أزمة مالية غير مسبوقة تهدد عمل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان
كتبت الصحافية “دنيز رحمة فخري” في موقع “اندبنديت عريبة” مقالا تحت عنوان “أزمة مالية غير مسبوقة تهدد عمل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان” جاء فيه:
كالصاعقة نزل خبر الأزمة المالية التي تواجه المحكمة الدولية الخاصة بلبنان مع ما قد يؤثر على استمرار عملها. وكشفت المحكمة الخاصة بلبنان الثلاثاء، أنها تواجه أزمة مالية غير مسبوقة، وأعلنت في بيان صدر من مقرها في لاهاي، أنه من دون تمويل فوري، لن تتمكن المحكمة من مواصلة عملها بعد يوليو (تموز) 2021، الأمر الذي سيؤثّر في قدرتها على إنجاز ولايتها الحالية، وإنهاء الإجراءات القضائية في القضيتين القائمتين حالياً أمامها، وهما قضية رئيس الحكومة رفيق الحريري وآخرين في 14 فبراير (شباط) 2005، وهي حالياً في مرحلة الاستئناف بعد صدور الحكم في سبتمبر (أيلول) الفائت، إضافة إلى قضايا الاعتداءات المترابطة بالقضية الأم، وهي محاولة اغتيال النائب السابق مروان حمادة والوزير السابق الياس المر واغتيال السياسي جورج حاوي.
وفي تطور جديد، أصدرت غرفة الدرجة الثانية في المحكمة قراراً بتعليق العمل في جلسات المحاكمة في قضية الاعتداءات الثلاثة، التي كانت مقررة في 16 يونيو (حزيران) الحالي، وذلك بعد يومين على بيان المحكمة الذي حذرت فيه من إمكان وقف عملها في يوليو المقبل. هذا وعُلم أن رئيس قلم المحكمة دايفيد تولبرت كان أودع أمام قضاة المحكمة مستندات وقدّم إشعاراً يتعلق بالوضع المالي للمحكمة، كي تتمكن رئيسة المحكمة وقاضي الإجراءات التمهيدية وغرفة الاستئناف وغرفة الدرجة الأولى من اتخاذ أية خطوات يرونها ضرورية، في ما يتعلق بإدارة المسائل المطروحة أمامهم. وقد عمد رئيس القلم إلى فصل الموظفين في أجهزة المحكمة الأربعة وفقاً للنظامين الأساسي والإداري للموظفين، وإطلاق أنشطة الخفض التدريجي المتعلقة بحماية الشهود، وحفظ سجلات المحكمة والأدلة والمواد الحساسة الموجودة في عهدتها. كما أبلغ الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش رسمياً بالوضع المالي الذي سيترتّب عليه عجز المحكمة عن إكمال عملها إذا لم تصلها أي مساهمات قبل نهاية شهر يوليو.
كيف كان يتم تمويل المحكمة؟
تعتمد المحكمة الدولية الخاصة بلبنان منذ تأسيسها بدرجة كبيرة على المساهمات الطوعية من الدول المانحة، لتمويل نسبة 51 في المئة من موازنتها، في حين أن لبنان مسؤول عن تمويل نسبة 49 في المئة منها. ومنذ نشأتها عام 2009 حتى اليوم، بلغ حجم المبالغ المالية التي صرفت عليها أكثر من مليار دولار أميركي، ولكن نتيجة الأوضاع الاقتصادية العالمية الناتجة من جائحة كورونا وظروف لبنان الصعبة والمقلقة، خفضت المحكمة موازنتها لعام 2021 بنسبة عالية، بلغت 37 في المئة تقريباً مقارنة بالسنوات السابقة. وتكشف المحكمة الدولية أنه في مارس (آذار) 2021 قدمت الأمم المتحدة للمحكمة إعانة قدرها 15.5 مليون دولار أميركي، تغطي 75 في المئة من مساهمة لبنان في موازنتها، بهدف دعم استمرار العمل القضائي للمحكمة. لكن وعلى الرغم من هذه المساهمة، إلا أن المحكمة الدولية بقيت بحاجة إلى مساهمات أخرى، إذ لا تزال تفتقر إلى الأموال اللازمة لأداء مهماتها القضائية.
