مؤرخ اسرائيلي : 1948 كان عام النهب
ترجمة – هآرتس
لم يكن نهب الخزائن، أواني المطبخ والذهب السبب وراء منع اللاجئين من العودة إلى مدنهم وقراهم، بل نهب الأراضي، وتحويلها إلى ملكية “اليشوف” اليهودي، الكيبوتسات، القرى الزراعية، توطين القادمين الجدد فيها وحمايتها بالسلاح الإسرائيلي.
تناول المؤرّخ أدام راز عمليات النهب التي حدثت خلال عام 1948 — لا أقصد هنا النهب الجماعي لعقارات العرب أي لبيوتهم وأراضيهم، والتي صادرتها إسرائيل خلال حرب الـ 1948 وما تلاها. بل، تناول راز نهب ممتلكات العرب المنقولة من قبل مواطنين عاديين، جنود، وحدات عسكرية، مؤسسات حكومية كانت وقتها قيد الإنشاء. تطرق العديد من المؤرّخين في السابق إلى هذا الجانب، ولكن ليس باستفاضة كما فعل راز.
صرح دافيد بن غوريون، رئيس الحكومة المؤقتة حينها، أنّه فوجئ بظاهرتين: الهروب العربي والنهب اليهودي. وتطرق للظاهرة الثانية خلال جلسة مقرّ ماباي في 24 تموز 1948 قائلا: “اتضح أنّ غالبية اليهود” حَرامِية”…حيث اشترك بعمليات النهب كل من سكان كيبوتس هعيمق، الطلائعيون والنخبويون أيضًا، بالإضافة إلى بعض أفراد البَلماح. كما، جمع شموئيل كوهين قائد كتيبة يفتاح التابعة للبلماح في 14 تموز، أعضاء كتيبته في غابة بن شيمن ووبّخهم على نهب مدينة اللد المحتلة قبل ذلك بيوم أو يومين. حيث كتب في حينه: “بدأت بعض عناصر وحداتنا بسرقة ونهب الممتلكات التي خلفها الفلسطينيون”، لكن ألزم كوهين أعضاء كتيبته بتسليم الممتلكات المنهوبة لمقرّ الكتيبة أو التخلص منها لاحقا.
حين أدان بن غوريون عمليات النهب في إحدى جلسات مقر حزب ماباي، احتج البعض- كان بينهم يوسف شبرينتساك وشموئيل يفينئيلي بعض مؤسّسي حزب ماباي- على تهجير سكان اللد والرملة. بينما دعم آخرون، وعلى رأسهم شلومو لافي أحد مؤسسي عين حارود، هذا التهجير. “استلَ” بن غوريون وردًا على معارضي التهجير جملته التضليلية المعروفة قائلا: لقد هرب العرب عند احتلال اليهود لهذه الأمكنة”، متجاهلا أن تهجير سكان اللد تم بإذن منه، إن لم يكن بأمر منه.
لم يتطرق الحاضرون في تلك الجلسة إلى المجزرة التي ارتكبَت بحق سكان اللد قبيل هذا التهجير. وكما هو معروف تكرر تجاهل جميع المجازر التي ارتكبت بحق العرب خلال الحرب، طبعا باستثناء مذبحة دير ياسين التي حدثت في نيسان عام 1948 ونُسبت بكل فخر لمنظّمتي الإيتسل والليحي ابتداءً من تفجير فندي سميراميس في القدس في كانون الثاني وحتى عمليات القتل في الدوايمة، عيلبون، صفصاف والحولة في تشرين الأول وتشرين الثاني. كانت الأحاديث التي تناولت التهجير حينها نادرة جدًا، لكن عمليات النهب كانت موضوعًا مختلفا كليا. حيث أصبح الأمر وابتداءً من لحظة معينة خلال الحرب متداولًا وعلنيا، بل تناولته الصحف بتوسع أيضًا. أثبت قادة ” اليشوف” شمل ذلك القائد الأعلى ومن خلال استنكار عمليات النهب، أنهم يملكون ضميرا يهوديا حيا.
لكن، لم تعبر هذه التصريحات والادانات العلنية عن حجم وعمق عمليات نهب الممتلكات العربية عام 1948، وهذا بالضبط مكمن قوة وقيمة كتاب راز. أصدر راز سابقا كتبًا تناولت تاريخ الصهيونية، كان من بينها نشاط بنيامين زيئيف هرتسل، مذبحة كفر قاسم وسياسة إسرائيل النووية. لا يمكن، وبعد قراءة كتابه الجديد إنكار خُلاصته الرئيسية، التي أفادت في نهاية المطاف أن كثيرين من أعضاء اليشوف شاركوا بعمليات نهب لا نهائية وأن قلة منهم عوقبوا على أفعالهم.
