السنّة ليسوا “حيوانات”… يا “فخامة” الرئيس
زياد عيتاني – أساس ميديا
“السُنّة حيوانات، وهم غرباء لا جذور لهم، وعشّاق مال ومتطرّفون”.
هذا ما قاله العماد ميشال عون رئيس جمهورية لبنان عندما أراد أن يفصح عن رؤيته لطائفة كبرى.
وثائق “ويكيليكس”، التي كشفت هذا التصريح من خلال محضر اجتماع حصل بين السفير الأميركي الأسبق في لبنان جيفري فيلتمان ووزير العدل الأسبق شارل رزق، أظهرت أنّه خلال لقاء جمع الأخير بالعماد عون في شهر آب من عام 2007، تحدّث عون عن المسلمين السُنّة بلغة عنصريّة.
لم يقف الرئيس عند هذا التوصيف، بل أكمل كلامه وقال إنّ “التحالف الشيعي الماروني هو السبيل لمواجهة التهديد السُنّي، والمحادثات بين الولايات المتحدة وإيران ستوفّر الحماية للشيعة والمسيحيّين”، وأن “لا خيار إلّا التعامل مع العلويّين لحماية لبنان من السُنّة”، وأنّ “سوريا يجب أن لا تقع بيد السُنّة لأنّهم سيتحالفون مع سُنّة لبنان ويطردون المسيحيين من المنطقة”.
على خلفيّة كلّ ذلك، يفرض سؤالٌ نفسه: لماذا يكره الرئيس ميشال عون السُنّة؟
.. السؤال ليس استفزازياً، ولا يهدف إلى نكء الجراح الطائفية، بل هو مصارحة وحقٌّ لطائفة كبرى مؤسِّسة لهذا الكيان، كما يقول المسيحيون اللبنانيون، ولهذه الدولة بكامل مؤسّساتها، كما يقول السُنّة اللبنانيون.
السُنّة قسمان: قسمٌ لا يتردّد في القول إنّ الرئيس ميشال عون يكره السُنّة. وقسمٌ آخر لا يذهب إلى تلك النقطة، بل يقف عند السؤال: “لماذا يكره الرئيس ميشال عون السُنّة؟”. وما بين القسمين وقائع، لا يمكن إغفالها، تسمح للطرفين أن يتمسّكا بما يقولانه، بل تعطيهما الحقّ كلّ الحقّ في ذلك.
بداية لا بدّ أن نسأل فخامة الرئيس: هل قرأ على مقاعد الدراسة في مدرسة “حارة حريك” الرسمية قبل أن تُحتلّ حارة حريك وجوارها، أو على مقاعد مدرسة “الفرير” في فرن الشبّاك، أو على مقاعد المدرسة الحربية، تاريخ لبنان القديم والمتوسّط والحديث؟
.. هل طالع كُتب المؤرّخين جورج الراسي، كمال الصليبي، وفيليب حتّي ومنشورات جرجي زيدان؟
.. هل تابع أبحاث مسعود ضاهر وسعيد الغزّ ونقولا زيادة وغيرهم وغيرهم من المؤرّخين؟
.. هل أطلعه أحدٌ على ما كتبه الباحث الألماني أكسيل هاذامان حول خصوصيّة الهويّة المحليّة، وربط تاريخ لبنان بمجاله القوميّ والإسلامي الأوسع.
