تحقيقات - ملفات

سيف القُدس.. مرحلة جديدة من الصراع

نعيم أشرف مشتهى

اشتدت الاعتداءات الصهيونية على حي الشيخ جراح في مدينة القدس، ليتصدى لها الشعب الفلسطيني بصدورهم العارية مستنجدين بالمقاومة الفلسطينية في غزة وعلى راسهم محمد الضيف رئيس هيئة اركان كتائب القسام، الأمر الذي جعل الأخير يظهر في تصريح مقتضب يذيله جملة “التحذير الأخير”، وعلى الرغم من ذلك إلا أن الاحتلال لم يرتدع من ذلك بل استمر في اعتداءاته وعنجهيته، الامر الذي جعل المقاومة الفلسطينية تقصف المدن المحتلة على قوس واحدة.

لتكون الجولة الحالية فاصلة في تاريخ الصراع الفلسطيني “الإسرائيلي”، فالمقاومة التي قصفت المدن المحتلة خلال عدوان 2014 لم تعد قوتها كما هي بل تطورت لتصل حد الرعب الذي يتملك الاحتلال الصهيوني، ومن أبرز التطورات:

  • سلاح الطيران: عملت المقاومة الفلسطينية على تطوير ذاتها في سلاح الجو، حيث استطاعت خلال الجولة الحالية “سيف القدس” استهداف محطة الغاز التابعة للاحتلال الإسرائيلي في عسقلان، بجانب استهداف حشودات عسكرية إسرائيلية على تخوم غزة، ليكون القصف الأخير لتلك الطائرات الانتحارية استهداف مصنع للكيمياويات لدى الاحتلال”.
  • سلاح الصواريخ: انتقلت المقاومة الفلسطينية نقلة نوعية في تسليحها الصاروخي، حيث استطاعت تطوير الصواريخ لتصل لمدايات بعيدة لم تكن في حسبان أي من الأجهزة “الأمنية الإسرائيلية”، فلقد استطاعت المقاومة أن تحافظ على سرها طوال الفترة الماضية خلال تصنيع صاروخ عياش 250، والذي دخل الخدمة العسكرية ليقصف مطار رامون الكائن بالقرب من مدينة ام الرشراش الفلسطينية “ايلات المحتلة” والذي عمل الاحتلال على بنائه لتحويل رحلاته السياحية من مطار بن غوريون في تل ابيب والذي يعتبر هدفاً عسكرياً للمقاومة الفلسطينية في كل جولة تصعيد تخوضها ضد الاحتلال منذ عدوان حجارة السجيل عام 2012، ليكون صاروخ “عياش” باستطاعته استهداف أبعد نقطة في الداخل المحتل، ليكون الاحتلال بذلك مشلولاً من كل الجهات، فلا أمان في أي نقطة داخل فلسطين المحتلة.

كما أنها استطاعت تطوير تلك الصواريخ لتصل بقدة تدميرية عالية لم يشهدها الاحتلال من قبل، فالمعادلة الصاروخية التي اعتاد عليها الاحتلال حتى عدوان 2014 لم تبقَ كما هي، بل تطورت لتصل مدمرة لمدن الداخل، كما أن تلك الصواريخ أصبحت قادرة على قتل أكبر عدد ممكن من الصهاينة بشكل سهل ويسير.

لكن الامر الذي يدل على تطور المقاومة في ذلك الاختصاص هو تخطيها للقبة الحديدية المصممة لاعتراض صواريخ المقاومة، فاستراتيجية افشال القبة الحديدية يظهر انها بنيت وفق دراسات بحثية معدة بشكل دقيق، فباعتقادي أنها تعمل وفق استراتيجية اطلاق كمية من الصواريخ الغير مأهولة برؤوس حربية متفجرة فهي فقط تحمل حشوات دافعة لتتصدى لها القبة الحديدية وتفقد قوتها ليتم اطلاق الصواريخ ذات المديات الطويلة والرؤوس الحربية عالية القدرة التدميرية، وبذلك تكون المقاومة متجاوزة للقبة الحديدية دون خسارة مواد متفجرة توصف بالشحيحة في ظل وجود حصار مطبق على قطاع غزة من 14 عاماً، كما أني أعتقد أن القسام سيعمل السيطرة على أجواء فلسطين المحتلة لمنع حركة كافة الطيران العالمي دون سابق انذار من قيادة المقاومة، من خلال تطويرات يضيفها رجال المقاومة وفق دراسات علمية.

