الحدث

إقتصاد العجز عن الصمود وعدم القدرة على الهجرة!

ذو الفقار قبيسي -اللواء

 

مشكلة لبنان الكبرى أن الأزمات تتلاحق والأكثرية الساحقة من الشعب اللبناني ليس لديها سيولة نقدية كافية للمواجهة والصمود أو حتى للهجرة.
والمعلومات المتداولة عن ارتفاع معدلات الهجرة من لبنان لا تميّز بين الرغبة والقدرة. فالرغبة موجودة والقدرة مفقودة لعوامل عدة في طليعتها عدم توافر المال لتغطية نفقات السفر والإقامة في البلد الأجنبي بانتظار الحصول على فرصة عمل، إضافة الى سياسة الحظر والإقفال الناتجين عن وباء الكورونا وصعوبة الحصول على تأشيرة الدخول. والاحصاءات عن معدلات الهجرة من لبنان تشير الى أنه بعد إرتفاع العدد الى ٦٦٠٠٠ مهاجر في السنة قبل ثلاثة أعوام انخفض الى ٣٣٠٠٠ مهاجر قبل عامين ثم الى ١٧٠٠٠ مهاجر قبل عام ولا يبدو أن العدد سيزداد بسبب استمرار أزمة الكورونا في ظل صعوبات اقتصادية وعدم توافر السيولة النقدية بالعملة الأجنبية لأسباب عدة من بينها صرف البنوك ودائع الدولار بالليرة التي لم تعد تصرف في الأسواق المالية العالمية كما في ماضي الأيام.
والمقارنة بين اليوم والأمس تدل على ان اللبنانيين كانوا في الماضي خلال الأزمات أكثر قدرة على الصمود أو على الهجرة. فعندما نشبت الأحداث الدامية في لبنان العام ١٩٥٨ كان الاقتصاد اللبناني أكثر مناعة وكان لدى اللبنانيين عموما ادخارات وودائع كافية وبالعملات الأجنبية. وكانت الإيرادات السنوية لموازنة الدولة في ذلك العام 225,4 مليون ليرة لبنانية، والنفقات 181,6 مليون ليرة لبنانية. أي بدل العجز كان هناك فائض 43,8 مليون دولار. وحتى عندما نشبت حرب سبعينيات وثمانينات الـ١٧ عاما كانت واردات موازنة الدولة في العام ١٩٧٤ نحو مليار و٢٦٩ مليون ليرة لبنانية مقابل نفقات مليار و218,8 مليون ليرة لبنانية أي بفائض ٥١ مليون ليرة لبنانية، بينما عجز الموازنة الآن يفوق الـ٥ مليارات دولار! وحتى خلال ذروة الحرب في العام ١٩٨٢ خلال الاجتياح الإسرائيلي للبنان كان الدين العام الداخلي والخارجي في لبنان حوالي ٣ مليارات دولار فيما الدين العام الآن يقف عند باب الـ١٠٠ مليار دولار وعجز في ميزان المدفوعات يفوق الـ١٠ مليارات دولار، وفي الميزان التجاري يفوق الـ٨ مليارات دولار. وبينما خلال سنوات ما قبل الحرب بين بدايات الخمسينيات وحتى بدايات السبعينيات كان لبنان المكان الأفضل لكل العرب وللعديد من دول العالم، في كل مجالات الاقتصاد والاستثمار والتجارة، وبات الآن بين آخر الدول في المعايير والتصنيفات الاقتصادية سواء في مناخ الاستثمار أم البنية التحتية والاتصالات والنقل والبيئة والكهربا وضبط الحدود والطرق وسهولة الاتصال بين الأسواق وسائر الخدمات.
ولعل أكثر ما يشبه وضع من يعجز عن الصمود في الداخل وعن الهجرة الى الخارج، رواية La Peste أو «الطاعون» التي قال عنها الكاتب الفرنسي المولود في الجزائر «البير كامو» عن مدينة تفشت فيها العدوى ولم يعد سكانها قادرين لا على البقاء داخل المدينة ولا على الخروج منها فينقلوا العدوى الى المدن المجاورة!


 

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى