لبنان اولا… من يقف خلف تمييع القضية الفلسطينية؟!
في إطار الجدال الحاصل على مواقع التواصل الاجتماعي حول القضية الفلسطينية والتضامن مع غزّة، برز مصطلح “القضية اللبنانية” حيث أن مطلقيه اعتبروا أن الاولوية للتضامن مع القضية اللبنانية عوضاً عن الفلسطينية.
فما هي هذه القضية التي دأب البعض على المطالبة بها مؤكدين على وجوب التكاتف اللبناني حولها من مختلف الطوائف والمذاهب والطبقات الاجتماعية؟!
مما لا شك فيه أنه من غير الممكن الحديث عن قضية لبنانية واحدة، الأمر الذي أثرناه قبل يومين، حيث ان مصطلح “القضية” يبدو مجزّءاً الى عدّة مفاهيم، إذ ان بعض المجتمعات الداخلية تعتبر ان القضية اللبنانية مرتبطة حصراً بالعداء للنظام السوري او بمرحلة القتال ضد الوجود الفلسطيني في لبنان والتدخلات السورية العسكرية فيه، وهناك شريحة اخرى من اللبنانيين تعتبر ان قضية لبنان هي محاربة اسرائيل وآخرون من الفئة التي ظهرت بعد حراك “17 تشرين” يتمسكون بـ”قضية” إسقاط ما يسمونه بالمنظومة السياسية الحاكمة. وإن سلّمنا جدلاً بمجمل القضايا المطروحة وغير الموحّدة فإن ذلك ليس من شأنه أن يصرفنا عن أهمية القضية الفلسطينية لأسباب سياسية ومصلحية قبل كونها أسبابا مبدئية وانسانية ووطنية بحتة.
لعلّ المطلّعين على تفاصيل القضية الفلسطينية يدركون جيداً أن الأمة العربية بأكملها هي المستهدفة بالتقسيم والهيمنة من قبل الاحتلال، وأن كل الانظمة في المنطقة العربية مرتبطة بها، فالفساد في لبنان مثلا، بجزء كبير منه متصل بالمؤامرة الكبرى التي تحاك ضده وضد دول الشرق الأوسط بهدف إضعافها ومنعها من التطور ليبقى الكيان المحتل الأقوى للسير بمخططاته في المنطقة، وما وجود الأنظمة الديكتاتورية في المحيط العربي والتي تدخلت أيضاً في لبنان بأسلوب أشبه بالوصاية، أقله في العهود السابقة، سوى خدمة للمشروع الصهيوني وذلك من خلال قمع الشعوب وإظهار اسرائيل “نموذجاً حضارياً” بنظر الغرب.
كثيرة هي الحجج التي تجعل كل القضايا اللبنانية مرتبطة بوجود اسرائيل في المنطقة العربية، اذ ان وجودها، وإن لم تعتد على لبنان بشكل مباشر منذ ارساء معادلة توازن الرعب التي كرّسها “حزب الله” وتثبيت توازن الردع لمنع اسرائيل من شن الهجمات على لبنان، يدفع بالدول الغربية التي ترعاها الى مساعدتها عبر إغراق شعوب المنطقة وتمكين منظومات فاسدة لتحكمهم وتمنعهم عن التقدّم والنمو الاقتصادي. لذلك فإن القضية الحقة والأساس هي القضية الفلسطينية لأن حلّها سيريح لبنان كثيراً.
اليوم، لا مجال للحديث عن هموم أخرى، رغم ثقلها على كاهل اللبناني الذي لم يعد يحتمل مزيدا من الضغوط من حوله، الا ان الواجب الاخلاقي والانساني، قبل كل شيء، يمنعنا من “التبجّح” بقضايانا مهما كانت محقة! ها هي غزة تقصف، وتقدّم مئات الشهداء دفاعاً عن الارض، ومن المفترض أن تكون الشغل الشاغل لكل الشعوب في العالم، فكيف باللبناني الذي يدرك أطماع الاحتلال في بلاده؟ والسؤال الذي يطرح اليوم، من يقف خلف تمييع القضية الفلسطينية في لبنان؟ وما هي غاياته؟ ومن يعمد الى بث روح التخاذل في نفوس البعض لتعويم شعار “لبنان اولا” باتجاه مختلف في محاولة لكرّ السبحة الشعبية للتراخي في قضية وطنية محقة وتهميشها؟
من الواضح ان جميع الأنظمة العربية تسعى الى ضرب الذاكرة الشعبية وتشويه معنوياتها بدافع الضرورة، وتبذل جهداً كبيراً لتزوير التاريخ وتضييق الانتماءات لتقليص المعركة ضد المحتلّ! ولكن هيهات! فإن الشعوب العربية لن تجلس أبدا الى موائد التطبيع، الأمر الذي تظهّر بصورة بالغة الوضوح في الأيام الفائتة، حيث أن التضامن العربي الكبير مع حق الفلسطينيين بالأرض شكّل هزيمة معنوية للعدو ومن يقف خلفه داعماً!
ستبقى فلسطين قضية العرب الاساسية، وكاذب من يقول أنها قضية الفلسطينيين وحدهم! وستبقى هي البوصلة حتى آخر الزمان!
المصدر: لبنان 24