انفجار البنزين والمازوت يقترب: حان وقت الاستيراد من إيران
الأخبار- محمد وهبة
كان النقاش يتمحور حول نتائج آلية توزيع الخسائر السائدة، لكن منظومة الحكم سحبت النقاش نحو المرحلة التالية من جدول أعمالها: كيف يجب أن يتجرّع المجتمع هذه الخسائر. التململ من تضخّم الأسعار، حلّ بدلاً منه خيار العنف والفوضى في الشارع مقابل تبديد مخزون الدولارات. حصر الخيارات بهذه المعادلة ليس بديهياً كما يروّج له. البديهي هو الاستيراد من إيران
لماذا يحصل ذلك؟
باختصار وببساطة، هناك أكثر من رواية أبرزها:
– رواية رياض سلامة: ينقل عن سلامة أنه لا مشكلة لديه في أن يموّل هذه البواخر وغيرها من البواخر الآتية أيضاً، طالما أنه يحصل على الغطاء القانوني. هذا الغطاء كما يريده، هو أن تطلب منه الدولة إقراضها بالدولار، حتى يتاح له تسجيل هذه الدولارات ديناً عليها ولا يكون عليه أي مسؤولية يمكن أن تفجّر غضب الشارع ضدّه، سواء استمرّ الدعم بشكل كامل أو رُفع جزئياً أو توقف كليّاً.
– رواية قوى السلطة: في مجلس النواب هناك نقاش قائم يتعلق بالبطاقة التمويلية التي جرى تقزيمها وتقليص مفاعيلها إلى الحدود الدنيا. لكن قوى السلطة تعتقد أن سلامة لا يسهم في هذا النقاش إيجاباً، بل أوفد نائبه ألكس موراديان الذي لم ينبس إلا بعبارة واحدة عن الغطاء التشريعي الذي يطلبه سلامة. لذا، ترى قوى السلطة أن سلامة ومجلسه المركزي، يمارسون مسألة ترشيد الدعم عبر تقنين الموافقات الممنوحة لتمويل استيراد بواخر البنزين والمازوت والفيول وحتى الدواء، وبالتالي فإن الأولوية هي لإبقاء مسؤولية خيارات الدعم (تعديل نسب الدعم أو إلغاؤه) على عاتق سلامة كونه يمارس فعلياً عملية الترشيد، لا بل على سلامة أن يطالب الحكومة (حسّان دياب) بأي خيار تريده. وفي المقابل، هناك فريق ثان يطالب بإلغاء الدعم من أساسه، وليحصل ما يحصل (القوات مثلاً)، أي على طريقة ريمون غجر: الأغنياء يدفعون ثمن السلعة غير المدعومة، وما على الفقراء إلا أن يبحثوا عن «شي ثاني». غجر كان بالفعل يعبّر عن قوى السلطة بكل كلمة قالها في ذلك اليوم. هكذا تفكّر قوى السلطة.
عنف الشارع أم تبديد المخزون؟
للوهلة الأولى، يظهر هناك تباين بين رواية سلامة ورواية قوى السلطة، لكن العكس صحيح: الاثنان يماطلان في انتظار ما يخرجهما من مأزق الدعم؛ بالنسبة إلى الاثنين، إن وقف الدعم أو إلغاءه سيغذّي العنف في الشارع، سواء أتى على يد سلامة أم على يد الحكومة أم مجلس النواب. أصلاً لم يعد هناك حدود فاصلة بينهما لدى الرأي العام. سلامة روح قوى السلطة. المشكلة أن ملامح هذا العنف بدأت تظهر على محطات المحروقات (الاستيلاء على صهاريج المحروقات، تبادل إطلاق النار على المحطات…)، ولو أن قوى السلطة تعتقد أنه عنف «موضعي» لا يرتّب نتائج سياسية ومفاعيل كبيرة، إلا أنه لا أحد يجزم بأن لديه قدرة على الإمساك بالشارع إذا فلتت الأمور.
سيحصل العنف لأن فكرة «ترشيد الدعم» لجهة استيراد البنزين والمازوت سترتب نتيجة أساسية وحيدة: الشركات المستوردة ستجد نفسها مضطرة إلى أن تشتري من السوق المحلية الدولارات اللازمة لتمويل شحنات استيراد البنزين والفيول. وعدا عن أن هذا الأمر سيرتّب طلباً إضافياً على الدولار بقيمة 2٫5 مليار دولار سنوياً (القيمة الإجمالية لواردات البنزين والمازوت في 2020)، أو ما يعادل 50 مليون دولار أسبوعياً، وعدا عن أن المشكلة ستكمن في تسعيرة صفيحة البنزين والمازوت التي تصدرها وزارة الطاقة، فإن الشركات لن تجد كمية كافية من الدولارات لتمويل الشحنات، وسط ارتفاع في سعر النفط والمخاطرة ببيع الكميات بالليرة اللبنانية. لذا، قد تقوم هذه الشركات بتقنين الاستيراد وستتعزّز السوق السوداء، وسيتغذّى العنف مع طوابير السيارات على المحطات، فضلاً عن ارتفاع الأسعار. عملية تصحيح السعر بهذه الطريقة ستكون شديدة الإيلام.
إذاً، مع أزمة المحروقات، يقف اللبنانيون وغيرهم على مفترق طرق أساسي: ترشيد الدعم المتلازم مع تعزيز نظام الزبائنية (البطاقة التمويلية بعد تقزيمها) ومع احتمالات تصاعد العنف، أو إنفاق ما تبقى من احتياطيات بالعملات الأجنبية لدى مصرف لبنان، بعد توفير الغطاء القانوني والتشريعي لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة.
إيران: حلّ مشروع
الخيار البديهي لدى المنظومة هو تبذير كل الاحتياطيات. فهي عاجزة عن تلقف المبادرة التي أطلقها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله عن استيراد البنزين والمازوت من إيران (إيران توافق على تسديد الثمن بالليرة اللبنانية وهو ما قاله نصر الله سابقاً). وبمعزل عن كل الكلام السياسي الذي أطلق، إلا أن هذه المبادرة لم تقيّد نفسها إلا بحدود «تحمّل الدولة مسؤولياتها». إذا لم نعتبر أن تبذير مخزون الدولارات يقع ضمن عدم تحمّل الدولة مسؤولياتها، وإذا لم يكن تحمّل المسؤولية مرتبطاً باحتمال اندلاع العنف فضلاً عن الذلّ في الحصول على السلعة الأساسية، فإن مقاربة المسألة سياسياً يصبح أمراً ثانوياً. أي طرف يمكنه أن يستورد بنزين ومازوت مقابل تسديد الثمن بالليرة اللبنانية يجب أن يكون أمراً مرحباً به من قبل دولة مفلسة، خياراتها محصورة بإفلات العنف في الشارع، أو تبديد ما تبقى لديها من مدخرات بالعملات الصعبة.
يغرق الجميع في مقاربات سياسية أو تقنية تتعلق بكيفية الاستيراد والتخزين والمبيع. الواقع، أن هذه المسائل يمكن معالجتها سريعاً بالاتفاق السياسي. فالجمارك اللبنانية لن تكون عائقاً أمام استقبال وإدخال البضائع الآتية من إيران طالما أن وزير المال والمجلس الأعلى للجمارك هما ضمن الحصة الشيعية، وطالما أن وزير الطاقة وإدارة الجمارك هما من الحصّة العونية. منشآت النفط تملك خزانات يمكن إفراغها سريعاً في انتظار البواخر، وتوزيع الكميات منها بالاتفاق مع أصحاب الصهاريج والمحطات… كل المسائل الإجرائية تصبح غير ذات قيمة في هذه اللحظة، إلا إذا كان هناك قرار سياسي بعكس ذلك.
في الواقع، هذا هو الوقت المناسب لبدء النقاش في اقتراح نصر الله. الحصول على البنزين مقابل الليرة لفترة زمنية محدودة (سنة أو أكثر قليلاً)، سيتيح للبنان التخلّص من الاعتماد على السيارة. قد يفتح الأمر مجالاً من أجل إنشاء النقل المشترك الذي أشبع دراسات في وزارة النقل والبنك الدولي والشركات الاستشارية وفي بلدية بيروت وسواها… سنكون قادرين على التخلّص من أعباء استيراد المحروقات لزوم استعمال السيارات. الأزمة «خلّصت» لبنان، نسبياً، من استيراد السيارات، ويمكن أن يكون استيراد البنزين من إيران أو من أي دولة مماثلة توافق على تسديد الثمن بالليرة، فرصة أيضاً لتخليص لبنان من عبء استيراد المحروقات. البنزين والسيارات وقطع الغيار كانت تستنزف لبنان سنوياً بأكثر من 3 مليارات دولار. هذا هو الخيار البديهي. إيران حلّ مشروع.