كانت ملكية الأراضي السبب الرئيسي وراء مطالبة مئات الكيبوتسات، القرى الزراعية (التابعة لحزبي مباي ومبام) وعشرات آلاف المستوطنين بحظر عودة اللاجئين. شكلت تلك اللحظة وفيما يتعلق بعودة اللاجئين قلب علاقة “الشعب” اليهودي بحكومته.
من دان وحتى بئر السبع
استند راز في كتابه إلى مجموعة متنوعة من المصادر كان بينها مذكّرات عدة، ولكنه استند وبالأساس إلى وثائق أجهزة ومؤسسات الدولة الفتية حينها، التي أودعت ملفاتها الرئيسية في أرشيف الدولة وفي أرشيف الجيش الإسرائيلي. وصف راز بإسهاب من خلالها تاريخ عمليات النهب هذه، من دان وحتى بئر السبع. ينتقل راز في القسم الأول من كتابه من مدينة لأخرى- ويتطرق لعمليات النهب التي حدثت في طبريا، حيفا، القدس، يافا، عكا، صفد، بيسان، الرملة، اللد وبئر السبع- ويسهب بشرحه عن أساليب، آليات وهوية من نهبوا الأحياء والبيوت العربية. حيث قام وبحسب راز جيران، مواطنون، عناصر شرطة، جنود ومؤسسات الدولة بنهب الممتلكات العربية. خصص راز أيضًا فصولًا فرعية لتناول عمليات النهب التي حدثت في القرى العربية- التي لم تحتوِ ولبؤسها على ما يُنهب أساسا- لكنها شملت نهب وتدمير الكنائس، الأديرة والمساجد. حلل راز وفي القسم الثاني من كتابه، ظاهرة النهب وربطها- بشكل وثيق- بسياسة بن غوريون، أو على الأقل برغبته بالتخلص من العرب الذين ظلوا في البلاد. وعليه، شكك راز بصدق إدانات بن غوريون وشركائه لعمليات النهب، بل وآدعي أنّ الجزء الأكبر من قيادة حزب ماباي أيدت النهب باعتباره خطوة حتمية لتهجير العرب من بيوتهم ومن أراضيهم.
تجدر الإشارة بخصوص قسم الكتاب الأول -الذي يصف النهب من خلال شهادات متعددة- أنّه ورغم انتشار الظاهرة، أقدم قادة الهاغاناه/الجيش الإسرائيلي حينها على إدانتها وعلى تحذير وتهديد الجنود الخاضعين لأمرتهم على الأقل من الإقدام عليها.
كتب قائد لواء النقب في البلماح، ناحوم (“سيرغي”) ساريغ، إلى قادة كتائبه في العاشر من آذار عام 1948، وقبل شن الهاغاناه هجومها الأول في مطلع نيسان 1948 وقبل احتلالها للقرى والأحياء العربية في المدن التالي:” لقد بلغت مسامعي أنباء عن مقتل سكان عرب على يد جنود الهاغاناه بهدف سرقة سياراتهم. أنوه، أن هذا القتل الذي يهدف للاستيلاء على ممتلكاتهم – حتى وإن أردنا تسخير هذه الممتلكات لخدمة جنود الهاغاناه— مرفوض تمامًا. فقد يفسر، هذا القتل بهدف مصادرة ممتلكات معسكرنا، يقوض جوهر معركتنا ويلطخ اسم جنود الهاغاناه”.
