هذه رؤية “حزب الله” للصراع مع اسرائيل بعد “عاصفة” غزة
النهار ــ ابراهيم بيرم
من أول الاستنتاجات والعِبر التي خرجت بها اخيرا دوائر القراءة والتحليل في “حزب الله”، المولجة برصد فصول #الصراع مع اسرائيل، عما بعد “عاصفة” المواجهات العسكرية التي شهدتها غزة، والتي ما لبثت ان امتدت الى كل الاراضي الفلسطينية المحتلة خلال الـ12 يوما، ابتعاد “مضمون ومكفول” لأي عمل عدواني واسع أو محدود يمكن ان تفكر فيه القيادة الاسرائيلية حيال لبنان وجنوبه.
في عمق هذا الاستنتاج استطرادا ان اسرائيل مضطرة بعد الجولة الرابعة للحرب مع غزة وقطاعها الى ان تنتظر اعواما اخرى قبل ان تقرر مغامرة عسكرية فعلية لـ”تصفية الحساب القديم والموعود” مع الحزب ولبنان، والذي تعود جذوره الى حرب العام 2006 وما تلاها.
الاستنتاج عينه ليس مبنيا، وفق عاملين في تلك الدوائر، على تمنيات واسقاطات، بل لديها من الثقة ما يدفعها الى الزعم بانها تقوم على وقائع ميدانية ومعطيات سياسية من طبيعة استراتيجية صلبة تدفع بها الى المجاهرة بخلاصة فحواها: ان الاوضاع على الحدود اللبنانية الجنوبية ومسار التطورات في الاقليم عموما لن تكون بعد مواجهات “سيف القدس” كما قبلها اطلاقا.
والاعتقاد الاشمل لديها ان محور المقاومة والممانعة، والذي يشكل الحزب ركنا اساسيا فيه، قد كسب اخيرا الجولة والرهان على المدى الأبعد، اذ انه ربما من المرات النادرة التي يكون احد الاركان الاساسية في هذا المحور، اي الفصائل الفلسطينية، هي التي اختارت ان تبادر الى فتح ابواب المواجهة مع اسرائيل عبر اطلاقها صلية الصواريخ الاولى من المنصات المنصوبة في غزة.
واللافت ان القيادة العسكرية الإسرائيلية انتظرت اكثر من 36 ساعة قبل ان تشرع في الرد، مما اوحى بانطباع فحواه ان هذه القيادة لم تكن راغبة في ان تتجرع الانخراط في المواجهة، وان “فصائل المقاومة” هي مَن استدرجتها عن سابق وعي وتصميم الى هذه المواجهة الواسعة والمفتوحة على كل الاحتمالات، اذ ان هذه الفصائل شاءت ان تسقط “نظرية الفصل” بين غزة “المحررة” والمحاصرة كبقعة جغرافية محدودة ومكتظة بما يقارب المليون ونصف مليون انسان يتخبطون في ازمات وتناقضات، وبين الضفة الغربية وسلطتها غير المتجانسة عمليا مع هذه الفصائل.
وليس من المبالغة ان خطوة “التشبيك والربط” المتقدمة تلك، والتي قررتها القيادة المشتركة للفصائل الاساسية المنخرطة بالمواجهة (ما عدا حركة “فتح”)، يعتبر الحزب ضمناً نفسه شريكا اساسيا في انجازها وفي ادارة ما نجم عنها من تداعيات وتطورات ميدانية، وهي “مشاركة” وجدت لنفسها تعبيرا وتجسيدا في الاستنتاج النوعي لدى الامين العام للحزب السيد حسن نصرالله في اطلالته الاخيرة التي كان يفترض ان تتم ابان الايام الخمسة الاولى من عاصفة المواجهة، وفحواه ان للحزب خيارات وحسابات مختلفة اذا ما مضت اسرائيل قدماً في ممارساتها لتهويد القدس والحاق الضرر بالمسجد الاقصى وما ينطوي عليه من رمزية اسلامية عالية.
تفضّل مصادر في الدوائر اياها ان تسمي هذا الانجاز الجديد “وحدة المعركة” الآتية ساعتها ولاريب في القابل من الزمن.
