تحقيقات - ملفات

موسم الحرب على النفط ونظام عالمي جديد!

أنس بن فيصل الحجي

شهد الأسبوع الماضي ضربات متتالية لشركات النفط العالمية، وسط سرور كبير في الأوساط السياسية المعادية للنفط في الولايات المتحدة وأوروبا. هذه الضربات والمشاعر التي صاحبتها تؤكد ما ذكرته في مقالات سابقة من أن “التغير المناخي” يستخدم بدلاً من “الإرهاب”، لإنشاء نظام عالمي جديد، ويسمح لفئة معينة بالسيطرة عليه بشكل لم يشهد له العالم مثيلاً، بخاصة مع التقدم التقني الهائل الذي يسمح بمراقبة كل حركة وكل همسة وكل غمزة. ونظرة تاريخية سريعة منذ حادثة 11 سبتمبر (أيلول) 2001، توضح كيف تم برمجة الناس تدريجياً على القبول بحريات أقل، فأقل، بحجة الأمن، ثم جاءت إغلاقات كورونا والتحكم بالناس حتى في أدق خصوصياتهم بحجة الأمن الصحي، والآن الحلقة الأخيرة “التغير المناخي”.

الدرس التاريخي واضح، فمن يتحكم بمصادر الطاقة يتحكم في كل شيء. ولكن تعدد المصادر وتعدد ملاكها يمنع ذلك، ولهذا فإن “كهربة كل شيء”، والتركيز على كون الكهرباء هي المصدر الوحيد للطاقة، يعني أن فئة قليلة تستطيع التحكم بحياة ملايين البشر من خلال فاصل كهربائي، تقطع الكهرباء وتعيدها كما تشاء. وبما أن الأخبار والمعلومات تأتي من طريق الإنترنت، والإنترنت يحتاج إلى الكهرباء، فإن قطع الكهرباء لا يعني انعدام الطاقة فقط، ولكن توقف الأخبار والمعلومات أيضاً، والأهم من ذلك وقف التواصل بين الناس!

باختصار، تطور الأمور وتسلسلها سياسياً وتقنياً يجعل من الصعب إنكار وجود مخطط للسيطرة على العالم بهذا الشكل، أو أن الأمور حدثت وهناك من يحاول تجييرها لمصلحته.

ولكن تطبيق ما ذكر أعلاه لا يزال صعباً، ولهذا تم اللجوء إلى استخدام القانون لضرب كل من لا ينصاع، ولذا فإن توقيت برامج الرئيس الأميركي جو بايدن، وقرارات وقف أنابيب النفط الكندية التي تضخ النفط للولايات المتحدة، والهجوم الإلكتروني على أهم منظومة أنابيب لنقل المنتجات النفطية في الولايات المتحدة، وسيناريو وكالة الطاقة الدولية وتمرير قانون محاكمة “أوبك” في إحدى لجان الكونغرس، ثم مشروع قرار كاليفورنيا وقف عمليات الحفر تماماً بعد تاريخ معين، ثم قرار محكمة هولندية إجبار شركة “شل” على خفض الانبعاثات الكربونية في هولندا، ثم قرارات مستثمري “إكسون موبيل” و”شيفرون” و”توتال” بتغيير بعض أعضاء مجلس الإدارة وخفض الانبعاثات، تأتي ضمن اتجاهات عامة لضمان نجاح الحرب على النفط.

نتائج هذه الحرب

شن الحرب على النفط لا يعني بالضرورة نجاحها، ولكن مجرد شنها ستكون له آثار سلبية على الصناعة في كل الحالات، كما يعني زيادة الكُلف على الجميع، وتوتر العلاقات السياسية والاقتصادية بين الدول المنتجة والمستهلكة، وبين الصين والدول الغربية.

وفيما يلي بعض نتائج هذه الحرب، وارتفاع أسعار النفط الناتج منها، فاللائحة طويلة والمذكور أدناه بعضها:

1- عجز في الإمدادات وارتفاع شديد في أسعار النفط، فأقل السيناريوات واقعية يشير إلى أنه لا يمكن التخلص من النفط والغاز خلال العقود المقبلة، ولا يمكن التخلص من البنزين والديزل كوقود للسيارات، فما بالك بأكثرها واقعية؟ وهذا يعني أن الطلب على النفط لن ينخفض، وبناء على معطيات عدة فإنه سيرتفع في السنوات المقبلة، إلا أن هذه الحرب على النفط تعني انخفاضاً مستمراً في الاستثمار في عمليات الاستكشاف والتنقيب، وعدم القدرة على التعويض عن معدلات الاستخراج، ومن ثم فإن الإنتاج العالمي سينخفض في وقت يستمر فيه الطلب على النفط بالارتفاع، وهذه التطورات ستؤدي إلى ارتفاع كبير في أسعار النفط، وعندها سيشتد سعار الحرب على النفط، وسيتم اتهام الدول النفطية برفع الأسعار، ولهذا فإن على الدول النفطية وكبرى شركات النفط العالمية أن تبدأ حملة إعلامية من الآن للتحذير من ارتفاع الأسعار بهذا الشكل تفادياً لقلب الحقيقة في المستقبل.

2- تدهور الوضع الاقتصادي في الدول النفطية الفقيرة، فارتفاع أسعار النفط سيأتي لاحقاً، ولكن حتى ذلك الوقت ستجد الدول النفطية الفقيرة صعوبة كبيرة في الاقتراض وتمويل المشاريع التنموية، فقد تم تاريخياً النظر إلى إيرادات النفط المستقبلية على أنها الضمان لقيام هذه الدول بدفع الأقساط في موعدها، إلا أن اختلاف نظرة الدول الغنية والبنوك العالمية لمستقبل النفط، بغض النظر عن صحتها أم لا، يعني عدم رغبتها في تمويل المشاريع في هذه الدول.

3- زيادة اعتماد الدول النفطية الفقيرة على الدول الغربية، إذ ستجد الدول النفطية الفقيرة نفسها مضطرة لتبني مشاريع طاقة متجددة بتمويل غربي، وزيادة استهلاك الكهرباء في هذه الدول يعني زيادة استهلاكها من المنتجات الأجنبية، بما في ذلك الهواتف الذكية والحواسيب، وزيادة استهلاكها من الثقافة الغربية. وعندما ترتفع أسعار النفط لاحقاً فلن تستفيد منها لأن معظم الزيادة، إن لم يكن كلها، ستذهب لوفاء الديون من جهة، ولتمويل الواردات التي زادت نتيجة انتشار الكهرباء المربوط بالاستيراد. الحقيقة أن الكهرباء من حق كل إنسان، ويجب إزالة “الفقر الطاقي” من كل مكان، ولكن أن تتحكم الدول الغربية بمصير الدول الفقيرة بحيث تحدد لها نوع الطاقة التي تستخدمها، بتمويل غربي، وتجاهل بقية القطاعات يعني ما ذكر أعلاه، وهو زيادة الاعتماد على الواردات من دون تحقيق تنمية اقتصادية.

4- تقلص حجم شركات النفط العالمية، وانخفاض دورها في أسواق النفط والغاز، نظراً لانخفاض استثمارات هذه الشركات من جهة، وتحويل عوائد النفط للاستثمار في الطاقة المتجددة من جهة أخرى، فإن دور هذه الشركات سيتضاءل مع الزمن. وسينتج من ذلك أمرين، الأول بيع هذه الشركات لأصول كثيرة في كل أطراف الصناعة، بخاصة في قطاعات التكرير والتوزيع وبيع التجزئة، والثاني انخفاض احتياطاتها النفطية لعدم قدرتها على التعويض عن الكميات التي تم إنتاجها، ولكن قد تنخفض الاحتياطات لأسباب قانونية ومحاسبية بحتة، بسبب انخفاض الاستثمار مع انخفاض الأسعار في وقت انتشر فيه فيروس كورونا في أنحاء العالم كافة، ولهذا فإن علينا أن لا نتفاجأ إذا أعلنت هذه الشركات عن تعديل احتياطاتها هبوطاً خلال الأشهر المقبلة لمقابلة القوانين المالية والمحاسبية، بخاصة في الولايات المتحدة، وسينعكس ذلك سلباً على قيمة أسهمها.

المستفيد من هذا التقلص في حجم شركات النفط العالمية هو شركات النفط الوطنية، وشركات النفطة الصغيرة، وشركات النفط الخاصة، وصناديق التمويل المتخصصة.

5- تخلص شركات النفط العالمية من المصافي وعمليات التوزيع والمحطات، وأسرع وأفضل طريقة تمكن شركات النفط العالمية والكبيرة من خفض انبعاثاتها وإرضاء أعضاء مجلس الإدارة والسياسيين هي التخلص من العمليات المتوسطة (المصافي)، ولكنها قد تبقي على الأنابيب وعمليات المصب (التوزيع والمحطات)، وسينتج من ذلك تغيير كامل في هيكلية هذه الشركات، إلا أن انتقال ملكية هذه المصافي وقنوات التوزيع لشركات مختلفة قد يرفع الكُلف، ويمنع الشركات من الحصول على إعفاءات ضريبية معينة، أو الاستفادة من التسعير الداخلي بين منشآت الشركة، وقد ينتج من ذلك انقطاع أطول لإمدادات الوقود أثناء الكوارث، بخاصة خلال فترة الأعاصير في خليج المكسيك.

6- انخفاض إيرادات الدول والولايات النفطية، إذ ستعاني الدول النفطية التي تعتمد على شركات النفط العالمية بسبب خفض هذه الشركات لاستثماراتها من جهة، وبيعها بعض الأصول لشركات مختلفة، ومن جهة أخرى فالأمر الذي يخفض الإيرادات النفطية سواء كانت ضرائب على دخل الشركات أم الإنتاج، كما أن إيرادات الولايات الأميركية التي تعتمد على النفط والغاز ستنخفض بشكل ملحوظ، بخاصة تكساس ولويزيانا ونيومكسيكو.

7- ارتفاع إيرادات كبار الدول النفطية، فمع نقص الإمدادات وارتفاع الطلب ثم ارتفاع الأسعار لاحقاً، سترتفع إيرادات كبار الدول النفطية بشكل كبير، ومن عجائب القدر هنا أن تبنّي بعض الدول النفطية مثل السعودية والإمارات للطاقة المتجددة يعني مزيداً من الإيرادات مستقبلاً، بسبب تحويل بعض الموارد النفطية من الحرق في معامل الكهرباء المحلية إلى التصدير، كما ستستفيد مصر من تحويل عدد كبير من السيارات من البنزين إلى الغاز الذي ينتج محلياً، ولولا هذا التحويل لكان لزاماً على مصر استيراد هذه المواد من الخارج في فترة أسعار نفط مرتفعة. وفي الوقت الذي ستحقق فيه الشركات الروسية إيرادات ضخمة، فإن انخفاض الدولار مقابل الروبل سينعكس سلباً عليها ويرفع كُلفها، وستكون إيران من أكثر المستفيدين من ارتفاع أسعار النفط، بخاصة بعد تحويل عدد كبير من السيارات إلى الغاز الطبيعي، وزيادة اعتماد الاقتصاد المحلي على الغاز.

8- انتعاش صناعة الغاز القطرية والأميركية، إذ إن ارتباط أغلب عقود الغاز الطبيعي بأسعار النفط يعني أن ارتفاع أسعار النفط سيرفع أسعار الغاز الطبيعي المسال، وسيكون أكبر مستفيد من ذلك قطر، التي تتوسع في عملياتها حالياً، بحيث أن كميات الغاز المسال المصدّر مستقبلاً ستعادل صادرات النفط العراقية والكويتية معاً، إذا قيمنا الغاز المسال بما يقابله من النفط، إلا أن ارتفاع أسعار الغاز المسال بهذا الشكل سينعش صناعة الغاز الأميركية لأن الغاز المسال الأميركي غير مربوط بأسعار النفط، بل بأسعار “هنري هب” الأميركية، والتي لا علاقة مباشرة لها بأسعار النفط، فكلما ارتفعت أسعار الغاز المسال العالمية زادت ربحية صادرات الغاز الأميركية، وهذا بدوره سيزيد الطلب على الغاز الأميركي ويحسن وضع الصناعة.

9- الأثر في الجامعات، فالأثر المباشر لسياسات التغير المناخي والحرب على النفط هو عزوف الطلاب عن التخصص في هندسة النفط والتخصصات المتعلقة بها، وتوقف الطلاب الذي يدرسون حالياً وانتقالهم إلى فروع أخرى، وعدم وجود عدد كاف من الطلاب، وتوقف الشركات عن دعم هذه الأقسام يعني في النهاية إغلاقها، وإن بقيت فإن أفضل الأساتذة والباحثين سيذهبون إلى أماكن أخرى تدر عائداً أكبر، أو تمكنهم من الاستمرار في بحوثهم.

في النهاية، عندما ترتفع أسعار النفط بشكل كبير مع محاولة الصناعة التوسع، فلن يكون هناك عدد كاف من المهندسين والفنيين، الأمر الذي يرفع الأجور بشكل كبير، ويرفع من كُلف صناعة النفط، وعدم توفر عدد كاف من العمالة الماهرة يعني عدم قدرة الصناعة على التجاوب السريع مع أسعار النفط المرتفعة.

وخلاصة القول إن لتطورات الأسبوع الماضي في الحرب على النفط انعكاسات كبيرة، ذكر بعضها أعلاه.

المصدر: اندبندنت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى