من يدفع إلى صراع سنّي – شيعي في لبنان؟
سركيس نعوم – النهار
ما فعله رئيس مجلس النواب أولاً بعد تلقيه “الرسالة الرئاسية” هو اقتراحه عقد اجتماع لرؤساء الكتل النيابية في المجلس، فتُتلى الرسالة ثم تبدأ مناقشة مضمونها… وتُطوى لاحقاً كما سابقاتها من دون أي تصويت عليها. هذا ما قاله المتابع الدقيق نفسه للحركة السياسية اللبنانية وأقطابها، ثم أضاف: أن رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل رفض هذا الاقتراح معتبراً أنه ينتقص من رئاسية رسالة عون بل من شاغل الرئاسة نفسه. فتقرّر بعد التداول والتشاور مع الأطراف المعنيين كلهم عقد جلسة يوم الجمعة الأسبق في “مسرح الأونيسكو” الذي حوّلته “كورونا” مجلساً نيابياً موّقتاً، وتلاوة الرسالة بعد اكتمال النصاب ثم رفع الجلسة وإرجاء مناقشتها الى اليوم التالي أي السبت الماضي. كوّن ذلك انطباعاً عند الناس والمتابعين والمهتمين أن البحث جارٍ عن تسوية ما ليس للأزمة الحكومية بل للرسالة من شأنها إعادة البحث الجدّي عن حلّ للأزمة الحكومية المتعثّرة ولا سيما بعدما أعاد الرئيس بري “إشعال محركاته” لحلّها بعدما كان أطفأها قبل مدة غير قصيرة. جعل ذلك الجميع يعتقدون أن المناقشة ستكون هادئة من دون تخلّي “ديكَيْ” الأزمة الرئيس المكلّف سعد الحريري والنائب جبران باسيل عن مواقفهما. وهي بدأت كذلك إذ كان باسيل المتكلّم الأول في الجلسة الثانية وكانت نبرته هادئة وخطابه رغم تمسّكه خلفهما بمواقفه الأساسية التي هي مواقف قصر بعبدا بل سيّده نفسها. لكن دخل الشك نفوس النواب والناس عندما تكلّم الحريري إذ كان خطابه نارياً. طبعاً “زعّل” ذلك باسيل وربما اعتبر أنه خُدع قصداً أو من دون قصد ولا سيما بعدما نجح خصمه بل عدوّه اللدود رغم تعاونهما الحافل في مجالات معروفة سابقاً في تسجيل نقطة عليه وعلى فريقه علماً أنه لم تكن هناك قيمة فعلية لتسجيل كهذا.
ماذا كانت الدوافع التي جعلت الرئيس ميشال عون يقرّر توجيه رسالته الى مجلس النواب بعدما كان أرجأ ذلك قبل أسابيع رغم تحضير مستشاريه لها وتحريض معظمهم له على إرسالها ثم التصرّف بحسب النتيجة التي تحقّقها؟ هذا سؤال دار في أذهان لبنانيين كثيرين كما في أذهان عدد من السياسيين، وقد وجّهه أحدهم الى الرئيس بري الذي تربطه به علاقة صداقة وتفهّم وتفاهم لكنه لم يحصل على جواب واضح بل على تحليلات وتخمينات لا تُشفي الغليل. منها أن الرئيس عون قد يكون قرّر متابعة المواجهة مع الرئيس المكلّف بل تصعيدها، فإذا حقّق “أهدافه” الفعلية مثل تكريس عُرف جديد أو إجراء تعديل دستوري يحدّد للرئيس المكلّف مهلة زمنية لتشكيل الحكومة يعتذر عند انتهائها إذا عجِز عن إكمال مهمته، كما يُعيد عُرفاً وليس نصاً صلاحيات للرئاسة المارونية يعتبر هو أي عون أن اتفاق الطائف “شلّحها” للرئيس الماروني. ومن التخمينات أيضاً أن الفشل في تحقيق هذين الهدفين أو أحدهما قد يدفع أعضاء “كتلة لبنان القوي” التي تمثّل “التيار الوطني الحر” الى الاستقالة من مجلس النواب. من شأن ذلك دفع نواب “حزب القوات اللبنانية” أعضاء كتلة “الجمهورية القوية” الى الاستقالة بدورهم رغم خلافهم مع تيار عون وباسيل. بذلك تُضرب “الميثاقية” في مجلس النواب، ولا سيما أن الغالبية الساحقة من الإستقالات النيابية السابقة كانت مسيحية، فيجد بري وأصدقاؤه وحلفاؤه أنفسهم مضطرين الى حلّ مجلس النواب بطريقة قانونية والى إجراء إنتخابات نيابية مُبكرة وجدّية. من شأن ذلك في رأي المستقيلين تمكينهم من تحقيق تمثيل أفضل في مجلس نيابي مُنتخب حديثاً. علماً أن في هذا الرأي الكثير من التمنّي المبالغ فيه في رأي بري وآخرين غيره. صحيح أن “التيار الوطني الحر” قد يخسر عدداً غير كبير من مقاعده النيابية، وصحيح أن “القوات اللبنانية” قد يزيد تمثيله النيابي ولكن بالحجم الكبير الذي يتوقّع.