الثابت ان ثمة من يجد في طيات هذا “الوعيد والوعد” نوعاً من التعمية المقصودة او التبرير لنكوص الحزب عن نجدة غزة في اللحظة الحرجة إنفاذا لمضامين معادلة سبق لسيد الحزب ان اطلقها قبل اعوام وعنوانها العريض “الجهوزية والاستعداد للمشاركة مع باقي مكونات المحور كقوة موحدة في ميدان المواجهة، والرد اذا ما تعرّض واحد من اعضاء المحور اياه لأي عدوان اسرائيلي”، كإسقاط لنظرية “الاستفراد والعزل” التي دأبت القيادة الاسرائيلية على اتباعها طويلا مستفيدة من خضوع الآخرين لها.
وفي كل الاحوال، تعتبر الدوائر عينها ان مكاسب بالجملة تحققت من الاحداث التي عصفت، وفي مقدمها:
– ان هذه الاحداث قد سفّهت نظرية “تحديث القدرة والعقيدة القتالية” التي روّجت لها القيادة الاسرائيلية وترجمتها في مناورات عدة وباطلاق وعود وتهديدات لاستعادة الثقة الاسرائيلية المهتزة بمؤسستها العسكرية التي شكلت “درة التاج” التي تباهى بها الاسرائيليون واستخدموها عصا غليظة لكل من سعى الى الدخول في منازلة معهم.
– ما حدث فرض حتماً خفضاً لمنسوب التهديد باستخدام القوة التي سبق للعقل الاستراتيجي الاسرائيلي ان اطلقها ضد لبنان و”حزب الله”. وليس مجهولا ان اسرائيل اضطرت تحت وطأة احداث غزة الى ان تلغي او تؤجل مناورات واسعة على الحدود مع لبنان وفي كل فلسطين المحتلة كانت تريدها محاكاة لهجوم واسع على لبنان.
– لا تخفي الدوائر عينها ان العقل المتخصص في الحزب أدار ابان ايام المواجهات “ببراعة واحتراف” المشهد على الجانب اللبناني من الحدود، اذ انه تعمّد الخروج من الصورة في عمليات التحشيد ومظاهر التعبئة ومهرجانات الدعم لسواه من مجموعات وجماعات فلسطينية واخرى تنتمي الى الاحزاب والقوى الاسلامية والوطنية، لتتلاقى بشكل او بآخر مع التحركات ومظاهر الدعم والتضامن المماثلة التي شهدتها عواصم عربية وعالمية كثيرة.
وليس خافيا ان الحزب كان مهتما بتظهير امر اساسي آخر جوهره انه لم يعد وحده في “ميدان مقارعة الاحتلال”، وان ثمة آخرين قد اخذتهم الحمية والحماسة لابداء الاسناد وتأكيد ان هذه القضية ما برحت موضع اهتمام واسع.
والامر لم يقتصر على الخطابات والمهرجانات والمسيرات على طول الحدود، بل تجسد ايضا في بعض الصواريخ المحسوبة نوعاً وكمّاً والتي استهدفت الجليل الاعلى حصراً وامتدت احيانا الى مزارع شبعا المحتلة في العرقوب، بما ينطوي عليه هذا الفعل من دلالات رمزية يعرفها الذين واكبوا تجربة مطالع السبعينات في تلك البقعة الجغرافية. وثمة اعتقاد بان هذه الرسائل على محدوديتها و”انضباطيتها” قد ادت غرضها في العمق الإسرائيلي وفي الداخل اللبناني.
انتهت الامور بالحد الادنى من التضحيات والخسائر (قتيل لبناني واحد من عدلون) مع يقين مضمر بان للامر تتمة حتمية ستلي لاحقا مقرونة باستنتاج فحواه ان “الفلسطيني” قد صار جاهزا اكثر من اي وقت مضى للمبادرة والفعل واخذ الخيارات بكل وعي، وهو سيخفف عن الكاهل اللبناني عموما.
• هيل: لبنان يعيش أسوأ أيامه منذ نهاية الحرب على حلفاء “حزب الله ” تهديده بانهاء التحالف
النهار ــ في موقف بالغ السوداوية من الواقع في لبنان اعتبر وكيل وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية سابقاً ديفيد هيل أن لبنان “يعيش أسوأ أيامه منذ نهاية الحرب الأهلية في العام 1991 “داعياً السياسيين “خصوصاً حلفاء “حزب الله” منهم إلى التحلي بالمسؤولية، وتهديد الحزب بانهاء تحالفهم معه في حال اصراره على البقاء خارج الدولة وأنظمتها والنظام العالمي ككل “. كما رأى هيل الذي يشرف حاليا على “مركز ويلسون للأبحاث”، أن بعض المسؤولين الأميركيين تعبوا من لبنان وكثرة مشاكله، وكذلك بعض العواصم الخليجية.
