فلسطين: من شهر «النكبة» إلى شهر الانتصار…
د. جمال زهران*-البناء
في منتصف شهر مايو/ أيار، من كلّ عام – كنت أكتب مقالاً عن ذكرى «النكبة»، وآخرها في العام الماضي: «الذكرى الـ (72) للنكبة.. وجروح لم تندمل»، وختمتها بالقول: «إنه بعد مرور (72) سنة على النكبة، لم تهدأ، ولن تهدأ رغم كامب ديفيد وأخواتها! وفي المقابل فإنّ المقاومة لهذا المشروع الصهيوني مستمرة، وحققت الانتصارات تباعاً، وسيظل الصراع العربي الصهيوني مستمراً، إلى أن ينتهي الاحتلال، وتعود فلسطين الحبيبة وشعبها المشرد المظلوم، وعاصمة الدولة الفلسطينية هي القدس، لتتحرّر الأرض المغتصبة من الاحتلال الاستعماري الصهيوني». ونشر هذا المقال في جريدة «الأهرام» بالقاهرة في 21 مايو/ أيار 2020. ولا شك في أنّ المقال تضمّن قراءة حاضرة وقراءة للمستقبل، إلا أنه كان يحوي رسالة تتضمّن الإصرار على تحرير فلسطين وبيت المقدس. وعندما أتت ذكرى النكبة هذا العام، لم أسارع إلى كتابة المقال السنوي حول ذكرى النكبة، المعتاد، لاندلاع انتفاضة القدس وانطلاق المقاومة في غزة، وتوقعت في مقالاتي الأخيرة هنا في جريدة «البناء»، أنها ستغيّر موازين القوى والردع في الإقليم، ومجرى الصراع العربي ـ الصهيوني. وتريثت أياماً، لكي أعيش ويعيش كلّ الشرفاء والأحرار في العالم أيام الانتصار للمقاومة الفلسطينية في أيام ذكرى النكبة ذاتها. وهنا تساءلت ألا يستحق ذلك منا كمفكرين من الآن فصاعداً، أن نقفز على ذكرى النكبة، بالحديث عن شهر «الانتصار». والشيء الغريب، هو أن الانتصار الفلسطيني على الكيان الصهيوني العنصري الذي يمارس أبشع أنواع التمييز العنصري (الأبارتهايد)، ضد الشعب الفلسطيني، يصبح الجدير بالحديث والتحليل، بعد أن لاحت في الأفق بداية الانهيار الشامل لهذا الكيان العنصري الصهيوني، وبداية التحرير الشامل لأرض فلسطين التاريخية من البحر إلى النهر، وإعادة الدولة الفلسطينية وعاصمتها «القدس». فما كان متوقعاً أنه بعيد، أصبح قريباً وفي مرمى النصر، والشكر لله.
وفي تحليل موضوعي، فإننا نرى أن انتصار المقاومة الفلسطينية فجر يوم الجمعة (21) مايو 2021، يستحق أن نحتفي به كل عام، على أساس أنه إعلان عن انهيار الكيان الصهيوني وتفكيك مشروعه الاستعماري الاستيطاني بعد أن أصابه الرعب في كل أنحاء وجود مستوطنيه، وفي الوقت نفسه إعلان عن انتصار المقاومة الفلسطينية بكل فصائلها وانتهاء الانقسام الفلسطيني، وبداية استعادة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس.
وفي هذا السياق، نطرح ما حدث في (11) يوماً مقاومة (10-21/ مايو/ أيار)، من نتائج، جعلتنا نستخلص ضرورة الاحتفاء بعيد النصر، ونتناسى ذكرى النكبة إن شاء الله، ويمكن بلورتها في ما يلي:
أولاً: نتائج في جانب العدو الصهيوني: تتركز في التالي:
1 ـ القضاء على أسطورة شبكة «القبضة الحديدية»، التي كان يتباهى بها العدو الصهيوني، بأنها الحامية للصهاينة (مواطنيهم). حيث ثبت فشلها في مواجهة صواريخ المقاومة التي وصلت في معظمها إلى أهدافها ودمرتها. وبالتالي تراجعت مكانة هذه الشبكة الدفاعية التي كان يتباهى بها الكيان الصهيوني، ويقوم بتسويقها وبيعها للدول خاصة في دول أفريقيا وفي مقدمتها إثيوبيا، لحماية «سد النهضة»!! وبانتصار صواريخ المقاومة بقدرتها على اختراق هذه الشبكة والوصول إلى أهدافها، تكون الرسالة قد وصلت إلى مصر، إذا ما فكرت في ضرب سد النهضة (الخراب)!! والمؤكد ستتحقق خسائر ضخمة بإلغاء تعاقدات الشراء بعد ثبوت فشلها في التصدي لصواريخ المقاومة محدودة المدى، فما بالكم بصواريخ أكثر تقدماً!
