كيف ساوت بيانات خليجية بين الضحية والجلاد في فلسطين وكيف حضرت مصر مساندة لغزة بعيدا عن “أخونتها”؟.. غياب لافت لـ “مشايخ الجهاد” ضد سوريا.

مشهدٌ مُثيرٌ للانتباه، أن يتحوّل مشهد التضامن العربي مع غزّة ضدّ العدوان الإسرائيلي، وقد نصب العرب هذه المرّة أعينهم ودعواتهم على تحرير فلسطين من النهر إلى البحر، وليس فقط أن يصمد أهل غزّة أمام العدوان، فالمُقاومة الفلسطينيّة غيّرت المشهد، ولبّت نداء المُرابطين المُدافعين عن الأقصى، وكانت السبّاقة على مُستوى حركات المُقاومة في المنطقة، في أخذ القرار وإطلاق صواريخها التي باتت أكثر من مُجرّد فراقيع بائسة على حدّ وصف الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس.

مشاهد ولقطات عديدة رُصدت خلال هذه الحرب، التي باتت تبدو وكأنّها ضدّ طرفين، وليس من طرفٍ مُعادي، فصاحب الأرض الفِلسطيني باتت له الكلمة الفصل، وقصف تل أبيب ما عاد حُلُمَاً، وسُقوط القتلى من الجُنود والمُستوطنين، بات حقيقةً ماثلةً للأعيان، رغم المُشكّكين بفعاليّة المُقاومة “العنيفة”، والتّالي عدد من تلك اللقطات:

● سجّلت الشعوب العربيّة تعاطفها اللّافت مع فلسطين بالتظاهرات، وكان الشعب الأردني أوّل من حشد ووصل للحُدود، إلى جانب اللبناني، والذي نتج عنه سُقوط شاب لبناني شهيدًا، كان تعدّى الحدّ الفاصل، أمّا بغداد فانتفضت في مظاهرة اليوم للتنديد بالقصف الإسرائيلي على غزّة، أمّا الشعوب الخليجيّة فحضرت على المنصّات تضامناً، وشهدت الكويت وحيدةً في الخليج تظاهرة حاشدة تضامناً مع فلسطين وأهلها، وسارع مُؤثّروها لشرح بعض ما يجري ترويجه من تضليل إعلامي خليجي ضدّ الفلسطينيين.

● على صعيد الحُكومات العربيّة، اكتفت مُعظمها بالبيانات على استحياء، وكان البيان الإماراتي الأكثر حيادًا، فقد ساوى وفق مُعلّقين بين الطّرفين الفلسطيني، والإسرائيلي، فأدان جميع أشكال العُنف والكراهية التي تتنافى مع القيم والمبادئ الإنسانيّة، وإنهاء الاعتداءات والمُمارسات التي تُؤدّي إلى استمرار حالة التوتّر والاحتقان، دون الإشارة إلى ما يحصل في حي الشيخ جراح من تهجير على يد المُستوطنين الإسرائيليين، والذي كان المُفجّر للأحداث الحاليّة، واكتفى بالمُطالبة بوقف أيّ مُمارسات تنتهك الأقصى، فيما لا تزال الدّعوات الشعبيّة العربيّة تُطالب بضرورة استدعاء السفير الإسرائيلي وتوبيخه، وطرده من العواصم العربيّة المُطبّعة.

● كان لإيران التي حرصت الكتائب الفلسطينيّة على شُكرِها خلال المعركة الحاليّة، لدعمها المُقاومة بالسّلاح، نصيب الأسد بالإشادة بموقفها على المنصّات، وسجّل وزير خارجيّة طهران جواد ظريف، موقفاً معنويّاً مُشرّفاً خلال العُدوان على غزّة، حين ألغى زيارته للنمسا، بعد رفع العلم الإسرائيلي على مبانٍ حُكوميّة هُناك، وكانت النمسا قد تبنّت موقفاً مُؤيّدًا لإسرائيل ضدّ حماس، وانتقدت إطلاقها الصواريخ على ما قالت إنها أهداف مدنيّة، وهو ما تفعله إسرائيل مُنذ سنوات ضدّ الفلسطينيين، وقطاع غزّة تحديدًا.

● اعتدت الشرطة الفرنسيّة على مُظاهرة مُؤيّدة للفلسطينيين في باريس، ولاحقت النشطاء الذين دعوا إلى مُظاهرة مُندّدة بالعُدوان الإسرائيلي على غزّة، وبرّرت باريس فعلتها تلك خوفاً لما قالت بأن تتحوّل تلك المُظاهرة إلى مُظاهرة مُعادية للساميّة، تُرفَع فيها شِعارات الموت لليهود، وسجّلت ألمانيا وفرنسا والدنمارك موقفاً مُوالياً لحقّ إسرائيل في الدّفاع عن نفسها، فيما لم تذكر حقّ الفلسطيني في ذلك.

● على عكس المُتوقّع في كل عُدوان إسرائيلي على غزّة، ابتعد الإعلام المصري، كما نجوم الدراما عن “أدلجة” الصّراع الفلسطيني بأخونة “حماس”، وكان الموقف الرسمي مُتقاطعاً مع الموقف الشعبي، فالقاهرة أمرت بفتح معبر رفح مع القطاع للفلسطينيين، وأرسلت عبره سيّارات إسعاف لنقل المُصابين والجرحى، على الرّغم أنّ العادة تكون إغلاقه مع فترة عطلة عيد الفطر، كما أظهر الشعب المصري مُشاركة لافتة مع حملة تبرّعات حُكوميّة أطلقتها الحكومة لغزّة، وساند الأطبّاء في سيناء عمليّات مُداوة الجرحى القادمين من القطاع.

● التّضامن المصري غير المسبوق مع فلسطين، أبرز مشهد سيّدة فلسطينيّة من أهالي حي الشيخ جراح، قالت فيه إنه سيصل المصريّون إلى فلسطين، وهؤلاء على حد وصفها لو “عطسوا بخلصوا عليكم”، وهي كانت هُنا تُخاطب المُستوطنين بحُرقَة.

● نقلت وسائل إعلام عربيّة بعدساتها خلوّ شوارع العاصمة تل أبيب تماماً من السكّان، مع توالي سُقوط الصواريخ الفلسطينيّة على المُدن الفلسطينيّة المُحتلّة، فيما توالت الأنباء عن نيّة الإمارات وقف رحلاتها إلى تل أبيب، مع تساؤلات نشطاء عن فعاليّة “اتفافيًات إبراهام”، التي كان من المُفترض أنها تنص على حماية الفلسطينيين مُقابل التطبيع الإماراتي، فيما أُختُصِر الموقف الإماراتي بالقلق، وهو أوّل عُدوان يحصل، وتكون الإمارات مُطبّعة.

● وفيما كان ينتظر العالم العربي، أن تطرد الحُكومات العربيّة المٌطبّعة السفير الإسرائيلي، كانت إيرلندا تُطالب بحماية أطفال غزّة، وتُدين أنقرة الاعتداءت الإسرائيليّة، ويتحدّث الرئيس التركي رجب طيّب أردوغان عن رغبته بإرسال قوّات دوليّة لحِماية الفلسطينيين، وتعليم إسرائيل الدّرس حسب زعمه وهو صاحب درع “افضل صديق لإسرائيل”.

● سجّل العالم ولأوّل مرّة، تعاطفاً كبيرًا مع الشعب الفلسطيني، خُصوصاً أهالي الشيخ جراح، والذين كانت دولة الكيان تُريد إخراجهم من منازلهم، وهذا يعود الفضل به إلى نشاط المُؤثّرين العرب أو بعضهم، الذين أخذوا على عاتقهم البث عبر حساباتهم، بالرّغم من مخاطر خسارة حساباتهم، وحجبها من قبل منصّات عالميّة، كالفيسبوك، ويوتيوب، وإنستغرام.

● مشهد مُتقابل، وفيه من المُفارقة الكثير، حين سجّلت مُمثّلتين إسرائيليّتين مواقف مُضادّة، فواحدة وهي الأمريكيّة- الإسرائيليّة نتالي بورتمان سجّلت موقف مُؤيّد لأهالي الشيخ جراح، والأخرى غال غادوت التي عبّرت عن خوفها على دولة الاحتلال، وهي مواقف فتحت أعين الغرب للبحث عن حقيقة ما يحصل على الأراضي الفلسطينيّة المُحتلّة، وموقف غادوت عرّضها لانتقادات واسعة من نجوم ونقّاد، واعتبروا أنها أغفلت حقيقة ما يتعرّض له أهالي الشيخ جراح، وتهجيرهم من منازلهم الذي يُخالف القانون الدولي.

● “حماس” والتي تخوض كتائبها حرب الدفاع عن فلسطين، وبالرّغم من بعض الدّعوات الخليجيّة للقضاء عليها، حصدت التّعاطف العربي والإسلامي، رغم ردّها العنيف بالصواريخ، ولعلّ نظريّة العُنف والإرهاب التي كان يخشاها الفلسطينيّون، تُلخّصها الصّورة التي وثّقها مُصوّر الوكالة الفرنسيّة، والتي تُظهِر صورايخ المُقاومة من جهة، والقبة الحديديّة وهي تُحاول التقاطها، وفشلها، وإقرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بأنه لا يُمكن لها أن تعمل بنسبة 100 بالمئة، بل أقرّ خُبراء أنها عملت فقط بفعاليّة 30 بالمئة، وحملات التعاطف العالميّة توالت أساساً بعد الدّفاع الفلسطيني بالصّواريخ.

● رصد نشطاء تغيّر طفيف بلهجة الإدارة الأمريكيّة للرئيس جو بايدن، والتي قالت بعد القصف الفلسطيني لتل أبيب، وعسقلان، وسديروت، وسُقوط القتلى الإسرائيليين، أنها لا تزال تنظر للضفّة بأنها مُحتلّة، وأن القدس كعاصمة لا تزال تحت الدراسة، وهو ما اعتبره نشطاء تطبيقاً لمبدأ ما أخذ بالقوّة، لا يُستَردّ إلا بالقوّة، عبارة الرئيس المِصري الراحل جمال عبد الناصر الأثيرة.

● إمدادت شركة الكهرباء في غزّة مُرشّحة للتوقّف ودعوات للضّغط على إسرائيل لتشغيلها، فيما النظام الصحّي فيها مُتهالك مع جائحة كورونا، وبات يُعاني بعد القصف الإسرائيلي.

● القنوات الخليجيّة وصفت شُهداء القطاع بالقتلى، وأصرّت “الجزيرة” القطريّة على استضافة الإسرائيليين، وفتح المجال أمامهم لنقل وجهة نظرهم ومنهم الناطق باسم جيش الاحتلال، وهي سياسة تحريريّة ينتقدها النّشطاء العرب على الدّوام.

● وغاب مشائخ العربيّة السعوديّة “المشاهير” تماماً عن المشهد الفلسطيني الأخير، ووجّهت انتقادات حادّة لشيوخ يمتلكون ملايين المُتابعين، ولم ينشروا حتى منشورًا واحدًا عن القضيّة، أمثال عائض القرني، الكلباني، العريفي صاحب دعوة الجهاد في سوريا، وغيرهم، كما طالت الانتقادات أحمد الشقيري، الذي أصدر مُتاخِّرًا مقطع فيديو، شرح فيه بصوته باللغة الإنجليزيّة ما يحدث في الشيخ جراح، وعنونه بعُنوان رسالة إلى العالم.

● وفيما خشيت العديد من الفنانات العربيّات التعبير عن موقفهن الصّريح وإدانة ما يحصل خوفاً على المُتابعين، وتراجع الحسابات الخاصّة بهن، حضرت المُمثّلة الإباحيّة اللبنانيّة ميا خليفة المُعتزلة، التي خصّصت حساباتها للبث المُباشر، وشرحت حقيقة ما يتعرّض لها الفلسطينيّون من اضطّهاد، وهي التي يُتابعها الملايين، حيث حظي موقفها بالإشادة، فيما صوت إعلام التطبيع المُقيم بالإمارات، ومُؤثّروه، أمثال وسيم يوسف، وفهد سال، يُحاولون التّشكيك وحرف البوصلة لصالح العدوّ الإسرائيلي.

● قصفت إسرائيل برجاً في غزّة، يضم عددًا من المكاتب الإعلاميّة منها قناة “الجزيرة”، في مُحاولة بائسة منها طمس الحقيقة، رغم أنّ قوانين الحرب، تستثني الإعلام من الضّربات الصاروخيّة، كما أنّ الإعلام الجديد (التواصل الاجتماعي) كان لها دورها الأكبر في تبديل الصّورة والمشهد لصالح الفلسطينيين، وتحديدًا منصّة تطبيق “تيك توك” الصينيّة، وإن كان لم يخل الأمر من بعض الحجب، والمُضايقات، هُنا، وهُناك، لصالح الكيان الصهيوني.