لا بديل عن رحيل الحاكم ومنظومته
بشارة مرهج*-البناء
بعد وصول سياسة الدعم إلى حائط مسدود نظراً لما تخللها من سوء تخطيط وفساد، وبعد تأكد المعنيّين من أنّ المساعدات الخارجية العربية والأجنبية (قروض ومنح) غير واردة في هذه اللحظة، قبل إنجاز عدة شروط تعجز الطبقة الحاكمة، أو بالأحرى، ترفض تحقيقها نظراً لانعكاساتها السلبية على زعامتها وسلطاتها ويدها الطويلة… نظراً لكلّ ذلك لم يعد هناك من حلّ سوى الحلّ الداخلي الذي يمكن أن يلجم الانهيار المريع ويعيد ترتيب الأولويات وينفخ في الأسواق نفحات من الثقة التي بدّدها أشرار المنظومة المصرفية المليشياوية دونما رحمة بالبلاد أو أهلها أو مغتربيها وصولاً إلى المودعين العرب الذين اعتقدوا مخطئين أنّ لبنان السياسي ونظامه المصرفي أهل للتعامل على أسس موضوعية وضمن المعايير الدولية التي تحفظ أموال الناس وحقوقهم…
ولمّا كنا نعيش وسط الانهيار دون أيّ مبادرة إيجابية بناءة في الأفق لم يعد بالإمكان السكوت على الأموال المسروقة والمنهوبة التي أدّت إلى مفاقمة الاختلال المالي والنقدي وجعلته مستعصياً على الحلّ.
فالطريقة الوحيدة المتاحة لمواجهة الانهيار – الحاصل – لا تكمن في المعارك السياسية المفتعلة التي تؤكد من جديد هزال وعفونة الطبقة السياسية الحاكمة، وإنما في تكتيل القوى الشعبية والديمقراطية والتقدمية والقوى المؤمنة بسيادة القانون والعدالة الاجتماعية من أجل الضغط المتواصل، وبكلّ الأشكال الديمقراطية، لاستعادة الأموال المهرّبة والمنهوبة من الأفراد والمجموعات النافذة التي قامت بفعلتها الشنيعة من دون وجه حق بدعم ومشاركة النظام المصرفي وحاكم البنك المركزي والمسؤولين الحقيقيين عن إدارة النظام السياسي – الاقتصادي في البلاد سواء كانوا من البيئة الميليشياوية أو المنظومة الاحتكارية. والخطوات الأولى التي تفرض نفسها على هذا الطريق مساءلة حاكم البنك المركزي الذي يتصرف، منذ تعطيل السلطة الإجرائية، كحاكم فعلي للبلاد دون أن يرفّ له جفن مستكملاً مهمته في خدمة نفسه ومجموعته والطغمة الحاكمة شريكته في تدمير الثقة بالليرة اللبنانية والنظام المصرفي والبنك المركزي نفسه… إلى مرحلة حتى يفرض فيها الإصلاح نفسه على كلّ المؤسسات التي احتقرت القوانين وتصرفت وفق إرادة رؤسائها المتخمين بالجشع وحب المال والظهور والتفشيخ على العالم.
إنّ استرجاع الأموال المنهوبة والمهرّبة والتي يمكن أن تشكل أداة لوقف الانهيار ونواة لإطلاق الدورة الاقتصادية دون إقالة الحاكم الذي يتعمّد الغموض والتستر على الحقائق وعرقلة التدقيق المحاسبي الجنائي الذي يعتبر المدخل الأساس لمعرفة الحقائق ومعرفة هوية كلّ مَن هدر أو سطا على المال العام أو الخاص.
إنّ الذين يساندون الحاكم في مراتب السلطة أو القطاع الخاص لا يريدون كشف الحقيقة وتحمّل المسؤولية التي توضح للناس وخاصة قبيل الانتخابات حقيقة الممارسات التي ارتكبوها وأدت إلى تجفيف خزينة الدولة وإفراغ جيوب الناس وتدمير ثروة البلد وسمعته.
هؤلاء كالحاكم يريدون دفن الحقيقة ومحو آثارها وإثارة البلبلة وشدّ العصب الطائفي والتهرّب من تحمّل المسؤولية حتى ولو تحوّلت البلاد إلى أرض قفراء تنعى مَن بناها، وإلا كيف نفسّر دعواتهم في النهار الى تفعيل التحقيق الجنائي عبر وسائل الإعلام ووضعهم العراقيل بوجهه تحت جنح الظلام؟!
إنّ هؤلاء جميعاً يجب أن يرحلوا بعد دفع ما يترتب عليهم من أموال لم تكن يوماً ملكهم وإنما ملك الأفراد الذين استماتوا لإعالة عائلاتهم وتعليم أبنائهم فكدّوا واجتهدوا في مشارق الأرض ومغاربها تحت الشمس الحارقة ووسط البرد والصقيع كي يؤمّنوا لأنفسهم وعائلاتهم معيشة لائقة لا معيشة القهر والذلّ التي يعيشونها اليوم في أحضان منظومة لا تعرف الحلال من الحرام ولا تعرف ما لها وما عليها.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