رمضان: الوضع خطير ومقلق
وتؤكد المتحدثة باسم المحكمة وجد رمضان، “أن المحكمة الخاصة بلبنان منذ إنشائها تواجه تحديات كبرى لتأمين الموازنة اللازمة لعملها، وكل عام كانت تبذل جهوداً لجمع الأموال، كونها محكمة لا يتم تمويلها من الأمم المتحدة بل من مساهمات طوعية من دول مانحة، لكن منذ أكثر من عام، وخصوصاً بعد وباء كورونا والتحديات الكبرى الاقتصادية التي واجهتها الدول الكبرى، إضافة إلى وضع لبنان المقلق، وجدت المحكمة الدولية نفسها أمام عراقيل ضخمة لتأمين الأموال اللازمة، وبالتالي اتخذت قرارات واقعية، فخفّضت موازنتها بنسبة تخطت الـ37 في المئة. وعلى الرغم من تلقي المحكمة قرضاً من الأمم المتحدة بقيمة 15 مليون دولار أميركي من شأنه تغطية الجزء الأكبر من مساهمة لبنان، وعلى الرغم من المحاولات التي بذلتها المحكمة لجمع الأموال من الدول المانحة، إلا أنها باتت في وضع مالي لا يسمح لها باستكمال عملها حتى بداية مارس (آذار) 3023، بعد التجديد لها في فبراير الفائت، والتمويل وحده هو الذي يسمح لها باستكمال عملها القضائي”. وأكدت رمضان أن المحكمة أرادت من خلال بيانها مناشدة المجتمع الدولي لتأمين الدعم للمحكمة للسماح لها باستكمال عملها.
هل راجعت المحكمة الدولة اللبنانية؟ ترفض المتحدثة باسم المحكمة وجد رمضان الدخول في تفاصيل المحادثات التي أجرتها المحكمة مع لبنان وباقي الدول، وتؤكد أن الجهود مستمرة في هذا السياق، كاشفة أن الأموال التي حصلت عليها حتى الآن لن تكفي لاستمرارها بعد يوليو الحالي. وتصف رمضان الوضع بالخطير جداً والمقلق، واصفة الأزمة التي تعانيها المحكمة بـ “غير المسبوقة”.
أي تأثير على القضايا المتبقية؟
وتؤكد المتحدثة أن الأثر المباشر لإقفال المحكمة الخاصة بلبنان سيكون على الإجراءات القضائية التي لا تزال تعمل عليها حالياً، وأولى نتائج الوضع المالي المتأزم كان في قرار تعليق جلسات المحاكمة في الاعتداءات الثلاثة، حمادة والمر وحاوي. هذا وعبرت المحكمة عن أسفها الشديد إزاء تأثير هذا الوضع على المتضررين من الاعتداءات المندرجة ضمن ولايتها، الذين وضعوا آمالهم وثقتهم بالعدالة الجنائية الدولية، لا سيما أن إجراءات المحكمة تثبت وقائع مهمة للبنان والمجتمع الدولي وضحايا الإرهاب، وتؤدي إلى الاعتراف بالضرر الذي عاناه المتضررون والمجتمع اللبناني، وتبعث رسالة عالمية قوية مفادها أن الإرهاب لن يمر من دون عقاب. وفيما تستعد عائلات ضحايا الاعتداءات الإرهابية، في قضايا اغتيال جورج حاوي وفي محاولة اغتيال الوزير مروان حمادة وفي محاولة اغتيال نائب رئيس الحكومة السابق الياس المر، لعقد مؤتمر صحافي الجمعة، تتوجه من خلاله إلى المنظمات والجمعيات المعنية بحقوق الإنسان كافة، وبقضايا العدالة والضحايا والمتضررين من الاعتداءات الإرهابية والجرائم السياسية، للحديث عن أخطار توقف عمل المحكمة. ويؤكد النائب السابق مروان حمادة أنه كان يستعد للمشاركة في أولى جلسات قضيته في لاهاي 16 يونيو المقبل، رافضاً التعليق على خبر إقفال المحكمة وتأثيره على قضيته، معتبراً أن جهوداً لا تزال تبذل لتأمين الأموال اللازمة، وفق ما أعلنت المحكمة في بيانها. وتابع، “إذا بقيت الأزمة المالية وتوقف عمل المحكمة، فسيكون لنا التعليق المناسب في الوقت المناسب”.