قام رئيس مقر الهاغانا يسرائيل غليلي ونائب بن-غوريون الفعلي لقيادة الهاغانا حينها وفي أوج عمليات الاحتلال في الثالث من أيار، بإصدار أمر لقادة كتائب وأقسام المنظمة يقضي بمنع مصادرة أملاك البلدات العربية المهجورة والمحتلة. حيث قال:” أيها الجندي لا تستسلم لإغراء السرقة، إحم نفسك من المغريات السلبية والمرفوضة. ابتعد عن السرقة التي تفسد الفرد والمعسكر، تذكر أنّك حامي الحمى وأنك محارب عِبراني فخور. عليك الحفاظ على كرامتك… تذكر أنّ المسافة بين كرامة المحارب وبين الخزي والعار الذي قد يلحق بالسارق قصيرة… سيعاقب الخارجون عن هذه التعليمات بشدة “. لكن، ومع ذلك شدد غليلي على ضرورة تحويل الممتلكات ” الغنائم” التي خلفها الفلسطينيون” للهغاناه، والتي ستقوم بدورها “بالتعامل” بطريقتها مع هذه الممتلكات وفقا لقرارات المؤسسات المسؤولة ووفقا للقوانين المناسبة”. بكلمات أخرى، كان النهب الشخصي ممنوعا، لكن كان النهب المؤسساتي مسموحا بل ومحبذا جدا! عُممت توجيهات غليلي على صفوف مقاتلي الهاغاناه، بل وصدرت في الـ 11 من أيار، توجيهات حرفية واضحة عممها مقر كتيبة جيفعاتي أيضا على جنوده وجاء فيها التالي: “نبلغ بذلك القيادة العليا بأنّ الاستيلاء على الممتلكات العربية المحتلة التي خلفها العرب… ونعني هنا مصادرة الممتلكات… لاستخدام شخصي، مرفوضة تماما. حيث، تعود غنائم المعارك للهاغاناة فقط، وهي ملكها الخالص”.
كانت قضية الدمار الذي حدث في الكنائس (لا في المساجد) حساسة خاصة على ضوء الخوف من احتمال رد فعل قوى العالم الغربي العظمى. حيث كتب يعقوب دوري رئيس أركان جيش إسرائيل العام في آب 1948 لقادة الجبهات المختلفة قائلا: “قام بعض جنودنا الرعاع بسرقة وتدنيس كنائس وأماكن مسيحية مقدسة… تشوه هذه الأفعال سمعة جيش الدفاع، ومن شأنها إلحاق ضرر جسيم بالنضال الذي تخوضه إسرائيل لتحظى باعتراف شعوب العالم. لذلك، علينا اتخاذ إجراءات صارمة لضمان عدم تكرار هذه الأفعال المخزية بل وإنزال أقصى العقوبات على فاعليها”. أرفق دوري إلى بيانه هذا ملاحظة هامة: على هذه الأوامر الوصول شفهيا لا خطيًا ولا لاسيلكيا.
لكن وبالرغم من ذلك، يبدو أنّ بعض القادة أصدروا أوامر مختلفة كليا أثناء الحرب. حيث استولى الجنود الإسرائيليون الذين وقفوا على الحواجز التي وُضعت على مخارج مدينة اللد عام 1948، على أموال ومجوهرات المهجرين الذين اتجهوا إلى رام الله التي كانت في حينه تحت سيطرة الفيلق العربي. كما وكتب، في 12 تشرين الأول عام 1948 أهرون كوهين أحد قادة حزب مبام، إلى يغآل ألون الذي شغل منصب قائد البلماح حينها وقاد أيضًا “حملة داني” التي تم خلالها احتلال مدينة اللد- وفقًا لشهادة سمعها من أحد الجنود الذين تواجدوا في اللد- أنّ جنود كتيبة يفتاح تلقوا أوامر “بتجريد العرب من كل شيء قد يبدو ثمينا كساعات اليد، المجوهرات، النقود أو أي ممتلكات ثمينة أخرى- كي يتحولوا إلى عبئ على الفيلق العربي عند وصولهم إليه مجرّدين من كلّ شيء”. سُئل كوهين بعدها عن هوية مُصدر هذا القرار، لكن لا يعرف أحد وحتى يومنا هذا ماذا كانت إجابة كوهين.
“تورط الجميع بالنهب”
استنكر وفي معظم الحالات القادة والضباط عمليات النهب بل ولم يترددوا برفع تقارير واضحة للمسؤولين عنهم، اقتبس راز هذه البيانات مطوّلًا (إلى حد المبالغة). كتب يوسف نحماني، وهو أحد أهم شخصيات الهجرة الثانية وعضو مجلس مدينة طبريا البلدي حينها في الـ 22-23 من نيسان بمذكراته، عن عمليات النهب التي ارتكبت في طبريا المدينة الأولى التي نُهبت في عام 1948 مطولا. حيث جاء في مذكراته: “تحرك اليهود بجماعات كبيرة ونهبوا بيوت ومتاجر العرب… لم يكن بمقدور عناصر الهاغاناه السيطرة على هذه الجموع، لأنهم أصلا كانوا نموذجًا سيئًا وشاركوا بأنفسهم ونت قبل بعمليات النهب… كما وتغاضت قوات الشرطة الخاصة التي كُلفت بحراسة الممتلكات عن النهب. بل وهناك ادعاء أن قوات الشرطة حصلت على رشوة مقابل الصمت والوقوف على الحياد. شارك الجميع وبغض النظر عن مكانتهم الاجتماعية بالنهب (رجالا، نساء، علمانيين ومتدينين إلخ)… أشعر بالخزي والعار، وأرغب بالبصق على هذه الدولة ومغادرتها للأبد… سندفع ثمن ذلك في حين نقف أمام أطفالنا وشبابنا” (كتب راز، وقعت بعض الهفوات عند اقتباس هذا المقطع فقد تحدث نحماني عما حدث في حيفا لا في طبريا).
