لبننة قرض البنك الدولي: مساعدات بالليرة وتخفيضات في ميزانيات أجهزة الرقابة وضمان الشفافية شراء الذمم الإنتخابية بـ”البطاقة التمويلية” والمساعدات الدولية
بعدما أهدرت السلطتان السياسية والنقدية ما لا يقل عن 8 مليارات دولار على الدعم، أنجزت الحكومة مشروع قانون معجلاً يرمي إلى إقرار البطاقة التمويلية، وفتح اعتماد إستثنائي بقيمة 1871 ملياراً و25 مليون ليرة (1871,025,000,000) في موازنة 2021، لتمويلها. هذا المبلغ يجب أن يتحول إلى 1235 مليون دولار، ليوزع بالعملة الصعبة على 750 ألف عائلة، بمعدل 1646 دولاراً سنوياً، أو 137 دولاراً شهرياً. يعني، سيمول حتماً من التوظيفات الإلزامية (الممنوع المس بها) في مصرف لبنان. خصوصاً، أن مشروع القانون أشار إلى أن “المضي باقتراح الحكومة يستوجب دعماً مالياً بالدولار الأميركي، والذي في حال توفره في السوق من خلال البطاقة التمويلية من شأنه التخفيف من حدة ارتفاع الأسعار (…) لان ضخ 103 ملايين دولار شهرياً في السوق يدعم سعر صرف الليرة…”.
المبلغ المرصود أكبر من الحاجة
يظهر في مسودة المشروع أن المبلغ المطلوب رصده أكبر بكثير من حاجة مشروع دعم الأسر الفقيرة. فالدولة يجب أن تتكفل بـ550 ألف أسرة وليس 750 ألفاً، لأن قرض البنك الدولي بقيمة 245 مليون دولار سيغطي ما بين 150 و200 ألف أسرة. وعليه فان الإعتماد المطلوب فتحه في موازنة 2021 يجب أن يكون 905 ملايين دولار، وليس 1235 مليوناً. فلماذا طلب فتح اعتماد لتمويل 750 ألف أسرة؟ وما مصير الفرق المقدّر بـ330 مليون دولار؟
بطاقة إنتخابية
إذا استطاعت الحكومة المستقيلة تخطي “لغم” التمويل، فستعلق بحقل ألغام كيفية التوزيع. فبحسب ما يظهر من الجدول رقم (1) في مسودة مشروع القانون فان عدد العائلات المصنفة أكثر فقراً يبلغ 211 ألف عائلة موزعة على الشكل التالي: 161 ألف عائلة، تستفيد حالياً من المشروع الطارئ لدعم شبكة الأمان الإجتماعي للإستجابة لجائحة كوفيد-19 والأزمة الإقتصادية في لبنان (ESSN). و50 ألف عائلة تستفيد من البرناج الوطني لاستهداف الأسر الأكثر فقراً لدى وزارة الشؤون الإجتماعية (NPTP). وللوصول إلى هدف 750 ألف عائلة يجب رصد 539 ألف عائلة جديدة، و”هو ما لم يحدث بعد لغاية الآن بطريقة علمية ومنظمة ودقيقة. وذلك على الرغم من المناداة بمشروع دعم الأسر الفقيرة منذ أكثر من سنة ونصف السنة”، يقول المدير التنفيذي في الشبكة العربية للمنظمات غير الحكومية زياد عبد الصمد. ليبقى الأهم كيف سنصل إلى هذه العائلات؟ هل عبر الجيش، وهو أمر مستبعد، أم عبر قنوات الزعامات السياسية التقليدية؟ وفي الحالة الثانية المرجحة أكثر، “ستطغى المحسوبيات في التوزيع”، من وجهة نظر عبد الصمد، و”سيُماطل بتوزيع البطاقة لما قبل الإنتخابات النيابية لتوظف في السياسة، وضمان إعادة انتخاب نفس الأشخاص”.
نظام الحماية الإجتماعية الشامل
هذه البطاقة لن تحل المشكلة، وإن استطاعت تخفيف حدة الأزمة في المدى القريب، فهي “تضيف دينين في المستقبل على الشعب اللبناني”، بحسب عبد الصمد. “يتمثل الأول بقرض البنك الدولي، والثاني باستنزاف التوظيفات الإلزامة أو عبر قروض جديدة. والمؤذي أكثر أن هذه الديون غير مستدامة، وهي ستذهب على الإستهلاك وليس على الإستثمار والإنتاج وخلق العوائد المالية. وبالتالي ستتبخر بعد عام، مع ما ستحمله من اختلال في ميزان المدفوعات، وسيبقى عبء تقسيطها أو تسديدها جاثماً فوق صدور اللبنانيين”. البديل، برأي عبد الصمد، هو “نظام الحماية الإجتماعية الشامل” الذي اقترحته “منظمة العمل الدولية” و”اليونيسف”، وهو يشمل التعليم والصحة والغذاء والمسكن والنقل والبطالة… لكل الشعب اللبناني بكلفة لا تتجاوز 3.3 مليارات دولار سنوياً.
