الحكومة تعلق عند “كوع” الطيونة
“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح
لم يطرأ أي تغيير على وضعية الحكومة السياسية بانتظار كلمة أمين عام “حزب الله” السيد حسن نصرالله، فإن مجلس الوزراء، طبيعة تصنيفه الصحي الحالية “موت سريري”، هو على شكل جثة موضوعة في ثلاجة. ومانع عدم اجتماعه أمران: غياب الميثاقية المذهبية بفعل قرار الوزراء الشيعة الإعتكاف، وعدم رغبة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، في الدعوة إلى اجتماع طالما أن وضعيته الميثاقية مبتورة، وطالما أن الإتصالات لم تنفع في إيجاد حلّ لوضعية “طارق البيطار” القانونية.
في محيط الرئيسين ميشال عون ونجيب ميقاتي، ما يدفع صوب إتمام الدعوة إلى عقد جلسة لمجلس الوزراء خلال الأسبوع الجاري ، بندٌ واحد وهو البحث في قضية “كمين الطيونة” الذي سقط خلاله 7 شهداء وعشرات الجرحى. ميقاتي بالحد الأدنى لا يستسيغ الفكرة ، إنما يحبّذ إعطاء فرصة لاتصالات “العالم السفلي”، كما أنه ليس في وارد مناقشة “الكمين” من دون طرح أسبابه والتي تبدأ من وضعية المحقق العدلي طارق البيطار المُختلف عليها. أصحاب مذهب الدعوة، يبنون في تكهناتهم حول واقعيتها إبتداءً من رغبة لدى الثنائي الشيعي في بحث “قضية الكمين” من كافة جوانبها، على نية إنضاج الجهة القضائية الصالحة للبتّ بها، والمفترض أنه المجلس العدلي، لذا فإن الإحالة لا تصحّ دون انعقاد مجلس الوزراء الذي هو الممرّ الإجباري لها.
بدوره، صعّد الثنائي الشيعي من لهجته. قالها وأعاد تكرار ذات العبارة إلى من يتواصل معه عبر المندوبين، أي أنه ليس في وارد العودة إلاّ عند اتخاذ قرار بطرح المسألتين دفعةً واحدة ووفق الأصول، للوصول إلى حلول فورية، وبهذا المعنى سيُبقي على “محاصرته” للحكومة، لكن الموعد لا يظلّ مكتوماً، فعلى الحكومة واجب التحرّك الفوري.
إذاً، “سقفها” بحسب العاملين على خط المشاورات، أسبوع واحد لإنتاج “مخرج” معين يعيد العمل بوضعية الحكومة “الهشّة” من دون أن تطال الجوهر، الذي يريد الثنائي الشيعي تركه “دون دنس”، وافتراضاً لن يكون “المخرج” على وزن حادثة “قبرشمون” إنما أوسع وأشمل، وهنا ليس في مصلحة أحد الإبقاء على الحكومة “مشلولة” سيّما رئيسها الذي يُنقل عن مجالسه بأنه “مصدوم” من الذي حصل، وأن أول ضحية من “كمين الطيونة” كانت حكومته، لذا لا يُخفي إتهامه لـ”معدّي الكمائن” من وجود هدف آخر لديهم وهو القضاء على الحكومة في مهدها.
لكن ذلك كلّه، لا يُعفي بعض الوزراء من تولّي أدوار سلبية جداً بحق حكومتهم. منذ أن أُطلقت الرصاصة الأولى في الطيونة ، بانت عيوب حكومة ميقاتي وهشاشتها بدليل الإنقسام الذي ساد في قراءة ما جرى. فبينما ذهب وزير الداخلية بسام المولوي، إلى تحميل حزب “القوات اللبنانية” مسؤولية ونتائج ما حدث بعدما ركن إلى تقرير أمني موضعي عُرض على طاولة مجلس الأمن الفرعي في وزارة الداخلية، ناقضه زميله “السيادي” وزير الدفاع موريس سليم، الذي يُفترض أنه محسوب على رئيس الجمهورية و الآتي من خلفية عسكرية، الذي أنكر وجود كمين ، مرفّعاً ما جرى إلى مقام “الحادث الذي تلاه اشتباك”. الأمر ذاته ينسحب على وزراء آخرين تعاملوا مع الحادثة وفق منظورهم السياسي، وبقية فضّلت الجلوس جانباً دون أن تأتي بأية حركة لتترك “العجل يفلت على أمه”.
في هذا الوقت، لم يبرز أي تدخل فرنسي لنجدة الحكومة “الميؤوس” منها راهناً. الحديث السائد يخلص بأن باريس “سلّمت” الحكومة ومضت إلى شؤونها، وبالتالي لم يعد يعنيها أمر مجلس الوزراء اللبناني الذي يجب عليه الإلتزام بجدول الأعمال المتفق عليه من أجل “التعافي الإقتصادي”.
يحدث كل ذلك في وقتٍ “يفرّخ” كمين الطيونة أزمات يتمّ العمل عليها بشكل حرفي ومضبوط ومدروس من حيث الأسلوب والتوقيت، وحادثة إقحام الجيش اللبناني عبر سلسلة تسريبات “مدروسة” لا يمكن التعاطي معها ببراءة. فصحيح أن جنوداً من الجيش متهمين بالتمادي في استخدام القوة، لكن يجب ألا يتمّ تجهيل المسؤول الأساسي وراء الذي حدث، أو تجهيل وجود مسعى لدى البعض لإسقاطه كعنصر ثانٍ مشارك في الكمين، وربما أول إن احتكمنا إلى رئيس حزب القوات سمير جعجع الذي كرّر في آخر مقابلة له عبارة “اسألوا الجيش”، وهو ما نمّى الخشية حول وجود “طرف ثالث” يُريد إخراج الطرف الرئيسي المتهم من خارج القضاء أي القوات من حلبة الإتهام واستبداله بالجيش، ترسيخاً لنزعة ناشئة منذ ومدة ويجري العمل عليها بتأنٍ وهي إيجاد شرخ بين بيئة المقاومة والمؤسسة العسكرية و إنضاج ظروف عدم الثقة بين الطرفين، وهو ما سيتولى السيد نصرالله التشديد عليه في كلمته اليوم، إلى جانب الدعوة إلى “تركيز” التحقيقات لدى المؤسسة العسكرية، فالذي جرى لا يمكن العبور عنه سيما إذ ثبت أن ثمة من يخالف التعليمات.