تفاؤل روسي “حكومي”… وتشاؤم “رئاسي”
يدخل الملف اللبناني من ضمن الأزمة الكبيرة في المنطقة، خصوصاً أنّ تداعيات ملف ترسيم الحدود كادت تشعل الحرب بين “حزب الله” وإسرائيل، لكن نجاح الوساطة الأميركية عطّل صاعق التفجير. إذ أدخلت الحرب الروسية – الأوكرانية الكرة الأرضية في دائرة الأزمات، فمفاعيل هذه الحرب لم تتوقف على أوروبا الشرقية وروسيا بل طالت الجميع وسط تهديد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين باستخدام السلاح النووي وخطر البرد القاتل الذي يهدّد أوروبا.
وقد ساهمت حاجة أوروبا والغرب إلى الغاز في تسريع الإتفاق البحري بين لبنان وإسرائيل، وهذا الأمر قد يمنح لبنان استقراراً لسنوات عدّة لأن الشركات العالمية العاملة في حقل الغاز والنفط لا تعمل في ظل الأزمات والحروب.
من هنا، فإن لبنان بات محطّ أنظار الدول الكبرى، وحاولت روسيا منذ العام 2018 الدخول في حقل الطاقة في لبنان وسعت إلى تشغيل محطات تكرير النفط في الشمال، لكن إنتفاضة 17 تشرين وما تبعها من مستجدّات وويلات على لبنان ومن ثم اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية، عوامل ساهمت في خروج الروسي من لبنان.
ويعتبر اللاعب الروسي أنه مهما فعل فإن لبنان واقع تحت النفوذين الأميركي والغربي، فهواه في ذاك الإتجاه ولن يكون شرقياً أبداً، لذلك فإن موسكو راقبت مفاوضات الترسيم لكنها تعتبر أن دخول العامل الأميركي لا يعطي نتائج مضمونة، وبالتالي، لا بدّ من انتظار المراحل المقبلة من قضية الترسيم وما يتبعها من تطوّرات.
ومن جهة ثانية، فإن الروسي لا يزال يتحدث بالعموميات ويدعم أمن لبنان واستقراره، وتشير المعلومات إلى وجود تفاؤل من قبل نائب وزير الخارجية الروسية وموفد بوتين إلى الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ميخائيل بوغدانوف حول إمكان ولادة حكومة جديدة قبل انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون خصوصاً أنه لا يمكن للبلاد أن تستمرّ بلا سلطة فعلية.
وأمام التفاؤل الحكومي يبرز تشاؤم من قبل بوغدانوف والمسؤولين الروس مردّه إلى عدم قدرة الكتل اللبنانية على انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وسبب هذا الأمر هو عدم وجود حوار بين الكتل اللبنانية وصعوبة التواصل بينها واتساع الهوة، وكذلك غياب التوافق الإقليمي والدولي على ملف الرئاسة اللبنانية وعدم وجود توافق أميركي- إيراني.
ومن جهة ثانية، فإن موسكو لا تعتبر أن النشاط الفرنسي سيؤدي إلى نتيجة عملية لأن باريس ليست اللاعب الأساسي على أرض لبنان وإن كانت لديها قيمة معنوية، فاللاعب الأول هو واشنطن وإذا أرادت إبرام صفقة مع طهران فإنها قادرة على هذا الأمر، في حين أن الجهود الفرنسية تقتصر على الوساطة ومحاولة تقريب وجهات النظر.
وأمام كل هذه المعطيات، لا تخفي الدبلوماسية الروسية غضبها على لبنان الرسمي بسبب مواقفه الموالية للسياسات الأميركية وعدم دعم الموقف الروسي في الحرب الأوكرانية، لكن هذا الأمر لن يعكّر صفو العلاقات لأن موسكو أكثر من يعرف التركيبة اللبنانية وخصوصيتها.