ميشيغين هي أميركا الصغرى
ناصر قنديل-البناء
– تدور طرائف لبنانية كثيرة حول النتائج التي حملتها الانتخابات الرئاسية في ولاية ميشيغين الأميركيّة، وغالبها يتصل بحجم حضور الجالية اللبنانية المتحدرة من جنوب لبنان ودورها في الانتخابات، في ظل دور محوري للولاية ومقاعدها الستة عشر في المجمع الانتخابي في حسم هوية الرئيس الأميركي المقبل، حتى ساد القول ولو من باب الطرفة، بأنه كما قرّرت ميشيغين مصير الرئاسة فإن تصويت اللبنانيين المهاجرين من الجنوب ومعهم ولاءاتهم اللبنانية قد حسم هوية تصويت ميشيغين، وهذا الكلام على قدر عالٍ من الصحة، لكنه ليس تعبيراً عن لعبة سياسية، بقدر ما هو تعبير عن موقع هذه الولاية الحساس في اختزان مصغّر للميزات الأميركية، التي يختل ويتبدل حجم حضور خصائصها بين ولاية وولاية أخرى، لكنها تجتمع في أغلبها في ميشيغين.
– في ميشيغين المكوّنة من أكثر من عشرة ملايين نسمة توزّع لنسب السكان عرقياً يشبه توزعهم في المجموع الأميركي، حيث يشكل البيض نسبة 75% والأميركيون الأفارقة 13% واللاتينيون وحدهم يمثلون نسبة أقل من نسبتهم في المجموع الأميركي، بينما التوزيع الديني يستعيد التشابه بين أميركا الكبرى وأميركا الصغرى التي تمثلها ميشيغين، حيث المسيحيّون 80% منهم 50% من البروتسانت و23% من الكاثوليك مقابل 1% من المسلمين ومثلهم من اليهود، لكن ميشيغين التي تمثل عاصمة تجارية عالميّة بالنسبة لأميركا وعبرها نحو العالم استيراداً وتصديراً، تمثل عاصمة صناعة السيارات الأميركية وإحدى عواصمها العالميّة، مقابل ولايات تحتوي صناعات وقطاعات أخرى كصناعة النفط التي تتميّز بها ولاية تكساس.
– التصويت الرئاسي الذي شهدته كل الولايات الأميركية لم يكن عبثياً ولا مجموعة مصادفات، وهو بغالبه تصويت مع أو ضد ترامب، وليس مع ترامب أو مع منافسه جو بايدن، وإذا كان بايدن قد فاز في ميشيغين فإن فوزه بنسبة كبيرة مستحيل من دون كتلة وازنة من البيض، البروتستانت، والكاثوليك، لا تقررها السياسات المرتبطة بالتمييز العنصري، بل السياسات الاقتصادية بصورة خاصة. وفي حالة ميشيغين هو تصويت يحمل خلاصة فشل سياسة ترامب لاستنهاض قطاع صناعة السيارات عبر الحماية الجمركية وعبر الضرائب المرتفعة على تجارة الصلب والحديد، لينقلب على هذه الصناعة بوجهتها البديلة القادمة للسيارات التي يتمّ تشغيلها على الكهرباء، والتي يتبنّاها بادين ويرفضها ترامب تمسكاً بمصالح الكارتلات النفطية التي منحته تصويت تكساس، وتصويت ميشيغين هو أيضاً تصويت ضد السياسات التي انتهجها ترامب في تعقيد التجارة العالميّة التي تمثل ميشيغين إحدى حواضرها العالميّة، وتضرّرت بنسبة كبيرة من سياسة العقوبات على الصين، صوّت المتطرّفون البيض بغالبية راجحة في صفوف البروتستانت بخلفيّة السياسات العنصريّة لترامب لحساب نيله ولاية ثانية.
– الأقليّات العرقيّة والدينيّة صارت بيضة قبان في توازن انتخابي دقيق أدركه الحزبان والمرشّحان، وبذلا جهوداً للتأثير عليه، فصوّت اليهود المساندون لمنظمة آيباك المؤيّدة لكيان الاحتلال لصالح ترامب، وصوّت ذوو الأصول الأفريقية الذين يشكلون عصب ضواحي العمال في صناعة السيارات، والذين صوّتت أغلبيتهم ضد ترامب، أما الأقليّة اللاتينية المكوّنة من المهاجرين المستهدَفين من سياسات ترامب للهجرة وليس من اللاجئين الكوبيين والفنزويليين الذين صوّتوا لترامب في ولايات أخرى دعماً لسياساته العدائية لحكومات أميركا اللاتينية، ومن الطبيعي أن يكون المسلمون بنسبتهم الغالبة قد صوّتوا ضد ترامب وسياساته العدائية والتقييدية، وأن يكون من بينهم لبنانيون وعراقيون ويمنيون وفلسطينيون يتركزون في مدن بعينها قد لعبوا دوراً في ترجيح كفّتها ضد ترامب.
– في خلفية المشهد أميركا تتفكك نحو عناصر أوليّة، وسط مناخ يسود أغلبية المنتمين للأصول البيضاء والبروتستانت منهم، خصوصاً ومن جذور أوروبيّة ترفض أن ينال من ليس من أصولها يملك حقوقاً مساوية في المواطنة. وفي تقرير مصير الرئاسة خصوصاً. وبالتوازي أغلبية أميركية ضئيلة مكوّنة من جماعات بيضاء من الطبقة الوسطى ومتعلميها ومعها جماعات الأقليات العرقية والدينية والمهمّشين تتطلع نحو دولة ديمقراطية مدنية. والمواجهة التي تدور على حافة الهاوية بين المجموعتين تقوم على توازن هش ليس فيه أغلبية كاسحة، وسط خطاب إلغائي للمتطرفين البيض وحديث عن معركة مصير ووجود وهوية، في ظل أزمة اقتصادية كبرى، وتراجع أميركي كبير على المستوى العالمي عسكرياً وسياسياً. وهذه هي ظروف المواجهات الأهلية والأزمات المفتوحة.