تكشيرة القيصر
نبيه البرجي-الديار
هل حقاً أن الأميركيين يخشون… الغزو الصيني؟!
هؤلاء خاضوا كل الحروب، بما في ذلك الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية، بعيدأً عن بلادهم التي لم يسقط فيها حائط واحد. المشهد الآن قد يكون مختلفاً. لا نتحدث عن الصواريخ التي أحدثت انقلاباً في المفاهيم العسكرية الكلاسيكية. هاجس أميركا أن يصل الصينيون، بعيونهم الضيقة، وبأحذيتهم الضيقة، الى مانهاتن…
المسألة لا تستدعي أكثر من اجتياز سيبيريا، بالتالي مضيق بيرنغ الذي قطعه الفلكيان الصينيان «هو» و «تسي» منذ 4600 عام بقارب بدائي، وربما سيراً على الأقدام، ليصلا الى العمق الأميركي.
انها «ارض يهوه» كما وصفها البيوريتانز الذين هاجروا اليها في منتصف القرن السابع عشر، وتمثلوا، توراتياً، بخروج بني اسرائيل من مصر. حتى أن مرفأ بيرل هاربور، وحيث دمر اليابانيون الأسطول الأميركي، يبعد نحو 3000 كيلومتر عن شاطئ سان فرنسيسكو.
منذ عقود، حذر زبغنيو بريجنسكي من أن الروس والصينيين قد يفكرون، ذات يوم، بالتحالف ضد الولايات المتحدة، كنتيجة جدلية لصراع الحضارات، ولصراع الاستراتيجيات. آنذاك دعا الى اعتماد فلسفة الحصار لابقاء البلدين بعيدين عن السوبرتكنولوجيا.
المفاجأة في رجل يدعى فلاديمير بوتين. بالرغم من أنه آت من الصقيع (ك. ج. ب) لا من احدى الأكاديميات العسكرية أثار ذهول أجهزة الاستخبارات الأميركية بتركيزه المثير على تكنولوجيا الفضاء، كما لو أن الحرب العالمية الثالثة ستجري على كوكب آخر لا على كوكبنا.
من هنا كانت سياسة «لف الحبل حول عنق القيصر» بالحاق بلدان أوروبا الشرقية، والقوقاز، بالأطلسي، بما في ذلك أوكرانيا بالتاريخ المشترك اذ في بلاط فلاديمير، أمير كييف، نشأت فكرة الأمبراطورية الروسية.
الأميركيون تأخروا كثيراً في فهم «اللغز الصيني». بعض الباحثين كان يرى أن الغلاف الايديولوجي للدولة لا بد أن يتفكك، وتتفكك معه الدولة، وعلى غرار ما حدث للاتحاد السوفياتي. البعض الآخر كان يعترف بـ «غبائنا في تحليل التاريخ». الصين، بنسيجها القومي، مختلفة، كلياً عن الحالة السوفياتية المركبة والتي كان ونستون تشرشل يتوقع تفككها. وهذا ما همس به في أذن فرنكلين روزفلت أثناء مؤتمر يالطا في شباط 1945.
سوزان غلاسر، رئيسة تحرير دورية «فورين بوليسي»، رأت أن الادارات المتعاقبة ارتكبت خطأ استراتيجياً مروعاً حين تركت الروس والصينيين يتجاوزون كل نزاعاتهم القديمة، ويتعاونون كما لو كانوا فريقاً واحداً في هذين القطاعين الفائقي الحساسية: التكنولوجيا النووية وتكنولوجيا الفضاء. «لنتصور شكل التنين وهو يحلق بجناحين من الفولاذ» !.
الأميركيون «يحاربون» الآن على جبهتين. الباسيفيك، وحيث الصين، والبحر الأسود، وحيث روسيا. لاحظنا في الأيام الأخيرة الى أي مدى كان الانفجار ممكناً بين القطع البحرية، الأوروبية والاسطول الروسي. كان واضحاً للكرملين أن الظهور الأوروبي في البحر الأسود تم بايعاز من البنتاغون، ربما لاختبار ردة الفعل الروسية.
وسائل الاعلام الأميركية تحدثت عن ذلك البحر كـ «مقبرة للقياصرة وللملوك وللسلاطين». الأسود لا لسواد مياهه، وانما لأن الغيوم (والعواصف) تظلله في أغلب الأحيان.
هنا رجب طيب اردوغان يضطلع بدور حصان طروادة الأميركي، حتى ليتردد أن قيادة الأطلسي هي من أوحت اليه بتمزيق اتفاق مونترو (1936)، وانشاء قناة اسطنبول بين البحر الأسود وبحر مرمرة لتكون البديل عن مضيق البوسفور. كل هذا للتضييق، قدر المستطاع، على الأسطول الروسي المرابط في البحر الأسود.
لنتذكر أن 103 أميرلات وقعوا عريضة ضد مشروع القناة «التي تضع بلادنا في فوهة المدفع»، مع التساؤل حول الغاية من اللعب داخل الحرائق. وقد لوحق هؤلاء واعتقل، وحوكم، قسم منهم.
الصراع الخفي بين تكشيرة القيصر وتكشيرة السلطان. الأكثر اثارة للهلع… تكشيرة القيصر!!