حرب البيانات بين بعبدا وبيت الوسط تحاصر مبادرة برّي وتطيح بالحلول الراعي من بعبدا: لماذا لا تؤلف حكومة اقطاب كما فعل الرئيس شهاب؟ مصرف لبنان يوقف السحوبات على سعر 3900 للدولار بعد قرار مجلس الشورى
محمد بلوط -الديار
فجرت حرب البيانات التي اندلعت بقوة في الساعات الثماني والاربعين الماضية بين بعبدا وميرنا الشالوحي من جهة وبيت الوسط من جهة ثانية الموقف بطريقة دراماتيكية، واصابت شظاياها بشكل مباشر مبادرة الرئيس بري ومسعاه الجديد بالتعاون مع حزب الله للخروج من الازمة الحكومية المستعصية .
وفيما كان رئيس المجلس ينتظر استكمال الاجوبة على اقتراحاته لحل العقد من امام تاليف الحكومة لا سيما من رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، فوجىء باندلاع التراشق العنيف بين طرفي النزاع، الامر الذي ساهم في زيادة تأزيم الموقف بدلا من توفير الأجواء الملائمة لنجاح مبادرته.
وعلمت الديار انه على الرغم من انزعاجه الشديد من حرب البيانات فان بري، حسب مصادر عين التينة، ينتظر جواب باسيل النهائي، وهو ليس في صدد اعلان اي شيء حول مسعاه ومصير مبادرته في الوقت الراهن.
الراعي وحكومة الاقطاب
ووسط هذا المناخ الملبّد زار البطريرك الماروني بشارة الراعي بعد ظهر امس بعبدا والتقى الرئيس عون، مؤكدا استمرار مسعاه ومجددا الدعوة للقاء رئيس الجمهورية مع الرئيس المكلف سعد الحريري والحوار من اجل تاليف الحكومة، منتقدا ومستهجنا اسلوب الاهانات بدلا من التفاهم والحوار «فالبلد يحتاج الى حوار وليس الى «قواص».
وتساءل بعد اللقاء «لماذا لا نقوم بتاليف حكومة اقطاب»؟ مشيرا الى تجربة الرئيس الراحل فؤاد شهاب. وقال الرئيس شهاب «عمل حكومة اقطاب من ٤ وزراء فكان لدينا احسن دولة في تاريخ لبنان، وان الحالة الراهنة تقتضي قرارا من هذا النوع .
وقال الراعي «لبنان بلد الحوار، ويجب ان يكون هناك حوار فالاهانات غير مقبولة وليست من ثقافتنا، ونحن مجروحون من لغة الاهانات وانا استهجن هذا الامر».
وجدد دعوة عون والحريري الى الحوار المباشر على الطاولة للتفاهم على الحكومة. وقال ردا على سؤال «لا حاجة لطاولة حوار وطني، المطلوب ان يلتقي رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، وهذا كاف».
ونقل عن عون انه يريد حكومة الآن رغم كل شيء، مؤكدا ان سيستمر في مساعيه للتقريب بين المسؤولين دون الدخول في تفاصيل تقنيات تشكيل الحكومة.
مبادرة بري وحركة الثنائي الشيعي
ماذا حصل في اليومين الماضيين؟
تقول المعلومات التي توافرت لـ «الديار» من مصادر موثوقة انه بعد لقاء الرئيسين بري والحريري الذي وصف بالجيد، قصد لاحقا معاونا رئيس المجلس والامين العام لحزب الله علي حسن خليل وحسين الخليل والسيد وفيق صفا النائب باسيل وعرضا له الاقتراحات المتعلقة بحل عقدتي الوزيرين المسيحيين ووزارتي الداخلية والعدل، لكنهما لم يحصلا منه على جواب مباشر وواضح، وبدا جوابه اقرب الى التحفظ منه الى الايجابية.
وتضيف المعلومات ان باسيل تجنب اعطاء رد نهائي، وفضل تكرار جزء من الكلام الذي قاله في مداخلته خلال جلسة مجلس النواب، مركزا على القواعد التي اوردها في المداخلة لتاليف الحكومة دون اعطاء جواب واضح من موضوع الوزيرين المسيحيين. وانتهى اللقاء من دون اية نتائج ملموسة حول الاقتراحات المطروحة لحل العقد.