لكن الصحيح أيضاً أن حلفاء “التيار” ورغم “الإشتباه” في مواقف رئيسه باسيل وربما عمّه الرئيس والمتابعة الدقيقة للإثنين للحؤول دون خطوات وتصرفات مؤذية لهم قد يتخذاها لن يتخلوا عنه ولا عن مؤسّسه رئيس الجمهورية لأن حاجتهم الى حليف مسيحي مهم لا تزال قائمة في ظل الإنقسامات الطائفية والمذهبية الحادة في البلاد. هذا أمرٌ قد يعوّم تمثيله النيابي أو على الأقل قد يجعل خسارته مقاعد معيّنة محدودة. والصحيح ثالثاً هو أن إنتخابات جديدة محكومة بقانون الإنتخاب الساري المفعول لن تكون نتائجها مختلفة كثيراً عن نتائج الانتخابات السابقة التي أنتجت مجلس النواب الحالي. علماً أن أول من ظنّ ذلك وأعلنه وتصرّف على أساسه كان رئيس حزب الكتائب الشيخ سامي الجميل يوم استقال ونواّبه من النيابة على قلّة عددهم. أما الثاني الذي ظن الأمر نفسه فكان رئيس “حزب القوات” سمير جعجع. علماً أن قانون الإنتخاب الحالي أعطى في الإنتخابات السابقة الطوائف والمذاهب والأحزاب كلّها أقصى ما يستطيع تمثيلياً ولم يعد في استطاعته إعطاء المزيد. يعني ذلك كلّه أن تغييراً جذرياً أو جدياً في التمثيل النيابي لن يحصل. طبعاً ينسى الساعون الى إنتخابات جديدة تُنتج مجلساً جديداً أن رئيس مجلس النواب نبيه بري يعارض ذلك بشدّة، إذ قال أكثر من مرة أن “مجلسه” لا يُعتبر منحلاً إلا إذا استقال منه نصف أعضائه زائد واحداً، وأن استقالة ممثلي غالبية المسيحيين ستدفعه وحلفاءه الى إجراء انتخابات فرعية على “ضخامتها”، ولن تكون نتائجها أفضل للغالبية هذه.
هل من أسباب خفية أو بالأحرى غير معلنة تدفع الرئيس عون الى التمسّك بمواقف والى اتخاذ قرارات صعبة التنفيذ أو مكلفٌ تنفيذها على الصعيد الداخلي؟ أجاب المتابع الدقيق نفسه للحركة السياسية اللبنانية وأقطابها بالقول: “هناك اقتناع أو شبه اقتناع عند الرئيس بري وآخرين أن رئيس الجمهورية يريد أن يدفع في اتجاه صراع أو بالأحرى معركة بين السنّة والشيعة في البلاد”، باعتبار أن الصراع بينهما قائمٌ من زمان وقد احتدم كثيراً منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري عام 2005، وخروج سوريا عسكرياً من لبنان برغم إرادتها، ثم ثورة شعبها التي تحوّلت حرباً بل حروباً لكلٍ منها عناوين عدّة، مثل محاربة الإرهاب ومواجهة نظام الأسد وربما حرباً كونية عليه، ومثل مواجهة نظام أقلوي سلطوي، ومثل احتدام الصراع السنّي – الشيعي في العالم الإسلامي منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية الإيرانية “الشيعية” وشعور العالم السنّي وتحديداً العربي منه ذي الغالبية السنّية بالخوف منها. هل هناك مجال لمعركة كالمذكورة؟