يوسي ميلمان – هآرتس
مسيرة الأعلام في يوم القدس في هذا الأسبوع كانت مسيرة الحماقة، حيث دفعتنا إلى جولة أخرى من المواجهة مع حماس في الجنوب.
في كتابها الذي يحمل نفس الاسم، المؤرخة بربارة توخمان، عرّفت الحماقة بأنها عمل أو تمسك بسياسة تناقض المصلحة الذاتية. هذا ما يحدث عندنا في الأسابيع الأخيرة، في أعقاب سلسلة قرارات لرئيس الحكومة الانتقالية، بنيامين نتنياهو، والمستوى التنفيذي، وبالأساس شرطة اسرائيل.
إن تراكم عدد من الاحداث والعمليات تجمعت بالصدفة وتحولت الى كتلة حاسمة. 1- الغاء الانتخابات الفلسطينية بعد أن أدركت السلطة الفلسطينية ورئيسها محمود عباس بصورة متأخرة، بمساعدة ضغوط من جهاز الامن، أن الانتخابات ستؤدي الى تقوي حماس في الضفة. حماس غضبت بسبب أن الفوز المتوقع تسرب من أيديها فقررت تسخين الاحتكاك مع اسرائيل على نار هادئة. 2- احداث شهر رمضان التي هي دائما قابلة للانفجار وتشكل بؤرة احتكاك بين اليهود والعرب في المناطق وفي اسرائيل. 3 تعيين كوبي شبتاي، عديم التجربة في المجال الشرطي المدني والسياسي، المفتش العام للشرطة. شبتاي والقيادة العليا في الشرطة، الذين فشلوا ولم ينجحوا في منع الكارثة في جبل ميرون، قرروا صرف الانتباه الجماهيري – السياسي بواسطة القوة، وانطلقوا الى محاربة الشباب الفلسطينيين في شرقي القدس. وقد أمروا بوضع الحواجز في باب العامود، الامر الذي رفع نسبة التوتر وأدى الى احداث عنيفة، امتدت الى المساجد في الأقصى.
شبتاي وقائد لواء القدس، المفتش دورون ترجمان، أدركا بشكل متأخر، هذا أمر غير مفاجئ، الخطأ. وبمساعدة الضغط من الشباك قررا ازالة الحواجز. ازالة الحواجز اثارت الارتباك واعتبرت كضعف في نظر حماس وفي نظر الشباب في شرقي القدس الذين ملوا من قيادة السلطة الفلسطينية المستخذية والفاسدة. في موازاة ذلك، شبتاي المتعرج، الذي شعر أنه مدين لوزير الامن الداخلي امير اوحانا الذي قام بتعيينه، عاد الى سابق عهده. فقد قرر أن مسيرة الاعلام، وهي مسيرة اليمين المتطرف التي كل هدفها اثارة الاستفزاز، ستمر بالذات من باب النزاع، باب العامود (بعد ذلك تراجع عن ذلك ايضا).
كل حدث من هذه الاحداث بحد ذاته كان يمكن أن يفسر كأمر غير ضار أو غير خطير. ولكن عندما تجتمع معا مثل حلقات في سلسلة، يجب أن تكون غبي كي لا تفهم كيف يمكن أن ينتهي ذلك.
يضاف الى كل ذلك التحيز اليميني والعنف البنيوي لشرطة اسرائيل، التي تتوق الى المعركة تقريبا في كل حدث. هكذا كان الامر في اعقاب ضغوط سياسية لنتنياهو واوحانا ووزراء الاحزاب الدينية والاصولية، فان الشرطة رغم التحذيرات من كارثة، لم تمنع أو تقلص الهالولا في جبل ميرون. في نهاية المطاف توجد لها صلاحية اتخاذ خطوات من هذا النوع. وقد رأينا ذلك عندما ضيقت خطوات المتظاهرين في بلفور وقطعت الطريق على عرب اسرائيل في شارع رقم واحد في يوم السبت الماضي وهم في طريقهم لأداء الصلاة في الأقصى وقيدت عدد الفلسطينيين المسموح لهم الصلاة في المساجد هناك.
أحد الاخفاقات الكبرى التي أدت الى قرارات خاطئة والتي نهايتها مسيرة الحماقة هو سلوك القطيع. على رأس جهاز الامن يقف الآن رئيس الاركان افيف كوخافي، رئيس الموساد يوسي كوهين والمفتش العام للشرطة، الذين دائما في اوضاع الازمة يتبنون لغة واحدة وهي لغة القوة. للاسف الشديد، ايضا محللون مثل عاموس يادلين، الذين هم جزء من دم ولحم جهاز الامن، ومراسلون مخضرمون ايضا، يرصون الصفوف ويستخدمون نفس اللغة – “يجب ضربهم بكل قوة”، و”الردع تآكل” وما شابه.
توخمان تحلل في كتابها احداث تاريخية كبيرة، مسيرات الباباوات التي أدت الى انشقاق البروتستانت وحتى حرب فيتنام. كما يبدو المشاجرة المناوبة بين حماس واسرائيل تتقزم ازاءها. ولكن اذا فحصناها في سياق اوسع من موت مفاوضات السلام مع الفلسطينيين واستمرار الاحتلال والمستوطنات، عندها فان التحليل التاريخي هو أمر له علاقة بالتأكيد بما يحدث هنا والآن. توخمان تعد على الاقل شرطين من اجل اعتبار السياسة سياسة غبية. الشرط الاول، عندما تظهر نتائجها السلبية بصورة واضحة في الزمن الحقيقي، وليس فقط في رؤيا ما بعد الحدث. الشرط الثاني، أن يكون هناك طريقة عمل بديلة يمكن اتباعها. نحن لسنا بحاجة الى خبراء أمن من اجل رؤية نتائج مسيرة الحماقة الحالية في كل دقيقة اثناء تشكلها. ايضا البدائل التي كان يمكن لاستخدامها منع هذا السلوك الغبي هي بدائل معروفة: الدفع قدما بالمفاوضات مع السلطة الفلسطينية، وقف التنكيل بالفلسطينيين في الضفة وتطبيق برنامج اقتصادي دولي لاعادة اعمار غزة.
مع ذلك، يجب أن لا نستبعد امكانية أن تعريف الحماقة ربما لا ينطبق على ما يحدث لدينا الآن. هذا سيكون صحيح اذا تبين أن نتنياهو كان معني بالتصعيد ولم يفعل أي شيء، أو أنه فعل القليل جدا وبصورة متأخرا جدا لوقفه. أي أنه لم يعمل ضد مصلحته الشخصية، بل هو دفعها قدما. المصلحة هي بالطبع منع تشكيل حكومة تغيير من اجل أن يبقى رئيسا للحكومة ويدير الوضع الراهن – تقوية حماس واضعاف السلطة الفلسطينية وتعويد الجمهور على أنه كل اربعة ايام أو اربعين يوما أو اربعة اشهر سنذهب الى جولة مواجهات جديدة.