كما أنها استطاعت تطوير الصواريخ لتصل لأهدافها المرجوة بإحداثيات عالية الدقة، استطاع الخبراء الإسرائيليون اجراء تجارب عديدة ليخلصوا لنتائج سلبية بالنسبة لهم حيث أن نسبة الخطأ في احداثية صاروخ “عطار 120” هي 20 متر فقط، بذلك يكون ذلك الصاروخ ذو القدرة التدميرية العالية والاحداثيات الدقيقة مصدر قلق كبير للاحتلال الإسرائيلي، فالمقاومة الفلسطينية في تطور متسارع لم تكن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية لتتنبأ بذلك التطور.

لكن الغريب في الامر هو كيفية توصل المقاومة لتلك الاحداثيات التي يقصف من خلالها المدن المحتلة، وذلك يفسر من خلال عدة أمورها أقربها للواقع هو وجود متعاونين في الداخل المحتل يعملون لصالح المقاومة الفلسطينية، بجانب سلاح السايبر الذي تعمل من خلاله المقاومة على اختراق الهواتف الخلوية التابعة لجنود ومستوطني الاحتلال الإسرائيلي، وذلك يدل على نقلة نوعية في مواكبة المقاومة الفلسطينية للتكنولوجيا الحديثة، الأمر الذي يشكل خطراً على قوات الاحتلال في كافة أذرعه القتالية.

 

أهداف الاحتلال خلال الجولة الحالية:

يعمل الاحتلال الإسرائيلي على ايهام الشارع الإسرائيلي بأنه استطاع تدمير العديد من الأماكن التي يعتقد انها أهدافا عسكرية، لكن الأصل في ذلك أنه لا يملك بنك أهدافٍ واضح، فنيرانه تصب على اهداف سكنية مدنية فحسب وذلك يدل على فشل الأجهزة الأمنية الإسرائيلية في جلب معلومات امنية تخص المقاومة الفلسطينية، وإن دل ذلك فإنما يدل على قوة الأجهزة الأمنية التابعة للمقاومة الفلسطينية، كما أنه لم يستطع الحصول على هدف عسكري ليدمره ليعمل على اهتزاز المنظومتين الأمنية والعسكرية الفلسطينية.

معادلة جديدة

رغم تلك التطورات التي امتلكتها المقاومة الفلسطينية خلال فترة وجيزة فيما ذكرناه سابقاً، إلا أني اعتقد أنه غض من فيض لبقية التخصصات التي تمتلكها المقاومة، كما أن المقاومة الفلسطينية تعمل على ترسيخ معادلة جديدة وهي وحدة الأراضي الفلسطينية فالاعتداءات في القدس والضفة أو في أي بقعة محتلة لن يكون مصيره السكوت بل سيكون الرد من غزة بشكل قوي، حيث ستكون الأخيرة خط الدفاع الأول عن كافة الأراضي والمقدسات الفلسطينية، ويبدو أنها نجحت في ترسيخ تلك المعادلة.

مُستقبل الجولة الحالية:

لم تكن الجولة الحالية لتنتهي حالياً فور تدخل الوسطاء الدوليين بل إن قرار انهائها سيكون لدى هيئة اركان المقاومة وعلى راسها كتائب القسام، حيث ستعتمد الأخيرة في قراراتها على الضفة الغربية واشعالها للثورة داخل الأراضي المحتلة، بجانب المظاهرات التي تخرج حالياً في الدول العربية المجاورة.

حيث تعمل كتائب القسام على اشعال الضفة الغربية منذ اخماد الثورة فيها بواسطة التنسيق الأمني، لتكون الجولة اليوم ليست كأي جولة سابقة بل إنها مفصلية بالنسبة للقسام، فالضفة التي كانت على صفيح ساخن اشتعلت وتلك فرصة لن تضيعها، بل ستعمل على استغلالها بشكل أمثل، كما أن القسام يعمل وفق تكتيك استنزاف لقوات الاحتلال الإسرائيلي من خلال اطلاق الرشقات الصاروخية على المدن المحتلة، ليجره لمعركة برية يكون فيها العدو الخاسر الأكبر، حيث تسعى قيادة القسام لإشعال الضفة من خلال بث الروح المعنوية في ذكرى النكبة الفلسطينية الثالثة والسبعين.

لذا فإن قرار إيقاف الجولة وإعلان التهدئة متوقف على انتفاضة الضفة الغربية في وجه الاحتلال وانقلابها على السلطة الوطنية الفلسطينية المتعاونة بشكل كامل مع الاحتلال الإسرائيلي ضد أي مخطط يقوم على الحاق الضرر بالاحتلال، لتكون بذلك حماس بجناحها العسكري الوجه المحاور لكافة النظم السياسية في العالم وفق منهاجها الذي تنتهجه منذ أكثر من ربع قرن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى