الحدث

لتأليف.. “بُعبُع” المثالثة يخرج من القمقم!

“ليبانون ديبايت” – عبد الله قمح

سُجّلت في الساعات الماضية تطوّرات إيجابية على صعيد ملف تأليف الحكومة لكن يشوبها الحذر، ذلك بعد جولة التصعيد التي رافقت طرح رئيس مجلس النواب نبيه برّي لوساطته القائمة على تأليف حكومة من 24 وزيراً وفق صيغة ثلاثية 8+8+8.

ما يُمكن تأكيده حتى الساعة، أن الشقّ المستجدّ من وساطة برّي المدعومة من “حزب الله” والحزب التقدمي الاشتراكي، والتي قامت على مسعى تأمين هدنة إعلامية وتحييد استهداف الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري قد تكلّل بالنجاح، بدليل أن مواقف الأطراف المعنية كافة، لا سيما “التيار الوطني الحرّ” وتيار “المستقبل” خلال الساعات الـ48 الماضية، لم تتضمن إشارة إلى أي استهداف مباشر، وكما ظهر، اعيد تكرار المواقف السابقة حيال ملف التأليف، والتي أصبحت من الثوابت بالنسبة للأطراف المعنية بعملية التأليف، من دون الخوض في مواجهات ذات طابع ساخن.

ومن الإيجابيات التي تمّ رصدها، أن ” الوطني الحرّ” عبر مجلسه السياسي، تراجعَ عن فكرة الإستقالة من مجلس النواب، ولجأ إلى طرح معادلة جديدة: تقصير ولاية المجلس مقابل عدم تأليف الحكومة، ولهذا التراجع أسبابه “التكتيكية” التي سنأتي على ذكرها لاحقاً.

هذه الخلاصة، والتي ضمّ إليها توسيع رقعة القنوات السياسية التي فُتحت على نية انتشال الملف الحكومي من الحفرة التي نزلها، مكّنت الرئيس نبيه بري من استئناف مبادرته. اللافت في الأمر، أن مزاولة بري لنشاطه استدرجَ عروضاً فرنسية على جانب كبير من الأهمية، إذ ومن الملاحظ أن خلية الأزمة في الإليزيه، والمعنية بالشأن اللبناني، أجرت دورة اتصالات مكثفة شملت المعنيين الرئيسيين بالملف الحكومي، على مشارف وخلال عطلة نهاية الأسبوع الماضي، قد اندرجت على مستويين: إستطلاع الجهود الهادفة لتأليف حكومة، والحثّ ومحاولة التناغم مع الترتيبات الساعية إلى تأمين تنازلات متوازنة من جانب الأطراف. وقد توصّل الجانب الفرنسي إلى خلاصة مفادها أن غالبية الأطراف المعنية مباشرة بمسار التأليف، لها مصلحة في تشكيل حكومة خلال مدة قصيرة، وبالتالي، يُعمل على محاولة استدراج الآخرين من المنتسبين إلى مذهب الرّفض والإعتراض إلى الخانة نفسها على قاعدة توفير ضمانات للتمكين من إعلان ولادة حكومية سريعة لا تتعدى نهاية الشهر الجاري.

وحتى ساعات متأخرة من نهار أمس، كانت المساعي ناشطة، لكن دون تحقيق أي اختراقة “نوعية” على صعيد المباحثات، والرهان على الأسبوع الجاري من أجل تحقيق ما صعُب تحقيقه خلال الأسبوع المنصرم، في ظل تأكيد أن الأمور “صعبة وما زالت مقفلة، لكن لا شيء مستحيل بعدما وصل النقاش في السابق إلى التوزيعة الحكومية وصيغتها”.

لكن ما استُجدّ على موضوع التأليف، ملاحظة دخول عامل “المثالثة” على الخط من بوابة التخوّف والحذر، إن كان على صعيد التوزيعة والصيغة الحكومية، أو على صعيد المفاوضات والوساطات، وهو ما تسبّب بإثارة سياسية وميثاقية لدى ” الوطني الحر” من بوابة “رفض منطق المثالثة”. والمُستغرب، أن نبش هذا الملف أتى في غمارة اشاعة أجواء إيجابية لتقريب وجهات النظر.

