بين “الإستيذ” و”الجنرال”
“إذا المحبة أومت إليكم فاتبعوها،
وإن كانت مسالكها صعبة متحدرة.
إذا ضمّتكم بجناحيها فأطيعوها،
وإن جرحكم السيف المستور بين ريشها.
إذا المحبة خاطبتكم فصدقوها… “.
لولا الفارق الزمني، الذي يناهز المائة عام، والبعد المكاني بين بوسطن وعين التينة وبعبدا، لظننت أن “خطبة المحبة” هي نتاج كتابة مشتركة بين “الإستيذ” و”بيّ الكلّ” الرافدين الرئيسين لنهر المحبة العظيم. المحبة عند الرجلين وبينهما، لا تعرف عمقها إلا ساعة تشاهد نشرة أخبار الـ” أو تي في” والـ”أن بي أن”.
قالها العماد عون بعد 17 تشرين، من خلال شاشة عملاقة، لحشود مؤيّدة ذكرته باحتفاليات قصر الشعب التي رافقته ذكرياتها الحلوة إلى “لا هوت ميزون”: بحبكم كلكم… كلكم يعني كلكم” وكان يقصد بالطبع الأبناء الواعين والضالين.
وقالها رئيس المجلس النيابي أيضاً، من خلال “حرس المجلس” المدرّبين تدريباً جيداً على محبة الآخر. المحبة المفرطة.
وها هو “عماد الوطن” وعميد رؤساء المجالس النيابية على كوكب الأرض، يتابعان غزل خيطان المحبة على أنوال الحكمة والتضحية والأخوّة.
لا يترك “بيّ الكل”، من خلال بلاغة مترجم أفكاره الدستورية ومؤرّخ اللحظة، فرصة إلّا ويصوّبا فيها على “الأخ الحبيب”، في المقابل، لا يقصر “إستيذ الكل” في التعبير عن فيض محبته للأخ الأكبر، من خلال تشنيع معاونه ونوّابه بصهره جبران الثاني، الساكن حناياه والحشا.
أساساً، لا يتقن القابضون على السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية والعسكرية سوى لغة المحبة. واللبيب يختصر بيان رئاسة الجمهورية الأخير: “إنت يا أبا مصطفى شو دخّلك بتشكيل الحكومة وتوزيع الحصص ووضع المعايير. انا اللي بقول إيه وأنا اللي بقول لأ ونقطة عالسطر. بعد ناقص تقعد هلأتني محلّي”. صمت الإستيذ نبيه 24 ساعة. وردّ ببيان يُختصر بهذه العبارة: “بدّك بدّك ما بدّك. سعد نحن سمّيناه ما فيك تشيلو من حدّك. فشو ردّك؟”، يا ربي دخلك!
بعد بيان الرئاسة الثانية تخيلتُ اجتماعاً عاجلاً لمجلس قيادة الثورة في القصر، وعلى جدول أعماله “شن حملة حب ومحبة” واسعة على كل من لا يستسيغ “النهج العوني” ويتخطى “الدستور”، كما يراه الخبير الدستوري المحلّف، وهذا ما حصل. وتخيلتُ الإستيذ يروح ويجيء في كوريدور طويل وعلى وجهه فيض من النور، وخلفه ثلة من المستشارين والمحبّين بينهم سيدة عجوز، عمرها حوالى المائة و25 عاماً. قد تسألون من هي؟
هي المِطرة خرجت من كتاب “النبي” ومن عباءة المصطفى الحبيب، وتوجهت مباشرة إلى قصر أبي مصطفى لتغوص أكثر في معاني المحبة، المحبّة المتبادلة بين “الإستيذ” والجنرال، ومن عين التينة تأخذ المِطرَة تاكسياً وتطلع على بعبدا…