غادر الرئيس سعد الحريري إلى الإمارات لساعات. تلك إشارة سلبية، وإن حاول المستشار الإعلامي للرئيس المكلف، الزميل حسين الوجه، تغليفها بإطار من الإيجابية: «لا يتحجّجنّ أحد بسفر الرئيس الحريري، هو غادر لساعات وهاتفه معه، فإذا وافقوا على المبادرة يمكنهم الاتصال به ليعود». ماذا يعني ذلك؟ هل وافق الحريري على مبادرة الرئيس نبيه بري أصلاً؟ على الأقل، تلك كانت إشارة أولى إلى أنه قد يسير بحكومة الـ 24 وزيراً.

(هيثم الموسوي)

لكن، على المقلب الآخر، خلق كلام بري أمس أمام وزير الصحة العراقي والوفد المرافق، معطوفاً على سفر الحريري، حالة عدم اطمئنان لدى العونيين. قال بري: «للأسف، لبنان مهدّد بالانهيار إذا ما بقي الوضع على ما هو عليه من دون حكومة، إذ لا يمكن الوصول الى شاطئ الأمان من دون سلطة تنفيذية تتحمّل مسؤولياتها في منع سقوط لبنان لا سمح الله». وقد تساءلت مصادر عونية على الأثر: هل هذا التصريح جاء بعدما لمس من الحريري أنه غير مستعجل بعد على التأليف أو أنه غير قادر عليه؟ الإجابة عن السؤال قد لا تتأخر، فعاملان مهمّان طرآ على الملف أمس. تمثل الأول في تباحث الرئيس إيمانويل ماكرون ووليّ العهد السعودي محمد بن سلمان في الملف الحكومي اللبناني، وإعلان الرئاسة الفرنسية أن الطرفين يتشاركان «الرغبة نفسها في رؤية حكومة ذات مصداقية» في لبنان لإخراجه من أزمته الحادّة. وتمثل الثاني بإعلان ألمانيا مساء عن خطة ستقترحها في السابع من نيسان الجاري قيمتها عدة مليارات من الدولارات لإعادة بناء مرفأ بيروت ومحيطه. وبحسب «رويترز» فإن الخطة المقترحة تتطلب حكومة لبنانية جديدة تملك تفويضاً بإجراء إصلاحات.على المقلب الآخر، فإنّ العاملين على خط المبادرة، أي الرئيس نبيه بري والنائب السابق وليد جنبلاط وحزب الله، يتعاملون مع التقدم المنجز بحذر. فبري وجنبلاط حصلا على موافقة مبدئية من الحريري على زيادة عدد الوزراء إلى ٢٤ وزيراً، وحزب الله حصل على موافقة مبدئية من النائب جبران باسيل على صيغة «3 ثمانات»، بحيث لا يحصل أي فريق على الثلث زائداً واحداً. لكن ذلك قد يضيع تحت وقع الخلافات التفصيلية.
لكن بالرغم من كل ذلك التطور، فإن رئاسة الجمهورية لم تتلقّ أي اتصال من بري بعد لمناقشة مبادرته. كما لم تسمع من الرئيس المكلف أي جديد بشأن تشكيلته الحكومية. ورداً على عبارة «هاتفه في جيبه»، تسأل مصادر بعبدا: أليس الرئيس المكلف من يفترض أن يقدم تشكيلة إلى رئيس الجمهورية، وبالتالي فإن المطلوب منه استعمال هاتفه لأخذ موعد من رئاسة الجمهورية، إلا إذا كان يعتقد فعلاً بأن الرئيس هو من يفترض به أن يشكّل الحكومة ويتصل به.
مع ذلك، وبعيداً عن الشكليات، فقد تم إبلاغ رئيس المجلس بانفتاح رئيس الجمهورية على الأفكار المطروحة. وأكد عون لبرّي عبر موفدي البطريرك بشارة الراعي أنه لا يريد الثلث المعطّل ومع أي صيغة تحترم التوازات الدستورية.
وفي هذا الصدد، اعتبرت المصادر العونية أن الرئيس يعتبر أن التسمية الأصح للصيغة المطروحة هي 8+8+7+1 (وزراء الرئيس والطاشناق). لكن من الضروري الالتفات، بحسب المصادر نفسها، إلى أن الأمر يجب ألا يحصر بالحديث عن التقسيمة، بل عمّن يسمي الوزراء. فهل المقصود أن يسمّي الرئيس وزراءه السبعة، أم أن الحريري يريد أن يسمّي هنا أيضاً؟ هذا يعني أننا لا نزال مكاننا كما في صيغة الـ 18. لذلك أي مبادرة حول الـ 24 وزيراً يجب أن تتضمن بوضوح موضوع من يسمي الوزراء وليس فقط عدد الوزارات وتقسيم الحقائب على الأطراف.

