لم يكن ما جرى في محيط مطار كابول، أوّل من أمس، خارج سياق التوقّعات؛ فعلى مدى الأيام القليلة الماضية، توالت التحذيرات من جانب وكالات الاستخبارات العالمية، من خطر وشيك يتهدَّد عمليّة جلاء قوات الاحتلال، ومَن تسنّى لهم اللحاق بها. ولا شكّ في أن الحادثة التي أعادت معها خلط الأوراق في أفغانستان، بعد أقلّ من أسبوعين على عودة حركة «طالبان» إلى الحُكم في موازاة الانسحاب الأميركي والانهيار المتسارع للمؤسّسات الأفغانية، وعلى رأسها الجيش، تشكِّل منعطفاً بالغ الخطورة أمام سلطات كابول الجديدة، المشغولة راهناً بتثبيت مداميك حُكمها، ووضع أُسس نظامٍ للحقبة الجديدة، سيكون، كما تدّعي، مختلفاً عن ذاك الذي ساد إبّان الغزو الأميركي لأفغانستان عام 2001.
بهذا المعنى، أُضيف تحدٍّ آخر إلى التحديات الجمّة التي تجابه سلطات «طالبان»، والتي تُشكِّل المعارضة المسلّحة في وادي بانشير جزءاً منها، فضلاً عن مصاعب سياسية واقتصادية ومعيشية، لن يكون في مستطاعها مواجهتها جميعاً ما لم تنلْ اعترافاً دوليّاً بشرعيّتها. ومع أن عودة تنظيم «داعش» إلى نشاطه كانت مبكرة جداً، توقّع مراقبون، ومن بينهم دانيال بايمان، الخبير الأميركي في شؤون الشرق الأوسط والإرهاب، أن تعيد المجموعات الإرهابية في هذا البلد تنظيم صفوفها بعد الانسحاب الأميركي. ورأى، في مقالة له نُشرت في مجلة «فورين أفيرز» الأميركية، أن «إجراءات مكافحة الإرهاب ستصبح أصعب بعد انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان»، مستبعداً، في الوقت ذاته، أن تعود البلاد ملاذاً للتنظيمات الجهادية العالمية، وذلك لأسباب عدّة، لعلّ أبرزها فقْد تنظيم «القاعدة» الكثير من قوّته، والعداوة الكبيرة بين الحركة و«داعش»، والذي يهدّد تمدُّده في عموم البلاد، دول جوار أفغانستان، من إيران غرباً إلى دول آسيا الوسطى شمالاً، وما يعنيه ذلك من مخاطر مباشرة في منطقة النفوذ الروسي. ولكن ما يورده بايمان في مقالته من أن «الولايات المتحدة، وحتّى بعد انسحابها من أفغانستان، لن تعتمد على طالبان عندما يتعلّق الأمر بحماية نفسها من التهديدات الإرهابية، لكونها تمتلك خيارات أخرى لمراقبة المشهد الجهادي في هذا البلد، وعند الحاجة محاربته أيضاً، وخصوصاً أن الجيش الأميركي بحث إمكانية استخدام قواعده الجويّة خارج أفغانستان لتنفيذ هجمات… إذا اقتضت الضرورة ذلك»، يبدو، في ظلّ التطورات الأخيرة، مجافياً للواقع، إذ لم تمنع التحذيرات حدوثَ «الهجوم الوشيك»، في مكان يكتظّ بآلاف الأفراد العسكريين الأميركيين، على رغم غياب عنصر المفاجأة، وفق ما يؤكد المسؤولون الأميركيون.

يدور السؤال راهناً حول ما إذا كانت الضربة الكبيرة التي تلقّتها أميركا، وهي تغادر أفغانستان، ستُعجّل من قرار رئيسها المنكوب، جو بايدن، الاعتراف بنظام «طالبان»، التي كان لظهور تنظيم «الدولة الإسلامية ــــ ولاية خراسان»، الفرع الأفغاني لـ«داعش»، في أفغانستان عام 2015، ومحاربتها له، دور إيجابي في تنامي دورها على الساحة الدولية، وبدء دول عدّة في التقرّب منها. تفيد التقارير الإعلامية، في هذا الإطار، بأن انتصار «طالبان» على «ولاية خراسان» في معركة دمج أجزاء من أفغانستان في «دولة الخلافة»، جاء بمساعدة دول أخرى، من بينها الولايات المتحدة التي كانت تعرف أنه لا يمكنها الاعتماد على جيش درّبته طوال عشرين عاماً. لهذا، يمكن عودة «داعش»، في هذا التوقيت الحسّاس، أن تكون أحد أسباب تلقّي «طالبان» دعماً من جانب دول عدّة، مثل أميركا، تخشى تمدُّد التنظيم، شأنها شأن روسيا والصين وإيران، التي لها إمّا حدود مع أفغانستان، أو مناطق نفوذ في الجوار الأفغاني، وهو ما يجعلها تُبقي على نشاطها الدبلوماسي قائماً، وخصوصاً بعد انسحاب الولايات المتحدة.
منذ عام 2015، ظهرت خلافة «داعش» في أفغانستان داخل ولايتين، هما: ننجرهار الشرقية وجوزجان الشمالية. لكن نشاط التنظيم لم يلقَ ترحيباً من جانب «طالبان»، التي اعتبرت «ولاية خراسان»، منذ البداية، عدوّاًَ يجب محاربته. وفي مقابلات أجريت معه قبل مقتله، قال الخراساني إن «داعش كان لديه أهدافاً عالمية، بينما سعت طالبان إلى استعادة السيطرة على أفغانستان من دون أن تُبدي استعدادها لمساعدة الجماعات الإسلامية خارج البلاد… قيادة داعش مستقلّة، وأهداف داعش مستقلّة.. لدينا أجندة عالمية، ولذلك عندما يُسأل الناس من الأَوْلى في تمثيل الإسلام والمجتمع الإسلامي بأسره، فنحن بالطبع أكثر تميُّزاً». بعيد ظهور «ولاية خراسان»، بدأت بعض الدول، وفق صحيفة «وول ستريت جورنال»، تفكّر في احتمال أن تكون «طالبان» «رادعاً محتملاً» لطموحات التنظيم. ونقلت الصحيفة عن مسؤولين في الحكومة الأفغانية المنحلّة قولهم إن «بروز داعش كعدوّ دولي جديد أدّى إلى تعزيز دور الحركة وتناميه على الساحتَين الدولية والدبلوماسية، بعدما سعت، على مدى سنوات، إلى إزالة وصمة الإرهاب عنها».