«لا تدعوا قصتي تنتهي هنا». قبل خمس سنوات، ذيّلت هذه العبارة صُوَر عشرات المفقودين والمُختفين قسراً خلال الحرب الأهلية اللبنانية ممّن «حُبسوا» في إطارات الصور ضمن حملات إعلامية تضمّنها مشروع «فسحة أمل» الذي وثّق قصص المفقودين. أتى ذلك في سياق يهدف إلى إحياء قضيتهم التي «اجتُثّت» بحجة الحفاظ على السلم الأهلي، والتي صارت في ما بعد «خاصة» بـ17 ألف أسرة فقط (عدد المفقودين) تكافح وحدها لمعرفة مصير أبنائها.
في الذكرى السنوية الأولى لانفجار الرابع من آب، يصلح استحضار هذا الشعار بسبب تشابه ظروف الجريمتين لجهة سعي مُرتكبيهما إلى «بتر» القصص وتحويل الضحايا إلى أرقام لا هوية لهم بهدف سحب قضيتهم من الذاكرة الجماعية لتصبح «شأناً» خاصاً بأناسٍ لم يرتكبوا ذنباً سوى أنهم سكنوا أو عملوا أو صودف مرورهم بجانب مرفأ المدينة.
والدعوة إلى استكمال القصص اليوم والمُطالبة بعدم بترها لا تأتي من فراغ، فهي نابعة من المساعي الحثيثة لـ«طمر» واحدة من أفظع الجرائم التي ترتكبها سلطة بحق ناسها. ولئن كانت بوادر «انهيار» التحقيقات مع المسؤولين أوقح دليل على الجهد الذي يُبذل لعدم الاقتصاص من الجناة، وبالتالي إهانة أرواح ما يزيد عن مئتي شهيد، فإنّ آلية التعامل مع الجرحى والمُهجّرين، فضلاً عن «إدارة» الدمار الذي خلّفه التفجير تفضحان نية «القفز» عن الكارثة والدَّوس على الجراحات حمايةً للمجرمين. بل أكثر من ذلك، ما قام به صنّاع القرار بعد الانفجار يُضاهي فعل القتل، وهو أشبه بتدفيع الضحايا الناجين ثمن نجاتهم من الموت. انفجار المرفأ هو الندبة التي تحكي فاجعة بيروت المقترفة بأيدي حاكميها. وهذه القصة يجب أن لا تنتهي هنا.