الحريري يعود وحيداً بـ″ثوب″ سياسي قديم ـ جديد
-عبد الكافي الصمد-سفير الشمال
للوهلة الأولى، بدا أن إعلان الرئيس سعد الحريري نفسه مرشحاً لتأليف الحكومة المقبلة، قد ساعد كتلاً ونوّاباً في خروجها من حالة الإرباك التي وجدوا أنفسهم واقعين بها، بعد أن حدّد رئيس الجمهورية ميشال عون يوم الخميس المقبل، 15 تشرين الأول الجاري، موعداً لإجراء الإستشارات النيابية الملزمة لتكليف شخصية تتولى تأليف الحكومة العتيدة.
فعندما حدد عون، يوم الأربعاء الماضي، موعد الإستشارات شعر عدد لا يستهان به من النواب بأنّهم تائهين، ذلك أنّها كانت المرة الأولى التي يُحدد فيها موعد الإستشارات من غير أن يكون لديهم أيّ مرشح لتكليفه تأليف الحكومة، ولا هناك أيضاً مرشّحاً يلقى إجماعاً ليسمّوه، لدرجة لم يستبعد كثير منهم، مسبقاً، أن يتمّ تأجيل الإستشارات إلى أن تتضح ملامح المشهد السّياسي.
إعلان الحريري ترشيحه، خلال المقابلة التلفزيونية التي أجرتها معه محطة “إم. تي. في” يوم الخميس الماضي، أعاد خلط الكثير من الأوراق، ووضع الطبقة السّياسية في لبنان أمام مشهد جديد، كما أسهمت مواقف الحريري، بالمقابلة، في بدء فرز الأحزاب والقوى السياسية من ترشيحه، وهو فرزٌ ينتظر له أن يُستكمل وتتضح ملامحه بشكل نهائي خلال الإستشارات المرتقبة.
مواقف الحريري في تلك المقابلة كانت كثيرة ولافتة، ولا يمكن المرور عليها مرور الكرام، ومن أبرزها:
أولاً: إعتبر الحريري نفسه “مرشحاً طبيعياً” للرئاسة الثالثة، وهو وصف لا يعود إلى أنّه ينطلق في موقفه من كونه يمتلك الكتلة النيابية السّنّية الأكبر، بل لأنّه يرى الآخرين من الشّخصيات السّنّية ليسوا كذلك، ما جعله يبقى إسير شعاره القديم “أنا أو لا أحد”، والذي كان السبب في تعرّضه وتعرّض الطائفة السّنّية والبلد لنكسات ما تزال تتوالد.
ثانياً: قدّم الحريري نفسه مرشحاً لا منافس له لتأليف الحكومة المقبلة، لكنّه في خلال المقابلة لم يترك صاحباً له في السّياسة، بعدما رمى التّهم يميناً ويساراً، سواء الحلفاء أو الخصوم، ما طرح سؤالين: هل أجرى الحريري حساباته وبأنّه قد لا يحصل على عدد كافٍ من الأصوات لتكليفه، أو أنّه قد ينال أصواتاً هزيلة ستشكّل نكسة له؛ والسؤال الثاني هل أنّه سيُقدّم تنازلات لاسترضاء أكثر من طرف لتسميته أو لمساعدته في تأليف الحكومة، بعدما تبين له أن السقوف العالية التي رفعها لن يستطيع تحقيقها، وعندها ماذا سيبقى من طرحه ومبادرته؟
ثالثاً: برّأ الحريري نفسه من كل تهم وأخطاء السنوات السابقة، وتحديداً تلك التي تلت إغتيال والده الرئيس رفيق الحريري في 14 شباط 2005، واعتبر أنّه مسؤول فقط عن 4 سنوات، هي تلك التي أمضاها شخصياً رئيساً للحكومة.
رابعاً: إعترف الحريري أنّه أخطأ في ممارساته السّياسية خلال السّنوات السابقة، سواء التي كان فيها في الحكم أم خارجه، واعتبر ذلك شجاعة منه، وكذلك فعل المقربون منه. لكنّ الحريري وفريقه السّياسي والإعلامي كانوا خلال تلك السّنوات لا يتردّدون في مهاجمة وتخوين كل من ينتقد زعيم تيار المستقبل، وهي كثيرة، ما يعني أنّ من انتقدوه كانوا على حقّ لانه اعترف ولو متأخراً بأخطائه، وعليه كيف يمكن لمن أخطأ أن تُعهد المسؤولية إليه مجدّداً على طبق من ذهب أو إعطائه شيكاً على بياض، ومن يضمن أنّه تعلم من دروس الماضي ولن يُخطىء مجدّداً، وأنه ومناصريه لن يوجهوا التهم الشعواء إلى كلّ من يبدي ملاحظة أو انتقاداً لأداء الحريري في السلطة، في حال عاد إليها؟.
تبدو الأيّام القليلة المتبقية حتى يوم الخميس المقبل طويلة برغم أنّها لا تزيد على أربعة، وهي لا شكّ ستحفل بالكثير من التطوّرات، وخلال المشاورات التي قال الحريري بأنّه سيجريها إبتداءً من اليوم، وهو بدأها عملياً يوم أمس بلقائه رؤساء الحكومات السابقين، سوف يسمع الحريري مواقف لن تسرّه بالتأكيد، وستزيد مهمته صعوبة وتعقيداً، ما سيجعل الأمور مفتوحة على كلّ الإحتمالات.