بعيداً ممّا قرأ الرئيس أو لم يقرأ، هل يعلم فخامته أنّ دولة لبنان الكبير ما كانت لتقوم لولا دعم وتغطية وموافقة مفتي بيروت السُنّي الشيخ مصطفى نجا، وجلوسه جنباً إلى جنب مع البطريرك الماروني إلياس الحويّك عام 1920؟
.. هل يعلم أنّ استقلال لبنان عام 1943 ما كان ليتحقّق لولا الشراكة الوطنية بين الرئيسيْن المارونيّ بشارة الخوري والسنّي رياض الصلح الذي كان ضمانة للمسيحيّين عند العرب، وللعرب عند المسيحيّين؟
.. هل يعلم أنّ العَلَمَ اللبناني بشكله الحالي، حيث الأرزة الخضراء تركن على بياض، وفوقها وتحتها خطّان أحمران، قد رُسِم في بيروت بمنطقة المصيطبة في منزل زعيم السنّة صائب سلام عام 1943، وهو منزل تحيط به أربعة شوارع، كلّ شارع يحمل اسماً من أسماء الخلفاء الراشدين، ووقّع على العلم زعماء كلّ الطوائف في ذلك المنزل الكبير؟
.. هل يعلم فخامة العماد أنّ الحرب الأهلية وحمّام الدم، الذي أُريق في المغامرات المتعدّدة لأجل شهوة السلطة والكرسي، من التحرير إلى الإلغاء، ما كانت لتتوقّف لولا وقوف دولة سُنّيّة مرجعيّة كبرى، هي المملكة العربية السعودية، إلى جانب لبنان في مدينة الطائف، حيث كان الاتفاق، وكانت نهاية الحرب.
.. هل يعلم العماد عون أنّه ما كان ليكون شيء في لبنان لولا دماء سُنّيّة زكيّة روت طريق صعوده، ثمّ طريق عودته، من المفتي الشهيد حسن خالد إلى رفيق الحريري، فوليد عيدو ووسام الحسن، ثمّ محمّد شطح… وهم خيرة الرجال وزينة هذا الوطن الجميل.
.. هل يعلم الرئيس ميشال عون أنّ إعادة إعمار لبنان لم تكن لتتحقّق لولا وجود قائد وطني سُنّيّ اسمه رفيق الحريري كان شعاره دوماً وأبداً “ما حدا أكبر من بلده”، وكان يرفع صوته به ليُسمِع الكبير والصغير؟
.. هل كلّ هؤلاء، يا فخامة الرئيس، هم من فصيلة الحيوانات، كما ذكرت، وكما وصفتهم، متطاولاً؟ أم هم بنّاؤون لهذا الوطن، صانعون لمجده ومستقبله، حماة للعيش المشترك ولبنان الرسالة، الذي تحدّث عنه البابا يوحنا بولس الثاني القدّيس؟
ما بال العماد يتخصّص في أذيّة السُنّة والتطاول عليهم؟ بدءاً مِن وصفهم بـ”الحيوانات” وإلصاق تهمة الإرهاب بهم، مروراً بوصف رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري بـ”الكذّاب”، وانتهاءً بتصويره أنّ الأزمة هي أزمة صلاحيّة سلبها السنّة من الرئيس المسيحيّ. فيما الحقيقة تقول إنّ مغامراته وممارساته الشاذّة، عندما كان رئيساً للحكومة العسكرية، جعلت نوّاب الأمّة في الطائف يضعون الصلاحيّات وفقاً لكابوس سلوكيّاته خلال حرب دفعت نصف المسيحيين إلى الهجرة، ونصف السُنّة إلى الإحباط، وكلّ اللبنانيين إلى الهيمنة السوريّة الكاملة.
السُنّة، يا فخامة الرئيس، هم بناة الدولة وحرّاسها، وهم ضمانة المؤسسات وإنتاجيّتها.
السُنّة هم عصب الاقتصاد وحماة العيش المشترك، وهم ضمانة الهويّة بعروبتها واستقلالها وسيادتها وحريتها. هم، يا فخامة الرئيس، أنظف الناس وأطيبهم. وحدهم دون غيرهم قادرون على استيعاب كلّ الناس. هم أمّة وليسوا بطائفة أو مجموعة تعيش عقدة الأقلّويّة وهواجسها.
هم، يا فخامة الرئيس، سرّ الدولة. والويلُ لدولةٍ لا تحفظ سرّها.
وللحديث تتمّة…