كل ذلك يؤشر إلى أن ثمة أسئلة لا تزال عالقة بلا إجابات. هل يزور الرئيس بري قصر بعبدا ليطلع رئيس الجمهورية على تفاصيل مبادرته؟ من أي ثلث سيكون وزير الداخلية؟ ثم، إذا كانت حصة رئيس الجمهورية ثمانية وزراء مسيحيين، من بينهم وزير الطاشناق، فمن يسمّي الوزراء الأربعة المسيحيين الآخرين؟ ومع إضافة وزير للمردة وافتراض توزير وزير قومي، هل يسمي الحريري الباقين؟ ولماذا يسمّي الحريري الوزراء السنّة ويسمّي حزب الله وأمل الوزراء الشيعة، ولا يسمّي رئيس الجمهورية الوزراء المسيحيين؟ تلك عقبات لا يزال المفاوضون يسعون إلى حلّها، شرط تثبيت موافقة الطرفين على الأساس، أي حكومة من ٢٤ وزيراً بلا ثلث معطل لأحد. وتحت سقف أن تأليف الحكومة يمكن أن يتم بعد الأعياد، فإن فقدان الثقة بين رئيس الجمهورية والرئيس المكلف، لا يزال يشكل الخطر الأكبر على المبادرة. وبعد تجربة موافقة عون على التخلي عن الثلث المعطل في حكومة الـ ١٨ وزيراً، والتي قابلها الحريري بتخفيض حصة رئيس الجمهورية إلى ثلاثة وزراء، فإن الطرفين يتعاملان مع أي تنازل بحذر شديد مستمد من غياب الثقة بينهما. وهو ما يجعل كل طرف يسعى إلى انتظار تنازل الآخر قبل الموافقة على أي اقتراح.
بالنسبة إلى التيار الوطني الحر، الذي تؤكد مصادره أنه سيمنح الثقة لأي حكومة تحظى بثقة رئيس الجمهورية، فإن حصر الحديث بـ«3 ثمانات» يظهر كأن المشكلة داخلية بحتة، فيما ليس هناك مؤشرات بأن الحريري نال الضوء الأخضر الذي ينتظره للتأليف. مع ذلك، فإنه لا يمكن تجاهل عاملَين قد يكونان ساهما في إعطاء دفع لمبادرة بري: التهديد بفرض عقوبات أوروبية على المعرقلين، والحركة المكثفة للسفراء، ولا سيما السفيرة الأميركية.
في هذا الشأن، تؤكد المصادر أن بعبدا غير مهتمة أبداً بالتهديدات الأوروبية بالعقوبات ولا تلتفت إليها أبداً. وإذا كانت سابقاً قد حصلت أي محاولة لتفادي العقوبات الأميركية، فإن هذا لا يحصل في ما يتعلق بالتهديد بالعقوبات الأوروبية أو الفرنسية. وأي عقوبات على أي شخصية محسوبة على الرئاسة ولو برتبة مستشار ستعتبر موجّهة الى الرئاسة نفسها. ويأتي ذلك وسط اقتناع عوني بانحياز فرنسي واضح لسعد الحريري لم تعد تشوبه أيّ شائبة حياءً أو مواربة، مقترن بإصرار فرنسي غريب على أن تسمّي باريس نفسها وزراء في الحكومة.