر، فكيف من هم أقلّ مسؤولية وخبرة من وزراء ومدراء لهم صفات ادارية!
– الحلقة الثالثة من الأسئلة التي تقودنا للحقيقة، هي لبّ القضية، فهل تمّ استقدام هذه النترات لاستعمالها، والوجهة المنشودة كانت الحرب السورية، ولحساب من في سورية، وإذا ثبت سواء لجهة الاستقدام المتعمّد لهذه الغاية، او استثمار بقاء النترات وإطالة أمد بقائها عمداً، سيكون سهلاً معرفة الجهة اللبنانية الإدارية والسياسية والأمنية التي ارتكبت جرم التواطؤ من خلال معرفة جهة الإستخدام السورية، خصوصاً انّ التقرير المسرّب عن الـ «أف بي أي» يقول إنّ الكمية التي تفجرت هي أقلّ من ربع الكمية الموجودة نظريا وعلى الورق، وتبعه محامي القائد السابق للجيش اللبناني، المتهم بالتقصير في الملف، العماد جان قهوجي، يقول انّ حزب الله كان يهرّب هذه النترات الى سورية، ولأنّ الحقيقة هي الحقيقة، وجب على المحقق العدلي ان يسير بفرضية واحدة يمكن الحديث معها عن جرم عمد، هي جلب أو استبقاء النترات بهدف ارسالها الى سورية، وتتبّع هذه الفرضية لنفيها او تأكيدها، وإن تأكدت تحديد وجهة الإستخدام، ليسهل تتبّع جهة التسهيل اللبنانية، وبالمناسبة قد يفيد التذكير بأنّ سورية من الدول الأولى في العالم بإنتاج نترات الأمونيوم، وأنّ مصنعاً واحداً تملكه الدولة السورية قرب بحيرة قطينة بجوار حمص ينتج 250 ألف طن من النترات سنوياً وموجود منذ السبعينيات من القرن الماضي وكان يصدّر الفائض من إنتاجه للخارج، وبقي تحت سلطة الدولة السورية، وتمّ تخفيض إنتاجه خلال سنوات الحرب لتراجع الطلب داخلياً وصعوبة التصدير للخارج بسبب ظروف الحرب ومصاعب العلاقات الدولية الناتجة عنها ما ينفي حاجة الدولة السورية للنترات، لكن بكلّ حال على المحقق ان يتتبّع خيوطه ويطرح أسئلته ويبحث عن الأجوبة، حتى يجد ما يقنعه ويخرج به على اللبنانيين طالبا اقتناعهم؟
– اذا كانت الخلاصة التي تختصر حقيقة التحقيق هي ما بُنيت عليه الاتهامات، فهي تقول ان لا جرم ولا جريمة، وان القضية هي انّ هناك من عرف بوجود النترات وخطرها ولم يفعل ما كان ينبغي فعله، وهؤلاء قصّروا ويجب ان يحاسبوا على تقصيرهم، وهذا معنى القتل بالقصد الاحتمالي، وان ثبت هذا فالاستنتاج صحيح، لكن قناعة المحقق بهذه الحقيقة يجب ان تقال بصراحة ووضوح، وله أن يمضي في توزيع المسؤوليات بعد ذلك، وفقاً لمعادلة درجة المسؤولية عن واجب المعرفة، ودرجة المسؤولية وفقاً لموجب القدرة على التحرك، ومن يجب ان يعرف ولم يعرف لا ينال البراءة، ومن ضمن صلاحياته التحرك ولم يتحرك لا يمنح صكّ البراءة لأنّ أحداً لم يراجعه، فوفقاً للصلاحيات ثمة من اطلع عرضاً وليس من مهمته المعرفة ولا من صلاحياته التحرك، وثمة من عليه ان يعلم وعليه ان يتحرك، وهؤلاء في مقدمة من يجب ان يتحمّل المسؤولية، ووفقاً للقوانين اللبنانية ثمة ثلاث جهات لبنانة يجب ان تعلم ويجب ان تتحرك، هي الجمارك، والنيابة العامة وقيادة الجيش، وقبلها جميعاً قيادة اليونيفيل البحرية!