2 ـ إشاعة حالة ذعر شديدة داخل كلّ مدن الكيان الصهيوني (فلسطين المحتلة)، فلأول مرة تضرب كل مدن الكيان في وقت واحد، وفي المقدمة تل أبيب العاصمة وحيفا ويافا وعسقلان واللد، وغيرها. فما كان تعلنه المقاومة من الضرب في المكان والزمان المحدّد، كان يحدث بالفعل، الأمر الذي ساهم في نشر الذعر الجماعي، وفشل الإعلام والحكومة في تهدئة الناس، بل كانوا يطالبونهم باللجوء العاجل إلى الخنادق المعدة لتلك المواقف. وقد وصل الأمر إلى إعلان أشخاص ذات وزن في أنحاء إسرائيل، إلى التفكير في الهجرة، ودعوة الصهاينة إلى الخروج الجماعيّ!
3 ـ انتهاج سياسة التعتيم الإعلامي حول ما يحدث في الداخل الصهيوني جراء صواريخ المقاومة التي تجاوز عددها في (11) يوماً، الـ (4) آلاف صاروخ!! والأرقام الحقيقية تشير إلى تجاوز الـ (100) قتيل صهيوني، والـ (5) آلاف مصاب، بينما الأرقام المعلنة رسمياً في حدود (15) قتيلاً، و (500) مصاب!
4 ـ فقدان مستوطني الكيان الصهيوني الثقة في الحكومة وفي إعلامها، وفي الشعور بالأمن والأمان، وتساءل كثيرون: كيف العيش والاستمرار في كيان أصبح كل مربع سكني فيه، مهدّداً بالضرب بالصواريخ من غزة وغيرها، حتى أن مواطني فلسطين (عرب 1948، والمقدسيين)، بل وفلسطين الضفة الغربية، تظاهروا في انتفاضة غضب شاملة في جميع أنحاء الكيان، وأرض فلسطين، بل خصصوا يوماً للإضراب العام والشامل، وتم تنفيذه فعلاً. ومثل هذا الأمر ستكون له تداعيات خطيرة على زيادة أعداد الهجرات العكسية المرتدة من الكيان الصهيوني إلى الخارج مرة أخرى.
5 ـ أحدثت المقاومة، آثاراً اقتصاديًة، أجملها أحد الصهاينة، في أن كل ثلاثة أيام، تخسر «إسرائيل» ما يقرب من مليار دولار، وهو ما له تأثير كبير وسلبي على الاقتصاد الصهيوني القائم على المعونات والتبرعات والقروض أصلاً.
6 ـ انكشاف خط نقل بترول (إيلات – عسقلان) بعد أن ضربته صواريخ المقاومة، ليتوقف عن العمل، ويتأكد أنه كان في الخدمة لنقل بترول دول الخليج وفي المقدمة دولة الإمارات، الأمر الذي كان يؤثر على دخل قناة السويس، وجعلها تخفض رسوم النقل بناقلات النفط حوالي 70%، وقد أكد الفريق أسامة ربيع ذلك في حديث رسمي قبل ضرب الخط في عسقلان. وقد سبّب الضرب في خسائر ضخمة بالملايين، علاوة على كشفه، بعد أن كان التعتيم في تشغيله هو سيد الموقف من قبل!
7 ـ تأكيد فشل أجهزة الاستخبارات الصهيونية، على كشف ذلك التقدم في صناعة الصواريخ لدى أطراف المقاومة الفلسطينية (كتائب الأقصى – القسام – الجهاد، وغيرها)، والقدرة على إطلاقها وإصابة أهدافها، من دون قدرة موازية من الكيان الصهيوني في مجابهتها أو إعاقتها، أو كشف مواقع الإطلاق، رغم مرور (11) يوماً مقاومة!
8 ـ فشل النتن – ياهو، في التسويق لنفسه للاستمرار في تشكيل الحكومة، وإعادة تقديم نفسه مرة أخرى، بعد فشله الذريع في مواجهة المقاومة الفلسطينية وصل به إلى إعلان وقف إطلاق النار من جانب واحد!!، وبالتالي أصبح سقوطه وسجنه، حتمياً.
وفي المقال المقبل، النتائج على الجانب الفلسطيني المقاوم والقضية الفلسطينية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية، والأمين العام المساعد للتجمع العربي الإسلامي لدعم خيار المقاومة، ورئيس الجمعية العربية للعلوم السياسية.