السقوط المدوّي لترامب وسيناريوات الرحيل…
د. جمال زهران*-البناء
أصبح سقوط «ترامب» في الانتخابات الرئاسية الأميركية في الثالث من تشرين الثاني/ نوفمبر 2020، حتمياً. اليوم تجري الانتخابات مع نشر هذا المقال، وبعد ساعات من النشر، وفي صباح الغد تكون النتيجة قد أعلنت رسمياً برحيل هذا الـ «ترامب»، إلى غير رجعة بإذن الله.
قد يتظاهر أنصار ترامب داخل أميركا وخارجها، بأنه على وشك الاستمرار في البيت الأبيض. حيث أنهم يعترفون بأنّ الإعلام بجميع وسائله العادية يقف ضدّه وبنسبة 90% في غالبية التقارير، إلا أنهم يتهامسون بأنّ الإعلام الإلكتروني معه وسينتصر من خلال إعلام التواصل الاجتماعي، ويروّجون ذلك على خلفية أنّ هذا الإعلام غير مرصود بشكل كامل! وعلى عكس الحقيقة فإنّ الإعلام يعمل ضدّ ترامب بكلّ قوته وقدراته، بسبب هجوم ترامب المستمر عليه من ناحية، ومن ناحية أخرى بسبب سياساته التي اتسمت بالفوضى الشاملة داخل أميركا وخارجها.
وقد ظهر الفشل الذريع لهذه السياسات، في إدارة ترامب لملف كورونا (Covid-19). حيث تعامل مع هذه الأزمة بنوع من الاستخفاف والوعود الكاذبة، حتى وجد الأميركيون أنفسهم يموتون على قارعة الطرق في أنحاء أميركا كلها. فلم تتوقف الإصابات أو تتراجع وكذلك عدد الوفيات يتزايد. فعدد الإصابات اليومي نحو (50) ألفاً، وعدد الوفيات أكثر من (ألف) مواطن يومياً. وبلغت الإصابات إجمالاً (10) مليون، أيّ نحو 25% من إجمالي إصابات العالم، وبلغت الوفيات أكثر من (250) ألفاً، تعادل 25% من إجمالي الوفيات في العالم! وهو أمر كارثي بلا شك.
فضلاً عن وعوده المتكرّرة، بأنّ «المصل والعقار» في الطريق وقبل الانتخابات كوعود يخدّر بها الشعب الأميركي، وثبت كذبه! وأعلن عن إصابته وأسرته وعدد من العاملين معه بالبيت الأبيض، ولا يزال هذا الأمر «غامضاً»، بين توقعات بالتظاهر بالإصابة لكسب تعاطف شعبي بعد فشل الحملة الانتخابية في توليد شعبية حقيقية له، أو بأنها إصابة حقيقية نتيجة عدم التزامه بالإجراءات الاحترازية وارتداء الكمامة، واستخفافه بالوباء وكأنه غير موجود في أميركا، محاولة منه للتهوين من كورونا. ولا يزال على اتهاماته للصين، بينما الصين تتهم أميركا، والحقيقة ضائعة بينهما، والعالم يعاني من هذا الوباء سواء كان طبيعياً أو مُصنّعاً، كما هو متوقع. فما استطاع إنجازه للشعب الأميركي قبل كورونا، كما يدّعي أنصاره، خسره بشكل كامل في سوء إدارته لأزمة كورونا، فتعرض شعبه للخطر الجسيم ولايزال الشعب يعاني.
في نفس الوقت تتزايد فجوة سياسات الرأي العام الحقيقية ضدّ ترامب، ولصالح بايدن، حتى أصبح بايدن رئيساً قبل إجراء الانتخابات، وهو أمر مستغرب على الانتخابات الأميركية. ويعوّل المروّجون، لترامب، أنّ ذات الحالة كانت في عام 2016، حيث كانت هيلاري كلينتون، منافسته تتمتع بشعبية كبيرة في استطلاعات الرأي العام، إلا أنه استطاع كسب الانتخابات! وقد تناسى هؤلاء أنّ القياسات مختلفة، والبيئة المجتمعية المصاحبة للانتخابات هذه المرة مختلفة، فضلاً عن «فائض الفشل» الذي يتمتع به ترامب في جميع سياساته الداخلية والخارجية، التي تعمل ضدّ الشعب الأميركي، والدولة الأميركية، وكشف ذلك عن نفسه في الاستطلاعات، على عكس ما كان سائداً في عام 2016، حيث لم تكن لهيلاري كلينتون، أيّ تجربة يحاسبها الرأي العام عليها. ومن ثم ففرص نجاح ترامب معدومة تماماً.
على الجانب الآخر، فقد أجريت المناظرة الثانية، واتسمت بالهدوء، وإجمالاً جاءت أيضاً في صالح بايدن، وخسارة ترامب، الذي اتضح أنه فقد مصداقيته عند الرأي العام الأميركي، تماماً.
وبدأ المروّجون لترامب يثيرون مشاكل ما بعد خسارته الحتمية، بالإشارة إلى احتمالات عدم خروج ترامب من البيت الأبيض، وعدم اعترافه بالهزيمة، وباللجوء إلى خيارات المحكمة الدستورية الذي أصرّ على تعيين قاضية جمهورية، على عكس التقاليد وقت الانتخابات بتأجيل التعيينات إلى حين الانتهاء منها، وتترك للرئيس المنتخب! على خلفية أن يأتي التصويت لصالحه في المحكمة العليا (Supreme Court)، المعنية بالشأن الدستوري كما أنهم يروّجون إلى احتمالات حدوث حرب أهلية بين الولايات الديموقراطية والولايات الجمهورية! ويتضح أنّ إثارة ذلك من حملة ترامب، هو، إثارة الفزع لدى الشعب، فيضطر لانتخابه، وهو أمر لن يحدث، ولن يخشى الشعب الأميركي من ذلك. فقد حسم أمره، وعقد العزم على انتخاب بايدن، وهو الأمر الذي كشف عنه في الانتخابات المبكرة بنحو 40% من إجمالي الناخبين، بأنّ بايدن يتمتع بأغلبية ساحقة، وهو الرئيس القادم للولايات المتحدة في الثالث من تشرين الثاني/ نوفمبر 2020.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، والأمين العام المساعد للتجمع العربي الإسلامي لدعم خيار المقاومة، ورئيس الجمعية العربية للعلوم السياسية.