مستشفيات العراق بؤر فساد وموت “سريعة الاشتعال”
منتظر الخارسان- صحافي عراقي
المحتجون في الناصرية نظّموا تظاهرات في اتجاه المستشفيات الأهلية الأربع في المدينة مطالبين بإغلاقها، لأنهم يخشون ان تكون أمكنة وبؤر للموت والحرائق، لا أمكنة للشفاء.
استيقظت الناصرية فجر الثلاثاء على رائحة الموت. الحريق الذي التهم قسم عزل مرضى “كورونا” في مستشفى الحسين في المدينة وصل أثر لهيبه المعنوي، ورائحة الموت المخلوطة بالدخان إلى كل بيت فيها. الحادثة هذه أعادت إلى الأذهان مأساة حريق مستشفى ابن الخطيب في بغداد. وأنهت حيوات عوائل بأكملها. سجاد نسيم فقد ستة من أفراد أسرته. امه وابيه واخوته. ماتوا جميعاً. بقي وحيداً. يتنفّس. يتكلّم. لكن حنجرته مخنوقة بالموت. عائلة أخرى فقدت ثلاثة اخوة كانوا سوياً. اثنان منها يزوران شقيقهما المريض بكورونا. 60 ضحية بينهم 22 جثة مجهولة الهوية، بالإضافة إلى 52 جريحاً مصابين بحروق مختلفة.
لم يمض عام على افتتاح “مركز النقاء لعزل مصابي كورونا”. شيدته إدارة الصحة في المدينة ليكون مركزا إضافيا لاستقبال مصابي كورونا يضم اكثر من 70 سريرا وأدوات تنفس واسطوانات الاوكسجين وكان يرقد فيه لحظة وقوع الحريق 68 مصاباً مع مرافقيهم. اسباب الحريق بحسب المعطيات الأولية مرتبطة بانفجار منظومة الاوكسيجين، تسببت نيرانها بانفجار الأسطوانات الموجودة داخل الردهات أيضاً لتحاصر النار بعدها المرضى والمرافقين والفرق الصحية داخل المركز.
الحريق استغرق أكثر من ساعتين قبل ان تجري السيطرة عليه من قبل فرق الدفاع المدني ومئات المتطوعين من الشباب الذين حاولوا بقدرات متواضعة تعويض التقصير الرسمي الكبير في التعامل مع الحادثة، مع غياب معايير السلامة العامة في المركز وعدم وجود نظام اطفاء ذاتي داخله.
الناصرية دخلت في حالة حداد عام بعد الحادثة التي خلّفت حالاً من الهلع وردود الأفعال الغاضبة من قبل الأهالي الذين تجمّع منهم المئات قرب مكان الحريق وآخرين قرب فسم الطب العدلي، لتتحول هذه التجمعات إلى شيء أشبه بالتظاهرات التي راحت تهتف ضد الأحزاب الحاكمة، التي اعتبروها السبب في الفساد وتردّي القطاع الصحي، وراحوا يرددون “الأحزاب حرقتنا”، واصطدموا مع القوات الأمنية المتواجدة والحرس الخاص للمسؤولين المحليين وقاموا بحرق سيارتين تابعتين للشرطة المحلية.
الحكومة المحلية في مدينة الناصرية أعلنت التعطيل الرسمي لمؤسساتها الحكومية لثلاثة أيام حزنا على الضحايا ورئيس الوزراء مصطفى الكاظمي عقد اجتماعا عاجلا بعد منتصف الليل مع بعض الوزراء والقيادات الأمنية في بغداد للوقوف على أسباب الكارثة، ويعطي توجيهاته بعد ذلك بتشكيل فريق تحقيق عالي المستوى وسحب يد وحجز مدير عام صحة ذي قار الدكتور صدام الطويل، ومدير عام الدفاع المدني العميد صلاح جبار، والإيعاز للوزارات بتقديم المساعدات الطبية والاغاثية فضلا عن اعلان الحداد العام في العراق ومتابعة حالة الجرحى وعلاجهم خارج العراق، كما أوفد الكاظمي عدداً من الوزارء الى الناصرية برفقة رئيس جهاز الأمن الوطني لمتابعة الحادث والوقوف على تداعياته.
الحادثة اخذت بعدا اخر على الصعيد السياسي اذ بدأ يتداولها كبار المسؤولين في العراق منتقدين الأداء الحكومي في مقدمتهم رئيس مجلس النواب العراقي محمد الحلبوسي، الذي وصف الحريق بأنه “فشل في حماية أرواح العراقيين وآن الأوان لوضع حد لهذا الامر والذي الكارثي”، مشيراً إلى أن مجلس النواب سيتدرس الخيارات المتاحة بهذا الخصوص. اما زعيم تيار الحكمة عمار الحكيم فقد استذكر حريق مستشفى ابن الخطيب، مؤكداً ان وقوع حريق آخر للاسباب نفسها يعني ان السلطات الرسمية لم تتخذ التدابير المطلوبة لمنع تكرار وقوعه. اما النائب فائق الشيخ علي، فاكتفى باستخدام هاشتاغ “العراق يحرق مرضاه”.
مدير عام صحة المحافظة صدام الطويل قدّم استقالته مؤكداً فيها ان “حياة الناس اكبر من المناصب” وانه “لم يدخر جهدا في تقديم الخدمات الطبية الا ان المشيئة كان لها قدرها”.
مدير عام الدفاع المدني اللواء كاظم سلمان بوهان الذي وصل في ساعة متاخرة من حادث الحريق قادما من بغداد أشار الى ان المعلومات الأولية تؤكد حصول انفجار في منظومة غاز الاوكسجين المغذية لمركز العزل والذي تم انشاؤه من مادة “سندويج بنل” وهي عبارة عن قطع معدنية خفيفة واسفنج مضغوط والذي دائما ما تحذر منه فرق الاطفائية لخطورته وسبق ان حذّرت الأمانة العامة لمجلس الوزراء من استخدامه لخطورته، فضلا عن الملاحظات التي دونت في السجل الخاص بالمركز من قبل احد ضباط الدفاع المدني الذي يكشف دورياً عليه، والتي تشير إلى أن المركز يفتقر إلى معايير السلامة العامة، ومع ذلك لم تتدارك الأمر وتعالجه.
الحادثة اخذت بعدا اخر على الصعيد السياسي اذ بدأ يتداولها كبار المسؤولين في العراق منتقدين الأداء الحكومي في مقدمتهم رئيس مجلس النواب العراقي محمد الحلبوسي.
وزارة الصحة العراقية حذرت من استخدام مراكز العزل “الكرفانية” بعد حادثة مستشفى ابن الخطيب اذ وجهت في الـ 28/4/2021 بكتب رسمية الى دوائرها بعدم استخدامه لخطورته الا ان استخدامه عزاه مراقبون الى لامبالاة المسؤولين وعدم اهتمامهم بأرواح العراقيين، خصوصاً ان معظم مدراء المؤسسات الحكومية مدعومون من جهات سياسية وحزبية نافذة.
خبراء الأدلة الجنائية قاموا برفع عينات من موقع الحادث لإجراء الفحوصات المختبرية ومعرفة أسباب الحريق واصدار تقرير رسمي بشأنه.
واثارت الحادثة ردود افعال دولية، حيث دعت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق جينين هينيس بلاسخارت الى ضمان حصول العراقيين على رعاية في بيئة امنة، معربة عن ألمها على الضحايا، فيما عبّر سفير الولايات المتحدة الامريكية في العراق عن حزنه للحادثة مؤكداً أن بلاده ملتزمة بدعم العراقيين وسط هذه المأساة كما وصفها.
الناشط المدني عدي جابر، وهو يقف عند اعتاب المركز المحترق، أطلق مناشدات للمواطنين ممن يمتلكون آليات حفر لرفع الأنقاض وإخراج الجثث بعد ان توقفت جهود الحكومة في رفع الركام من دون معرفة الأسباب..
اما الكاتب حسين العامل فيرى ان عدم محاسبة المتورطين بحرق مستشفى ابن الخطيب، هو ما سمح لمستشفى آخر بالتلكؤ في تأمين الحد الأدنى من معايير السلامة العامة لحماية المرضى والعاملين في القطاع الصحي من حوادث مماثلة سببها الرئيسي الاهمال والفساد.
المحتجون في الناصرية نظّموا تظاهرات في اتجاه المستشفيات الأهلية الأربع في المدينة مطالبين بإغلاقها، لأنهم يخشون ان تكون أمكنة وبؤر للموت والحرائق، لا أمكنة للشفاء.