وجاء كلام هيل في جلسة افتتاح مؤتمر عقده “معهد الشرق الأوسط”، الذي يرأسه الدكتور بول سالم، بالتعاون مع شبكات لبنانية أميركية – ناشطة في الولايات المتحدة.
وقال هيل إن علاقته بلبنان بدأت منذ العام 1988، حيث خدم في مواقع ديبلوماسية متعددة معنية بالشأن اللبناني، توجّها بعمله سفيراً لبلاده في بيروت، قبل أن يتولى منصب وكيل وزارة الخارجية، حيث بقي الديبلوماسي الأول المعني بملف لبنان.
وقال أنه زار لبنان بداية شهر رمضان بطلب من وزير الخارجية انتوني بلينكن ورأى “لبنان في وضع أسوأ مما هو عليه منذ نهاية الحرب الأهلية في 1990”.
واضاف “دعوتهم (أي المسؤولين اللبنانيين الذين التقاهم) إلى إظهار شعور بدقة الوضع وابداء مرونة” لكن “لم أرَ أي مرونة منذ 4 آب بعد زيارتي بيروت على أثر انفجار المرفأ”. واعتبر أن قادة لبنان فشلوا “في وضع مصلحة الشعب في المقام الأول”، مشيراً الى أن اللبنانيين خسروا مدخراتهم، وان الخدمات تدهورت والأوضاع ساءت، وهو ما دفع الولايات المتحدة ودولاً أخرى مثل فرنسا إلى الطلب الى الزعماء “إظهار مرونة لتشكيل حكومة”، مشدداً على أن “وقت إجراء إصلاحات شاملة قد حان الآن”.
ولفت الى أن انقاذ لبنان هو بأيدي اللبنانيين وحدهم، و”لن تأتي أي دولة لتنتشل لبنان من أزمته المالية والاقتصادية، بل إن دول العام مستعدة أن تساعده على انقاذ نفسه. وقال أن “إحدى النقاط المضيئة المحتملة” هي أن “لبنان قد يكون لديه إمكانية الوصول إلى الغاز البحري”.
في حديثه، عن “حزب الله”، قال إن “دولة لبنان لن تستعيد قوتها، ولن تحقق سيادتها، طالما أن حزب الله يكدس السلاح، ويتعامل بنشاطات غير مشروعة، ويتلقى أوامره من قوى أجنبية» وتوجه الى«حلفاء حزب الله اللبنانيين لاستخدام نفوذهم لديه لتغيير سلوكه، تحت طائلة الانسحاب من التحالف معه”.
وعن السياق الاقليمي، ذكر هيل انه “لا يوجد سبب يدعو اللبنانيين إلى الانتظار والترقب” لما سينجم عن المفاوضات النووية مشيرا الى أن “السياسة الأميركية تجاه لبنان لا تتغير من إدارة إلى أخرى”، وفي الوقت نفسه “لا يمكنك فصل السياسة تجاه لبنان عن سياسات المنطقة”.
لكن في لبنان، يقول هيل “ستكون سياساتنا أكثر نجاحاً إذا كان لدينا شركاء يمكننا العمل معهم، ومن الضروري أن نقدم دعمنا لأولئك الذين يشاركوننا قيمنا، وأن نتأكد من أننا ندعم أهدافهم، أي ندعم إعادة بناء دولة لبنان، وفي الوقت نفسه محاولة عزل لبنان – ما أمكن – عن الصراعات الإقليمية”.
ورأى أن “الأفضل ألّا تنحاز أميركا إلى جانب (لبناني) بشكل واضح للغاية، لكن على اللبنانيين أن ينحازوا الى جانب المبادئ التي تؤدي الى تقوية دولتهم، أي عليهم أن يجعلوا حزب الله يتمسك بالقيم التي تمكّن الدولة من استعادة سيادتها، ويمكننا استخدام سياسة العصا والجزرة للدفع في الاتجاه نفسه، وفي أوروبا الفكرة نفسها أيضاً”.