هل تغامر إسرائيل ببدء الحفر في «كاريش»؟
طوني عيسى-جريدة الجمهورية
لم تكتفِ منظومة السلطة بنهب أموال الدولة والشعب وتهريبها عبر المافيات، ما أوصل لبنان إلى الكارثة. إنّها على وشك استكمال الجريمة بتقديم الغاز والنفط هديةً لإسرائيل جنوباً… وهديةً لسوريا شمالاً. فمَن يوقف هذه المؤامرة قبل خسارة عشرات المليارات من الدولارات، من أموال الشعب اللبناني، تُضاف إلى عشراتِ المليارات المنهوبة سابقاً؟
منذ أن تعطّلت مفاوضات الناقورة، بعد جلستها الخامسة في 4 أيار الفائت، يعمّ الصمت كل الأطراف. لكن خلفيات هذا الصمت تتفاوت:
– اللبنانيون مصابون بإرباك. هل يقومون بالتصعيد في وجه إسرائيل أو يرضخون لضغوطها؟ وعلى الأرجح، هم اختاروا الأسهل، كما يفعلون عادة، أي تأجيل المفاوضات، لاعتقادهم أنّه سيكون أقل كلفة.
– الأميركيون يعتبرون أنّهم لم يعودوا قادرين على بذل المزيد من الجهود لإقناع لبنان بتليين موقفه. وهم سيحمِّلونه المسؤولية عن التعطيل وما يمكن أن يؤدي إليه. وتالياً، هم سينحازون إلى إسرائيل ويمنحونها التغطية ضمنياً في ما ستقوم به من تنقيب واستخراج في المنطقة المتنازع عليها.
– الإسرائيليون في صدد استثمار الإرباك اللبناني والغطاء الأميركي ليسدّدوا ضربتهم ويبدأوا عملية استخراج الغاز والنفط من حقل «كاريش»، على رغم أنّ لبنان بات يعتبر أنّه يملك ما يزيد على نصف محتوياته، بعد تعديل الخط الذي يطالب به، من النقطة 23 إلى النقطة 29.
وقد عمد الإسرائيليون إلى تلزيم الحفر هناك لشركة «إينرجين» اليونانية. ولكن ثمة مَن يعتقد أنّ إسرائيل تنوي السيطرة فعلياً على كامل عمليات الحفر والاستخراج، بحيث تصبّ الموارد كلها في خزينتها. وهي لذلك أنشأت سفينتها الخاصة، بمساعدة صينية، وهي ستنتقل من سنغافورة، في الصيف المقبل، وتبدأ مهمتها في «كاريش»، سواء تمّ الاتفاق مع لبنان أم لا.
ويحاول الإسرائيليون الإيحاء للأميركيين والأوروبيين والعرب، الذين سيتشاركون معهم في سوق الغاز الموعودة بين الشرق الأوسط وأوروبا، بأنّهم يرغبون في إنجاز تسوية مع لبنان، تسهِّل مرور الإمدادات عبر الأنابيب البحرية من دون عوائق حدودية. ولكن، واقعياً، هم يهزأون بلبنان. ومن دون الاتفاق معه، هم يستعدون لبدء الاستخراج من «كاريش».
يعني ذلك أنّ اللبنانيين يملكون حقّاً تكفله القوانين الدولية، ولكن على الورق. وأما الإسرائيليون فيرغبون في الاستيلاء على هذا الحقّ واقعياً. ويمكن أن يدوِّن لبنان في سجلّ الشرف أنّه لم يتنازل عن موارده، فيما إسرائيل ستحوّل هذه الموارد إلى ملياراتٍ في خزينتها.
هل الأمر بهذه البساطة؟ أي هل سيكون لبنان ضعيفاً إلى هذا الحدّ في المواجهة؟ وماذا ستفعل منظومة السلطة إزاء الخطر الآتي: هل ستمضي في نهج الفشل والإرباك أم ترسم خطة ناجعة؟
في منتصف نيسان الفائت، جاء وكيل وزارة الخارجية الأميركية ديفيد هيل إلى لبنان لإقناعه بالتخلّي عن طموحات تعديل المرسوم 6433، لتصبح حدود لبنان البحرية عند النقطة 29، وتتسع 1430 كيلومتراً مربعاً، فوق مساحة الـ860 كيلومتراً مربعاً التي هي إطار المفاوضات المتفق عليه.
واضح أنّ الرئيس ميشال عون، بامتناعه عن توقيع التعديل، ترك الباب مفتوحاً لبعض الليونة مع الأميركيين، من منطلقات مختلفة. فهو لا يريد الظهور وكأنّه- وفريقه السياسي- هو الأكثر تشدّداً في المفاوضات وأنّه المبادر إلى قطع الجسور معهم. وكذلك، رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب لا يريد أن يتحمّل مسؤولية المشاكسة.
إنّه سلوك «التسويف» الذي تعتمده المنظومة في كل النماذج والملفات. فهي تراهن على الوقت في مسألة المفاوضات مع إسرائيل، كما في المسائل الساخنة كلها. ولكن، قد يؤدي هذا السلوك في مسألة الحدود الجنوبية إلى صدامٍ خطِر. ولا أحد يمكن أن يتوقع ما سيكون عليه ردُّ «حزب الله»، إذا أخذ على عاتقه «حماية الموارد الوطنية التي يسطو عليها العدو».
حتى اليوم، المرسوم 6433 الذي أرسله لبنان إلى الأمم المتحدة، يحصر التفاوض بمساحة الـ860 كيلومتراً مربعاً. ولا يمكن للمنظمة الدولية أن تتبنّى إطاراً آخر للمفاوضات ما لم يعدّل لبنان هذا المرسوم ويرسل منه نسخة رسمية إلى نيويورك.
ولذلك، يبدو غريباً أن يكون الوفد اللبناني قد تفاوض مع الإسرائيليين في الناقورة، على أساس النقطة 29، فيما كانت السلطة السياسية تتجنّب تعديل المرسوم وإرساله إلى المرجعية الدولية.
الإسرائيليون يرجئون المواجهة على الحدود البحرية إلى الصيف. لكنهم يعرفون أنّ اللعب بالغاز في «كاريش» قد يُشعل المنطقة. وعندما يقرّر الإسرائيليون التجرّؤ والبدء بالاستخراج هناك، سيضعون لبنان أمام خيارات سياسية وديبلوماسية صعبة، ولكن أيضاً سيضعون «حزب الله» أمام تحدّي المواجهة بالنار، في لحظة خلط الأوراق والتوازنات في الشرق الأوسط.