وتلاحظ أوساط “التيّار”، أن ما ثبت خلال النقاشات الحكومية الأخيرة، أن موضوع المثالثة أضحى يُطبّق من خلال الممارسة، ما يُخالف الدستور. لكن سقط من بال العونيين أن المتسبّب واقعاً في إدخال “المثالثة” على مسار التأليف ـ إن وجدت، هو عجزهم إلى جانب شريكهم في التأليف، تيّار “المستقبل”، عن الوصول إلى حل، وارتكاب مجزرة على صعيد تأليف الحكومة كادت أن تجرّ الجميع وتؤدي بهم إلى الشارع!

وتقول أوساط “الوطني الحرّ”، إن “المثالثة المقنّعة” دخلت عملياً على صيغة الحكومة المعروضة على مبدأ توزيعة 8+8+8 لكل فريق (8 لفريق رئيس الجمهورية و”التيار الوطني الحر”، 8 لفريق 8 آذار التقليدي أي “حزب الله” وحلفائه، 8 وزراء لبقايا فريق 14 آذار السابق أي الرئيس سعد الحريري والنائب السابق وليد جنبلاط)، وهو تكريس للمثالثة في سابقة حكومية غير موجودة. وما يزيد من تعقيد المشهد بالنسبة إليهم، أن المثالثة أضحت أمراً واقعاً في ظل تحوّل المفاوضات الحكومية الحالية وفقًا لما تجري، إلى الدوران ضمن تركيبة فريق أساسي مكوّن من ثلاث أطراف: سُنّي – ماروني – شيعي.

لكن عملياً، وبخلاف ما يتردّد على جبهة “الفريق العوني”، فإن طروحات النائب جبران باسيل، كانت المسبّب في ابتداع المثالثة التي يتخوّف فريقه منها الآن. ففي المرة الأولى، وحين تعرقلت جهود تأليف الحكومة، جاءت المثالثة لتدخل كعامل إيجابي ولتنشيط ومؤازرة الملف الحكومي، وفي المرّة الثانية وحين تعقّد المشهد الحكومي أكثر، دخلت المثالثة على قاعدة تأمين الصلح بين المتحاربين المتبارين في التراشق الإعلامي، وفي المرّة الثالثة وحين اشتدّ البحث في الملف الحكومي، وتحديداً حول طروحات الوزيرين المسيحيين الإضافيين في التشكيلة، طرح الوزير باسيل نفسه أن يتولى “الثنائي الشيعي” تحديداً، إنتقاء الأسماء المسيحية من لوائح موجودة في حوزة رئيس الجمهورية، وتعهّد نيل الموافقة على إسمين منها من جانب رئيس الحكومة المكلّف، على أن يكون “الثنائي الشيعي”، وتحديداً الرئيس نبيه برّي، ضمانة هذين الوزيرين بالنسبة إلى سعد الحريري، عملاً بمنطق “الثقة المتولّدة بين فريق رئيس الحكومة والفريق الشيعي”. لكن “الثنائي الشيعي” رفض ذلك قطعاً، بدليل أن رئيس المجلس، قد عاين احتمال وجود “مكمن” من المحتمل أنه يستهدفه، ويرمي إلى إيقاعه به مع الحريري! إذ أن العرض أو الفرض على الحريري أسماءً من لائحة محدّدة لهو أمر قد يُقدم الأخير على رفضه، وهذا يعني أن المواجهة حيال الوزيرين المسيحيين الإضافيين ستنتقل كأزمة من جبهة “التيار الوطني الحر” – تيار “المستقبل “، إلى جبهة “الثنائي الشيعي” – تيار “المستقبل” حين يتم زَرك الحريري بهما، ما قد يسفر عن نسف جهود التأليف برمتها، وانتقال المواجهة إلى أماكن لا يرغبها “الثنائي” في ظل حالات التقارب السُنيّة – الشيعية في المنطقة.

الآن، جهود التأليف إلى تصاعد، لكن لا زال الحذر واجباً عملاً بالتجارب السابقة، متى أن الشياطين لم تُنزع كلياً من التفاصيل، أو يتم تحييدها عنها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى