لا بأس أن أخاف… فأنا في لبنان
صبا مروة – صحافية لبنانية
كلّنا سنموت، ولكنني، وجيلي المنكوب الذي دفن أحلامه بيديه تحت التراب، لا أريد أن أموت ميتةً ذليلة، أريد موتاً عادياً وحسب.
أن تكون في بداية شبابك في لبنان يعني أن تكون اللعنة قد حلّت عليك. أن تولد هنا، في هذه البقعة الجغرافية بالذات يعني أنّك ستعيش لتطالب بالحياة، ومن يعلم؟ يمكن أن تموت قبل أن تحصل عليها. فلما نخاف؟ وهل ما زال لدينا ما نخسره كي نبقى على أمل بحياةٍ أفضل؟ نحن محكومون بالأمل، إنّه كالمرض الذي متى شفينا منه، نحيا ما تبقّى لنا، القليل أم الكثير، بلا ترقّب، بلا حسرة على الموت، بلا خوف.
الخوف من شيم الإنسان، فذلك الذي لا يخاف، لم يلد شجاعاً مقداماً، بل رأى ما رأى وواجه ما واجه حتى صار منزوع المشاعر، لا يهيبه موتٌ وخراب، لا تستعصي عليه مصاعب الحياة بعدما فقد أحبّاء، ولحظات، وطفولة، وبراءة.
أقول لنفسي، لا بأس أن تخافي، فأنت لم تعيشي المرارة أقصاها. عشت حرب تمّوز وبعض الاغتيالات السياسية وتفجيرات “داعش” ومعركة الأسير في صيدا وصولاً إلى انفجار مرفأ بيروت، ولم تموتي، فلا بأس أن تخافي، برّري لنفسك… لم تتذوّقي من المرارة ما يكفي جلدك كي يعتق ويقسو، لا بأس أن تراودك مشاعر ما، حتّى وإن كانت مضنية.
أقول لنفسي، لا أريد أن أموت… أريد أن أعيش من اسمي ما يكفيه كي لا أصير فقيدته. لي أحلامٌ ومعجزات وخطط لا يصعب تنفيذها، لا أريدها أن تغفو على التراب. لي في هذه البقعة المنكوبة ما أحب ومن أحب، لا أريد أن تصبح قصّتنا من مجموعة أدب الهزيمة، يقرأها الغرب ليدرس شرقنا، يتعاطف مع مأساتنا، ثمَّ يقلب الصفحة. لا أريد لطفلتي أن تكون ضحية هذا الوطن، تموت خنقاً بالفساد المتمثّل بانقطاع الكهرباء.
أقول لنفسي، الجميع سيموت، فلمَ الخوف؟ يمكن أن تكون للموت قيمة أكثر من الحياة. ذلك هو الحلّاج حسين بن منصور أحلى المتصوّفين، جُلد وقطّعت أطرافه وصُلب وحرق بالنار ولما صار رماداً رموه في نهر دجلة، ولعذابه قبل موته دلالات كثيرة على الصبر والعنفوان وعلى إثبات ما علّمه وتعلّمه هذا المرشد العظيم. حتّى المسيح صُلب وتألّم من أجل الحق، من أجلنا. العباس أخ الحسين قُطّع قبل أن يموت من أجل قضيّة عائلته وربعه وأخيه، فكان عذابه مبرّراً.
أقول لنفسي، كلنا سنموت، لكنني لا أريد أن أموت بحادث سير على الدامور في خنقة طوابير البنزين، ولا في نفق معتم على مدخل الحمراء، ولا بسبب انقطاع التيار الكهربائي خنقاً بآلة أوكسيجين، ولا بسبب الجوع والفقر والعوز. لا أريد أن أموت حرقاً بنار الذل والحيرة والخضوع ببنزين أدلقه على جسدي وأشعله، ولا لأنني لم أجد دواءً في الصيدلية… كلّنا سنموت، ولكنني، وجيلي المنكوب الذي دفن أحلامه بيديه تحت التراب، لا أريد أن أموت ميتةً ذليلة، أريد موتاً عادياً وحسب.
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع