لماذا يتمّ استهداف الرّئيس برّي؟
رأي حر -أبو عبدالله العاملي
لطالما حدّثتني نفسي، هل ما يطلقه المتظاهرون من اتهامات، وتسديدات في مرمى الرئيس برّي ظالمة؟ وهل هي عبثيّة؟ وهل تركن على بعض حقائق، تجاه هذا الشخص الذي ترك بصمته الكبيرة في السياسة اللبنانية، وكان أحد أهمّ مرتكزاتها، بل المتقن الأوّل لإدارة دفّتها، حتى صار عند الخصوم كما الحلفاء فهرسًا موضوعيًا يوصلك إلى مفاصل المنهج السياسي دون منازع.
تحبّ نبيه برّي، او لاتحبه، فليس بوسعك إلاّ أن تحترم قدرات الرجل على اجتراح الحلول لأيّة مشكلة قد تبدو للجميع لامفرّ منها، إذ ليس في قاموسه مستحيلات.
وصل إلى سدّة البرلمان اللبناني منذ العام ١٩٩٢م بأصوات النّاس، وتربّع على رئاسة البرلمان من حينها وإلى اليوم، دائما وبشبه إجماع الكتل النيابية على دوره المتفرّد الذي يستحيل تجاوزه.
الرئيس برّي شخصية جدلية بامتياز، فالرّجل حليف سوريا، ويقيم أوثق العلاقات مع خصومها الذين لايجرؤون على الخروج من تحت عباءته بحسب تصريحاتهم الدّائمة، ويعترفون له بالحكمة كما الحنكة، كذلك النّباهة، ولطالما سمعت الثناء عليه من القوّاتيين والمستقبليين، والإشتراكيين وأحيانا العونيين، زد على ذلك حلفاءه من(حزب الله الى المردة والقوميين…الخ).
واللاّفت: أن الرّجل ومنذ وصوله للندوة البرلمانية، كان أحد أعمدة الحكم في لبنان وضرورته، وكان شريكا في كل مفردات السياسة وتشعبّاتها، وكذلك تيار المستقبل، والإشتراكي وبشكل متناوب الكتائب والقوات اللبنانية، وحزب الله(الذي بدأ يلامس وجوده الفعلي في الحكم منذ العام ٢٠٠٠).
مع كلّ هذا الخليط الهجين، والشخصيات التي كانت الى جانب الرئيس برّي في رسم خارطة لبنان السياسية والاقتصادية، السؤال يُطرح وبقوّة:
لماذا التركيز في الاستهداف على الرئيس برّي بشكل لافت؟
عدتُ إلى تاريخ الرجل، فأذهلني ماسمعت وقرأت وكثيرًا ما عايشت، إذ كان على رأس حركة أمل في أحلك الظروف، ولازال، فالحركة:
- استُهدفت من قبل الجماعات الفلسطينية(بكامل فصائلها) تلك الفصائل التي عملت على تصفية الكثير من الكوادر الحركيّة، ومن كافّة المستويات، لوقوف حركة امل ضد مشروع الدويلة الفلسطينية في لبنان، منعا لضياع القضيّة، وانسجام الحركة مع ميثاقها.
- كان للحركة التي يراسها نبيه برّي فضلُ السّبق في قتال إسرائيل، وبناء لبُنات المقاومة الأولى على الصعيدين(الشعبي والعسكري)
- استطاعت الحركة تحرير القسم الأكبر من لبنان في العام ١٩٨٥م، وكسر شوكة اسرائيل للمرّة الأولى في تاريخها بقيادة محمد سعد وخليل جرادي، وإخوانهما.
- أعلنت حركة امل القبضة الحسينية لمواجهة القبضة الحديدية الإسرائيلية التي كان في النهاية النّصر فيها حليف أبناء الامام الصدر.
- كانت حركة امل بشخص نبيه برّي رأس حربة في إسقاط اتفاق ١٧ أيار الذي وقّعه الرئيس أمين الجميل وحكومة عهده، وصادق عليه البرلمان اللبناني آنذاك الذي كان يرأسه كامل احمد بيك الأسعد.
- قتال الحركة على أكثر من جبهة، في بيروت والجنوب والجبل، لم يمنعها من القيام بمهام مساعدة الناس ماليا او عبر حصص تموينية كانت القيادات الحركية تتولّى توزيعها، تثبيتا للجنوبي في أرضه.
- استطاع الرئيس بري- وبعد تحرير القسم الأكبر من الجنوب- من تحويل مجلس الجنوب، الى مجلس لتنفيذ المشاريع الهامة(التربوية، والاقتصادية، والاجتماعية) إذ تكاد لاترى بلدة او مدينة جنوبية الاّ واحتشدت فيها المشاريع من مدارس، وطرقات، وشبكات مياه، وكهرباء، ونوادي وملاعب… الخ.
ملاحظة مهمّة:
حتى لايأتي بعض الخبثاء ويقولون لك، هذا ليس من جيب نبيه برّي، أقول:
كنتُ حاضرا في افتتاح مشروع آبار وادي جيلو في تسعينيات القرن الماضي، وكان الرئيس برّي يخطب، وممّا قاله:
يقولون نبيه برّي سرق، نعم أنا أقول، قد جئت الى الناس بأموالهم على شكل مشاريع ودون منّة.
مايعني الرجل لم ينسب تنفيذ المشاريع لجيبه او من إرث أبيه.
أحببت إيراد هذا الكلام للمصطادين في الماء العكر، المتلاعبين بعواطف الناس بخبث. - أقدم نبيه برّي – وفي لحظة تحدّ لإسرائيل- على تنفيذ مشروع نهر الوزاني لعشرات القرى الجنوبية، والذي لم تنساه إسرائيل، وقامت وقتها قيامتها.
- شكّل نبيه برّي جدار الدفاع عن المقاومة وأينما حلّ وتكلّم وخطب، حتى باتت لازمة أدبياته، والناطق باسمها وفي ذروة حرب تموز مفوّضا بالتحدّث باسمها، ومحاورا عنها فكان الأمين على دماء الشهداء(على حدّ وصف السيد حسن نصرالله).
- ابتداع نبيه لرّي لطاولات الحوار الوطني لنزع فتيل الفتنة التي حتما ستؤدّي الى حرب مذهبية الكل خاسر فيها، وذلك بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
- دعوته لحوار ثنائي(حزب الله – المستقبل) تطويقا لأي فتنة تلوح بالأفق، ولرسم قواسم مشتركة بين الفريقين أراحت شارعي الفريقين.
- إدارته لمفاوضات الملف النفطي وترسيم الحدود البحرية بين لبنان والإسرائيليين عبر الوساطة الأميركية، والتي لطالما طالب الموفدون الأميركييون وبطلب اسرائيلي بتنحية نبيه بري عن ملف النفط، لصلابته، وعدم تمكينهم من مبتغاهم فيما يريدون.
ومقولة الرّئيس برّي المشهورة:
لن نتنازل عن كوب نفط واحد. - وقوف الرّئيس برّي الدائم لجانب الحفاظ على صيغة العيش المشترك، ورفضه لعزل أحد، وإدخال مصطلح جديد في أدبيات السياسة اللبنانية(الميثاقية).
- دوره الرائد في موضوع اعتقال سعد الحريري في السعودية، والتمسّك به لرئاسة حكومة مابعد حراك ١٧ تشرين من اجل إراحة الشارع السنّي، وكي لا يظهر أنه مستهدف.
- تسهيل تشكيل حكومة حسان دياب، وتأمين النصاب لها حتى من خصومها.
- إدارة حكيمة ومميّزة لجلسات المجلس النيابي، واللجان المشتركة، والتي انتجت آلاف مشاريع القوانين وبسرعة قياسية، وبشهادة المحب، وغيره بذلك.
- في ذروة اللعبة الخارجية، لضرب الاقتصاد اللبناني من خلال ارتفاع سعر صرف الدولار، وقف نبيه بري دائما، وصارخا الى جانب حفظ تعب وجنى عمر الناس، لعدم المساس به.
وهذا غيضٌ من فيض
بعد كلّ هذا بات معروفا وجليّا من الجهة التي تستهدف نبيه بري، وتريد إسقاطه، وشيطنته، والذي شكّل – وبشكل دائم- حجر عثرة أمام مشاريعها وأطماعها، سابقا وحاليا.
وإلا، فلماذا لاتكون التظاهرات وتحرّكات الحراك، امام منازل:
وليد جنبلاط- سعد الحريري – فؤاد السنيورة – نجيب ميقاتي- طه ميقاتي – جهاد العرب- محسن دلول- عبد المنعم يوسف- سمير جعجع- رياض سلامة- … الخ والقائمة تطول.
فلماذا لايكون زخم الحراك أمام منزل هؤلاء بنفس الزخم باتجاه مقر رئيس المجلس، والنيل من عائلاتهم، كما ينالون من عائلة الرئيس بري.
الإجابة: ببساطة مارُفع من لافتات في الحراك بالأمس من المطالبة بتنفيذ القرار 1559 وسحب سلاح المقاومة في لبنان، عندها وللأسباب التي ذكرناها أعلاه، نعرف سبب استهداف الحارس الأوّل للمقاومة الرئيس بري، جدار المقاومة المنيع، وحامي ومثبّت السلم الأهلي كأمضى سلاح لمواجهة العدو الصهيو-أميركي.
من كلّ قلبي وألمي وأملي حماك الله نبيه برّي
النص يعبر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة عن رأي الموقع