أما بن غوريون فكتب في مذكراته عما حدث في حيفا بالأول من أيار – مذكرات استخدمها مؤرّخون كثر لاحقًا- التالي:” وجدنا بحوزة بعض أفراد وقادة “الهاغاناه” في كثير من الأحيان، أغراضا مسروقة”. اقتحم مواطنون وجنود يهود في مدينة حيفا شققًا مأهولة بفلسطينيين وسرقوا ممتلكاتهم أو طلبوا إتاوة مقابل عدم تهجيرهم. احتل “الدخلاء” (مواطنين وجنود) الشقق بالقوة، قام يوسف كوشنير مدير قسم الممتلكات في المكتب الذي أشرف حينها على الممتلكات العربية الواقعة في المدينة، بالاستقالة من منصبه في أعقاب حالة الانفلات وعمليات النهب.
أما موشيه سولومون والذي شغل منصب قائد سرية كتيبة مورياه في لواء عتصيوني فتطرق من خلال مذكراته في السابع من أيار إلى عمليات النهب التي حدثت في القدس وتحديدا في حي القطمون، الذي كان مأهولًا بسكان عرب انتموا للطبقة الوسطى قائلا: “لقد تورط الجميع بعمليات النهب قادة وجنود على حدّ سواء… فقد أعمتهم شهوة التملّك والجشع. فتشوا كل البيوت واستولوا على كل ما وقعت عليه أيديهم، عليّ الاعتراف ان الجشع استحوذ عليّ أيضًا. بل وكدتُ أفقد قدرتي على التحكم بنفسي… يصعب تقدير حجم ثراء هذه البيوت… ولكنني تحكمت بنفسي وكبحت جماح رغبتي قبل فوات الأوان … أما قائد الكتيبة، نائبه، وآخرون فقد أخفوا تورطهم بعمليات النهب”. تشاجر ” الحَرامية” وبحسب شاهدة عيان تُدعى حاجيت شلونسكي على “الغلة”، حيث قالت الأخيرة: “شاهدتُ من نافذة منزلنا عشرات يسيرون بالشارع محمّلين بالغنائم… لم يكونوا جنودًا فقط، بل مواطنين أيضًا، لقد نهبوا كالمجانين”.
قاد هذا الانفلات الأخلاقي أيضًا إلى سرقة بيوت يهودية من قبل يهود! حيث كتب يتسحاق بن-تسفي، الذي شغل لاحقًا منصب رئيس الدولة، إلى بن غوريون قائلا: “لا يمكنني التزام الصمت حيال عمليات النهب العرضية والعمدية. لقد تحولت السرقة إلى ظاهرة واسعة شملت البيوت اليهودية الواقعة في حي تلبيوت لا العربية فقط (المكان الذي هربت منه العائلات)… أما الغنائم فتنوعت وشملت ثلاجات، أسرّة، ساعات، كتب ملابس وغيرها. لكن ما زاد الطين بله، أن لدينا أيضًا سوق لبيع هذه الأغراض المنهوبة. نُهبت شقق كانت بملكية يهود أصيبوا خلال المعارك التي جرت في شارع بن يهودا، عقب تفجير سيارات مفخخة على يد عرب.” كما واشتكى الحاخام موشيه يكوتئيل ألبرات قائلا: ” نهب إخواننا بني إسرائيل كما يحلو لهم”!