هل من حل متوافر لمنع الإقفال؟
وتكشف مصادر مطلعة أن وزيرة العدل ماري كلود نجم أعدت قراراً هو الآن في الأمانة العامة لمجلس الوزراء، لدرسه واتخاذ القرار المناسب في شأنه. قرار نجم تضمن مراسلة الأمين العام للأمم المتحدة لإبلاغه بأن لبنان، ونتيجة الظروف المالية والاقتصادية الصعبة، لم يعد بإمكانه تأمين الأموال اللازمة للمحكمة الخاصة في لاهاي، وهي إذ تشدد في رسالتها على تمسك لبنان باستمرار عمل المحكمة، تناشد الأمين العام بتأمين الأموال الضرورية لاستمرار عملها، ولكن ليس من لبنان. وبانتظار أن يتخذ مجلس الوزراء المستقيل القرار المناسب، فمن المعلوم أن لبنان لم يعد يستطيع أن يوفي بالتزاماته في تمويل المحكمة والبالغة 49 في المئة، لا سيما أن الدولار الأميركي بات نادراً، وهو بالكاد يكفي لدعم الحاجات الأساسية للمواطنين اللبنانيين. في المقابل، تراجع الاهتمام الدولي بقضايا لبنان، وباتت أولوية المجتمع الدولي تأمين المساعدات للمواطنين اللبنانيين، والمحددة بالغذاء والدواء. لكن الحل متوافر على حد تعبير وزير العدل السابق إبراهيم نجار، الذي اعتبر أن اتفاق إنشاء المحكمة الخاصة بلبنان يعطي الحق للأمين العام للأمم المتحدة بمطالبة الدول الأعضاء في المجلس بالمساعدة بالتمويل، وهو أمر سبق وحصل مراراً. ويستبعد نجار أن تتوقف المحكمة في لاهاي عن العمل، ويعتبر أنه في حال حصل ذلك بشكل نهائي، فذلك يعني سقوط الاتفاق الذي وقعه لبنان مع الأمم المتحدة في شأن إنشاء المحكمة وكيفية عملها، إلا إذا وجد لبنان بحسب القانون الدولي، أن هناك خطراً لعدم إحقاق الحق لسبب ثابت، عندها يمكن للقضاء اللبناني أن يضع يده على هذه القضية والقضايا المتصلة بها. ويضيف نجار أنه في هذه الحال تكون الصلاحية المعطاة للبنان مسندة إلى نصوص قانونية موجودة في قانون أصول المحاكمات المدنية في لبنان، وهذا القانون ينطبق على كل أصول المحاكمات بما فيها تلك الجزائية، كونه قانون عام.
إنجازات تحققت وأخرى قيد الإعداد
وفي تقريرها السنوي الـ 12 الذي رفعته المحكمة الخاصة بلبنان إلى الأمين العام للأمم المتحدة والحكومة اللبنانية، سلطت المحكمة الدولية الضوء على أنشطتها خلال الفترة الممتدة بين الأول من مارس 2020 وحتى 28 فبراير 2021، وعددت أيضاً أهدافها لعام 2022.
أما أهم الإنجازات التي شهدها عام المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، فكان صدور حكم غرفة الدرجة الأولى في قضية عياش وآخرين في 18 أغسطس (آب)، ثم حكم تحديد العقوبة في الـ 11 من ديسمبر (كانون الأول) 2020. وكانت رئيسة المحكمة القاضية إيفانا هردليشكوفا، اعتبرت أن صدور هذين الحكمين “يمثل دليلاً على ما يمكن تحقيقه لمن طالبوا بوضع حد للإفلات من العقاب، وشعاع أمل لمن تضرروا من جرائم الإرهاب بأن الحقيقة لا بد من أن تتجلى”.
إلى ذلك، شهدت المحكمة، بحسب تقريرها السنوي، تطورات رئيسة أخرى، منها التقدم المحرز في قضية عياش، أي قضية محاولة اغتيال حمادة والمر واغتيال حاوي، والتي قطعت شوطاً كبيراً من مرحلة الإجراءات التمهيدية، إذ حُدد تاريخ 16 يونيو 2021 موعداً مبدئياً لبدء المحاكمة.