صفقة واحدة
في جميع الأحوال فانه من المرجح أن “يبقى مشروع البطاقة التمويلية معلقاً، إلى أن تتشكل الحكومة، ويرشد الدعم، وخصوصاً على المحروقات، وبالتوازي مع بدء مصرف لبنان بتنفيذ ما أعلنه حول إمكانية إرجاع نسبة محددة من الودائع بالدولار كما وعد”، تقول الخبيرة الإقتصادية علياء مبيض، “عندها يطغى الإرتياح النفسي المزيف الذي يزرعونه بهذه الإجراءات ليتغلب الناس على قلقهم أمام المخاطر الإقتصادية الداهمة، ويتمكنون مرة جديدة في كسب المزيد من الوقت على حساب المواطن”.
على ما يبدو أن السلطة السياسية تعمل على ترتيب الوضع السياسي (الحكومة)، والإجتماعي (البطاقة التمويلية بالدولار)، والنقدي (إرجاع 25 ألف دولار مقسطة على 3 سنوات)، في حزمة واحدة تقدم للمواطن الذي تأقلم مع المتغيرات، على أنها الخلاص. فيما الحقيقة أن كلفة التصحيح والخسائر التي تحمّلها المواطن في السابق وسيتحمّلها في المستقبل نتيجة إرتفاع الأسعار ستكون أكبر بكثير.
رد البنك الدولي على التعديلات اللبنانية
المماطلة في توزيع قرض البنك الدولي الذي أقر بقانون من مجلس النواب في مطلع 12 آذار الفائت مستمر. فـ”المالية” راسلت البنك الدولي في 26 نيسان طالبة منه إعادة هيكلة مشروع شبكة الأمان الاجتماعي ESSN، وتقديم تمويل إضافي في شكل منح. إلا أن البنك الدولي ردّ بأنه لا يمكنه حالياً تأكيد توفر تمويل المنحة لأن هذا يعتمد على توافر الموارد، وأولويات المانحين والموافقات. كما أن انتظار توفر أموال المنحة سيؤدي إلى تأخير عملية إعادة الهيكلة، وبالتالي بدء تنفيذ المشروع. كما أن البنك الدولي قيم التعديلات التي اقترحتها الحكومة اللبنانية ووافق عليها مجلس النواب في 12 آذار 2021، في ما خص تأثيرها على تنفيذ المشروع، والجوانب الائتمانية والرقابية. معتبراً أن بعض التعديلات البرلمانية يمكن استيعابها من دون تعديل اتفاقية القرض. فيما سيتطلب البعض الآخر إعادة هيكلة وتعديل اتفاقية القرض، لأنها تستلزم مراجعات لتصميم المكون ونطاقه، وإطار نتائج المشروع، ومخصصات الصرف عبر فئات السحب. الأمر الذي سيؤخر توزيع القرض إلى أجل غير مسمى.
ومن أبرز ملاحظات البنك الدولي على التعديلات اللبنانية كان:
– ضرورة توزيع المساعدات بالدولار وليس بالليرة كما عدّلها القانون على سعر صرف غير مفهوم.
– تمويل رسوم التكاليف غير المباشرة لبرنامج الأغذية العالمي من القرض.
– تفسير الشؤون الإجتماعية الغاية من تقليص مكون الخدمات الإجتماعية وتقديمه للبنك الدولي لمراجعته والموافقة عليه.
– يجب أن تحافظ الحكومة اللبنانية على 11 وظيفة طوال مدة المشروع بالكامل، بالإضافة إلى مدقق مالي خارجي، وتبني نهجاً مرناً في تحديد رواتب هذه الوظائف.
– اعتبار تخفيض ميزانية “السجل الاجتماعي الوطني” NSR من 2.5 مليون دولار أميركي إلى 50 ألف دولار أميركي ليست كافية لبناء النظام. هناك حاجة إلى تمويل إضافي سواء من القرض أو من مصادر التمويل الثنائية.
– تخفيض ميزانية وكيل مراقبة الطرف الثالث TPMA من 600 ألف دولار أميركي إلى 300 ألف غير كافٍ نظراً لحجم المشروع، وهذا قد يعرض جودة مقدمي طلبات TPMA للخطر، لأن اختيارهم سيتم من خلال مناقصة مفتوحة وتنافسية.
وهذا يعتبر نشاطاً ائتمانياً مهماً يعزز الشفافية ولا يمكن المساومة عليه. ويتوقع البنك الدولي أن تخصص الحكومة اللبنانية موارد إضافية لهذا المكون من القرض حسب الحاجة.
– ينتظر البنك استلام خطة تشغيلية توضح بالتفصيل كيفية قيام الحكومة اللبنانية بعملية التحقق، بما في ذلك الجدول الزمني والموارد اللازمة وكيف ستضمن الشفافية في العملية.
حسبما يظهر فان السلطة السياسية لم تكتف بتخفيض المساعدات للفقراء عبر اعتماد سعر صرف 6240 ليرة للدولار، إنما خفضت أيضاً كل الموازنات التي من شأنها زيادة الشفافية والدقة في توزيع القرض. وهو ما يطرح علامات استفهام كبرى عن نيتها الجدية في مساعدة الفقراء والمحتاجين.