تكررت الأمور نفسها في يافا التي سقطت بيد اليهود في منتصف أيار. حيث أفاد الصحافي جون كامحي بأنّ أعضاء منظمة الإيتسل الذين دخلوا المدينة نفذوا “عمليات سرقة بالجملة”. أما ما عجزوا عن نهبه فحطموه بما في ذلك النوافذ، البيانوهات، الزينة والثريات وسط عاصفة من الهيجان المدمّر. انضم لهذا النهب والتدمير أيضا أعضاء الهاغاناه والبلماح، كانت هناك بعض المحاولات لضبط وردع السَرَقة، لكنها فشلت جملة وتفصيلا. حيث رفع أحد ضباط الشرطة وفي الـ 20 من أيار تقريرا عن ذلك لمرؤوسيه جاء فيه التالي: ” صادفنا مجموعة كبيرة من النساء، الأطفال والرجال الذين سرقوا كل ما وقع تحت أيديهم من كراسٍ، خزائن، قطع أثاث، أواني منزلية، أغطية أسرّة، وسائد، أفرشة… قسمتُ رجالي إلى أربع مجموعات… اضطررنا ومع الأسف إلى استخدام القوة في أغلب الحالات… ألقينا قنابل هلع… لكننا وفي نهاية المطاف اضطررنا لإطلاق سراح المعتقلين، لعدم صدور أوامر بشأنهم”. كما واستقال يتسحاك تشيزيك حاكم يافا العسكري في أواخر شهر تموز لعدم تعاون السلطات معه من أجل القضاء على ظاهرة النهب. حيث كتب وخلال منتصف تموز التالي:” أسفرت عمليات النهب عن خروج 5,000 سيارة محمّلة بـ 20,000 طن من البضائع من المدينة”، كانت غالبيتها ممتلكات صادرتها مؤسسات الدولة. امتدت عمليات النهب والسرقة الفردية إلى ما لا نهاية، حتى تذمر منها وفي شهر أيلول مئير لانيادو الذي استبدل تشيزيك، قائلا ـ أن جنود لواء كرياتي اقتحموا بيوت العرب، اعتدوا عليهم، وسرقوا سجّادًا، ملابس، أجهزة راديو، ساعات وأغراضا ثمينة أخرى. لم تسفر شكواه عن أي نتائج ( أعني هنا إعادة الممتلكات لأصحابها أو معاقبة الفاعلين). لكنه، وعلى الأقل قام بإبلاغ وزير الأقليات، بيخور-شالوم شطريت، بذلك.
شملت عمليات النهب تخريبًا شاملا للممتلكات. حيث، أفاد لانيادو بأنّ جنودًا دمروا مقابرا في يافا وقال بصريح العبارة: “يؤسفني إبلاغكم بارتكاب أفعال مروعة، فقد كُسرت شواهد القبور والصلبان من خلال إطلاق النار عليها مباشرة. كما ودُمرت تماثيل رخام ايطالية ثمينة بطريقة متوحشة”. أما موشيه شاريت وزير الخارجية حينها، فصرح وخلال جلسة سكرتارية حزب مباي في الكنيست في 31 كانون الأول عام 1949 أن: ” حول الجنود – في عدة أمكنة – أماكن العبادة لأماكن قذرة وإلى بيوت خلاء، وملأوا الأرض بالبراز…كسروا أصابع التماثيل لسرقة بعض المجوهرات، سرقوا أحجارًا كريمة وجواهرا من الأديرة… (استخدموا) الأدوات المعدة للطقوس الدينية للتدفئة”.
اطّلع راز على ملفات كثيرة تخص النيابة العسكرية والشرطة. حوكم وبناءً على أوامر عليا قلة قليلة وعوقب أقل! صرح راز ووفقًا لأقوال وزير الزراعة أهارون تسيزلينغ، وزير الأقليات شطريت، شبرينتساك، قائد حزب مبام يعقوف حزان وآخرون من معسكر الوسط-اليسار (رغم تفضيلهم النفاق على قول الحقيقة)، أنّ مصدر الشر كلّه كان بن غوريون. وبالفعل كان بن غوريون وراء عمليات تهجير العرب ومنع عودة اللاجئين لاحقا، بالاضافة إلى هدم القرى، توطين اليهود في بيوت الفلسطينين، تدمير المحاصيل الزراعية في القرى العربية، توزيع الأراضي المهجورة على البلدات اليهودية، ومنع العودة على امتداد خطوط وقف إطلاق النار من خلال زراعة الألغام وإطلاق النار على المتسللين. قال شبرينستاك وخلال جلسة مجلس الهستدروت التنفيذية في الـ 14 من تموز وعقب تهجير مدينتي اللد والرملة بيوم أو يومين:”تسود ومنذ أسابيع طويلة حالة انفلات… ونكتشف حقائقا تتعلق بالسرقة، النهب وبممارسات قوات الاحتلال اليهودية”. أشار إليعزر باور عن حزب مبام وفي تلك الجلسة، إلى وجود رابط مباشر بين التهجير وعمليات النهب قائلا: “ليس صدفة أنّ يتزامن التهجير مع النهب بهذا الشكل، فهناك نية غير معلنة ولكنها ناجعة جدًا تهدف إلى تهجير العرب من خلال زعزعة قاعدتهم الاقتصادية”.