لكن المصادر نفت ان يكون حصل تلاسن او اشتباك كلامي بين باسيل والنائب علي حسن خليل، مشيرة الى ان مثل هذا الامر لم يحصل، لكن الاجواء لم تكن جيدة وحاسمة ويمكن وصف اللقاء بانه لم يثمر عن نتائج ايجابية فورية.
وخرج الخليلان وصفا من عند باسيل بخلاصة مفادها انهم بانتظار جواب على مقترحات الحل لكي يبنى على الشيء مقتضاه.
واحدث مؤتمر باسيل بعد اجتماع تكتل لبنان القوي اول امس وتجديده الدعوة لمؤتمر حوار وطني في بعبدا برئاسة عون من اجل حل مشكلة الحكومة وتلويحه باللجوء الى خطوات «ضاغطة وملزمة لعملية التأليف» اجواء ساخطة في بيت الوسط ما ساهم في رفع وتيرة بيان كتلة المستقبل التي ترأسها الحريري واستخدام عبارات حادة بحق ألرئيس عون وباسيل واتهامهما بادارة «مستنقع سياسي».
وهذا ما فجر حرب البيانات امس بين بعبدا وبيت الوسط ليحجب دخانها مبادرة بري ويبدد التفاؤل النسبي الذي ظهر مطلع الاسبوع.
وقالت المصادر الموثوقة ان بري رغم استياءه مما حصل امس حرص على عدم نعي مبادرته، وان اتصالات ومشاورات حصلت بين الثنائي الشيعي لبحث الموقف وما يمكن القيام به.
واضافت ان السيد نصرالله اعطى توجيهاته لفريق عمل الحزب من اجل استمرار العمل في اطار دعم مسعى الرئيس بري، غير ان ما جرى من حرب البيانات ادى الى التأثير على وتيرة التحرك المرسوم.
واذا كانت مبادرة بري بقيت قائمة ولم تتوقف فان التراشق العنيف بين طرفي النزاع وتر الاجواء بنسبة عالية وبات هناك حاجة للعمل على وقف نار البيانات والتصعيد المتبادل لاستئناف حركة الاتصالات والمساعي مجددا.
ردّ رئاسة الجمهورية
وفي اطار حرب البيانات ردت رئاسة الجمهورية امس على بيان المستقبل الذي كان صدر اول امس ببيان شديد اللهجة متهمة الحريري «بالاستمرار في الهروب من تحمل مسؤولياته في تاليف حكومة متوازنة وميثاقية تراعي الاختصاص والكفاءة وتحقق المشاركة»، ومعتبرة ان في ذلك «امعانا في انتهاك الدستور ووثيقة الوفاق الوطني، وينمّ عن رغبة واضحة ومتعمدة في تعطيل تشكيل الحكومة».
ورفض البيان تحميل الرئيس عون مسؤولية ما آلت اليه الاوضاع الاقتصادية مؤكدة «ان ما ورثه العهد من اوضاع مالية صعبة وديون هو ثمرة ممارسات فريق رئيس الحكومة المكلف… وبالتالي فان المستنقع الذي يدعي بيان تيار المستقبل ان البلاد غارقة فيه هو من انتاج منظومة ترأسها تيار المستقبل تسلطت على مقدرات البلاد».
ردّ المستقبل
ورد تيار المستقبل على بيان رئاسة الجمهورية فاعتبر انه «ثبت بالوجه الشرعي والسياسي والدستوري ان رئاسة الجمهورية تقع اسيرة الطموحات الشخصية للنائب باسيل وان الرئيس عون مجرد واجهة لمشروع يرمي الى اعادة انتاج باسيل في المعادلات الداخلية.»
واضاف «من المؤسف ان يصبح موقع الرئاسة ممسوكا من قبل حفنة مستشارين يتناوبون على كسر هيبة الرئاسة وتلغيمها بافكار واقتراحات وبيانات لا تستوي مع الدور الوطني المولج لها… والاشد اسفا ان يقبل رئيس البلاد التوقيع على بيان اعده جبران باسيل شخصيا في حضور نادي مستشاري السوء».
وختم البيان موجها الكلام للرئيس عون «اوقف استيلاء من حولك على صلاحياتك واوقف محاولاتهم للاستيلاء على صلاحيات الاخرين، وجنّب اللبنانيين كأس جهنم الذي بشرتم به».
التيار
وكان التيار رد على بيان المستقبل الاول مكررا الدعوة الى تعاون الجميع من اجل كل اللبنانيين، وحضّه على «العودة الى لغة العقل والمنطق والكف عن العراضات الكلامية لمواجهة التحديات الضاغطة على اللبنانيين».
وقال ان التيار سيبقى ايجابيا ومتجاوبا مع مسعى الرئيس بري «وسيصبر حتى يعلم الصبر انه صبر على شيء امرّ من الصبر».
ماذا بعد التصعيد؟
ومنذ صباح امس سادت اجواء في الاوساط السياسية والنيابية بأن المساعي التي بذلها الثنائي الشيعي حتى الآن تصطدم بحائط مسدود، وان الفرصة التي جرى التعويل عليها باتت قليلة.
لكن مصدرا نيابيا مطلعا قال لـ «الديار» ان ليس في السياسة عبارة آخر فرصة فالمساعي لا تزول ولا تتوقف، لكن المؤسف ان نسبة التعويل على نجاح مسعى الرئيس بري الحالي كان مرتفعة ما جرى في الساعات الماضية احدث صدمة سلبية
واستبعد المصدر ان يقدم الحريري على الاعتذار او ان تستقيل كتلته النيابية . كما استبعد ان يقدم نواب التيار الوطني الحر على مثل هذا الخيار، متسائلا ماذا سيجني الطرفان من ذلك؟ وفي هذا المجال قال نائب بارز في تيار المستقبل للديار ان اعتذار الحريري غير مطروح ولم يطرح، كما ان استقالة النواب ايضا غير مطروحة.
وردا على مصير مسعى الرئيس بري قال «لا استطيع ان اجزم في هذا الشأن لكن يبدو انه فشل حتى الآن».
من جهته قال مصدر نيابي في التيار الوطني الحر للديار ان استقالة نواب التيار خيار وارد لكنه لم يناقش بعد، مشيرا الى ان هناك خطوات لدى الرئيس عون يمكن ان يقدم عليها في حال استمرت عرقلة تاليف الحكومة والتعطيل من قبل الرئيس المكلف، لكنه لم يكشف عن طبيعة هذه الخطوات
تعليق السحوبات ودياب يناشد العالم
على صعيد آخر برز تطور خطير وسلبي يطرح علامات استفهام جديدة على مصير اموال اللبنانيين والمودعين في المصارف، وينذر بمضاعفات وتداعيات غير محسوبة.
وبدلا من معالجة هذه المشكلة الكبيرة والمتفاقمة وجّه مصرف لبنان امس بيانا الى المصارف قرر فيه بعد تسلمه قرار مجلس الشورى الاعدادي بهذا الخصوص «تعليق العمل بالتعميم رقم 151 الذي يسمح للمودعين بسحب اموالهم من حساباتهم بالدولار هلى سعر 3900 ليرة للدولار استنادا للقرار الاعدادي لمجلس شورى الدولة».
وكان المصرف تسلم امس قرار مجلس الشورى الذي قضى بوقف السحوبات على سعر 3900 ليرة للدولار.
وشهدت حركة المصارف في هذا الشأن بلبلة في هذا الشأن لبعض الوقت ثم جرت السحوبات طوال النهار بشكل عادي قبل ان يصدر قرار المصرف المركزي مساء.
من جهة اخرى ناشد رئيس الحكومة المستقيلة حسان دياب اشقاء لبنان واصدقائه «عدم تحميل اللبنانيين تبعات لا يتحملون اي مسؤولية فيها. فالشعب اللبناني ينتظر من اشقائه واصدقائه الوقوف الى جانبه ومساعدته في محنته القاسية، ولا يتوقع منهم ان يتفرجوا على معاناته او ان يكونوا مساهمين في تعميقها. اناشد الاشقاء والاصدقاء، لبنان في خطر فاما ان تنقذوه الان قبل فوات الاوان».
وقال ان انهيار لبنان «ستكون تداعياته خطيرة ليس على اللبنانيين فحسب وانما على المقيمين على ارضه ايضا وعلى الدول الصديقة والشقيقة في البر او عبر البحر، ولن يكون احد قادرا على ضبط ما يحمله البحر من موجات».