الطوابير مستمرّة
كيف يعقل أن تستمر طوابير السيارات على محطات المحروقات رغم أن الشركات تضخّ يومياً ما يصل إلى 12 مليون ليتر؟ ألم يصل السوق إلى مرحلة الإشباع بعد؟
هذا السؤال يفرضه الواقع. فالطوابير الهائلة على المحطات تشير إلى أن الأزمة كبيرة. ولغاية اليوم، لم يبادر أي مسؤول في أي موقع لتبرير ما يحصل، لكن خلاصة معطيات مستقاة من أصحاب شركات وموزعين وسياسيين وخبراء تشير إلى الآتي:
– هناك تهريب إلى سوريا. التهريب يتم بواسطة أفراد، سواء بسياراتهم الفردية التي وضعوا فيها خزانات صغيرة، أم بواسطة شاحنات صغيرة تتسع لخزانات أكبر قليلاً من تلك الموجودة في السيارات. الهدف هو الاستفادة من فرق السعر بين لبنان وسوريا بالدولار، والذي يفوق 12 دولاراً.
– يقول عدد من شركات موزعي المحروقات إن شركات الاستيراد لا تسلّم الكميات التي تزعم أنها تسلمها في السوق. ويطالب هؤلاء بأن تتقدم الجهات المسؤولة، في القضاء أو في وزارة الاقتصاد، أو أي جهة أخرى، بالكشف على عدادات المحطات والكميات المسلّمة من شركات الاستيراد للمحطات للتثبت منها.
– يعزو عدد من العاملين في قطاع بيع المحروقات، أن سلاسل التوريد متقطعة. فالشركات ليس لديها قدرات كبيرة على توريد الكميات التي يحتاج إليها السوق، وخصوصاً أنها تعاني أصلاً من مشاكل في الاستيراد. فشركات التوزيع، على سبيل المثال، ليس لديها أسطول كاف من الصهاريج (التي تملكها أو تتعاقد معها) ليسدّ عطش السوق خلال فترة قصيرة، ويتزامن هذا الأمر مع مسألة إقفال محطات الوقود، إذ إن أقل من 60% من محطات الوقود هي عاملة غالبيتها تعود إلى الشركات المستوردة.
– هناك حركة تخزين كبيرة من الأفراد والشركات وكل من لديه قدرة تخزين في هذا المجال. صور الخزانات المحمّلة في السيارات تمثّل عينة من القدرات التخزينية الفردية، يضاف إليها تخزين غير فردي من تجار وأحزاب ووجهاء وسواهم في المدن والمناطق البعيدة أيضاً.
لزوم ما لا يلزم
في الجلسة الأولى التي عقدت في مجلس النواب لدرس البطاقة التمويلية، جاء ممثل حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، نائبه ألكس موراديان، وأبلغ الجميع نيابة عن الحاكم بالآتي: حتى تتم تغطية البطاقة التمويلية من أموال الاحتياطي الإلزامي يجب أن يتم تشريع الأمر (قانون في مجلس النواب). عندها ردّ بعض النواب عليه بالإشارة إلى أن المادة 91 من قانون النقد والتسليف تمنح الغطاء اللازم من أجل تسليف الدولة، وبالتالي فإن هذا التشريع سيكون لزوم ما لا يلزم. وعندما سئل موراديان عن حجم الاحتياطيات الإلزامية، ردّ بأن رقم الاحتياطي يفوق الاحتياطيات الإلزامية بما بين 200 مليون دولار و250 مليون دولار، لكنه رفض التصريح عن الرقم المطلق، رغم أن الأرقام المنشورة على موقع مصرف لبنان تشير إلى أن سلامة تجاوز ما يسمّيه الاحتياطيات الإلزامية ببضعة ملايين من الدولارات