غارات دمويّة تستهدف قطاع غزة “عين المقدسيين” تُقاوم “المخرز الإسرائيلي”
خرجت الأمور عن السيطرة بالأمس في باحات المسجد الأقصى وأحياء أخرى من القدس الشرقيّة، حيث باتت شوارع المدينة المقدّسة أشبه بساحات حرب أهليّة، مع عمليّات كرّ وفرّ بين الفلسطينيين العزّل الذين يُقاومون باللحم الحيّ وما توفّر من حجارة وعصي، وبين القوّات الإسرائيليّة المدجّجة بالسلاح والعتاد والقنابل المسيّلة للدموع. لكن ما لبث أن هدأ الوضع قليلاً في القدس بعد تدارك الدولة العبريّة حجم المخاطر الأمنية المحدقة في حال تدهور الوضع الميداني أكثر، فسارعت إلى إلغاء مسيرة الأعلام التي كان آلاف المستوطنين اليهود ينوون تنظيمها، فضلاً عن إخلاء الشرطة الإسرائيلية الحائط الغربي (البراق)، حتّى بدأت الصواريخ تنهمر في محيط القدس إنطلاقاً من قطاع غزة الذي استهدفته المقاتلات الإسرائيلية بضربات جوّية انتقاميّة أودت بحياة أكثر من 20 شخصاً بينهم 9 أطفال والقيادي في “كتائب القسام”، الجناح العسكري لحركة “حماس”، محمد فياض.
وأعلنت الغرفة المشتركة للأجنحة العسكرية للفصائل الفلسطينية أنها أطلقت أكثر من 100 صاروخ في اتجاه القدس وتل أبيب وعسقلان، ردّاً على “العدوان الإسرائيلي في المسجد الأقصى والشيخ جراح في القدس المحتلّة”. وجاء ذلك بعد أن حذّرت “كتائب القسام” إسرائيل بضرورة أن تسحب قبل السادسة مساءً قوّاتها الأمنية من باحات المسجد الأقصى الذي كان ساحة مواجهات عنيفة.
من جهته، اعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن “المنظمات الإرهابية في غزة تخطّت خطاً أحمر مساء “يوم القدس” عبر إطلاق صواريخ حتّى منطقة القدس”، مهدّداً بأنّ “إسرائيل ستردّ بقوّة… من يُهاجم سيدفع الثمن غالياً. أقول لكم أيها المواطنون الإسرائيليون إنّ الصراع الحالي قد يستمرّ لفترة معيّنة”، فيما ذكر الجيش الإسرائيلي أن بعض الصواريخ اعترضتها منظومة “القبة الحديدية”، لكن صواريخ أخرى سقطت في إسرائيل، متوعّداً “حماس” بـ”دفع ثمن باهظ”. وتمّ إخلاء الكنيست الإسرائيلي على وقع الضربات الصاروخيّة، بينما احتمى المدنيّون الإسرائيليّون في بعض المناطق داخل الملاجئ.
وبينما رأى نتنياهو في وقت سابق أن “ما يحصل في القدس ليس جديداً بل يدور منذ مئات السنين”، متّهماً وسائل الإعلام العالمية بنقل هذه الأحداث بصورة خاطئة، قرّر الجيش الإسرائيلي تعليق مناورات “عربات النار” وتركيز العمل على احتواء الوضع الأمني في القدس. كما أعلن إغلاق مناطق وطرق قريبة من السياج الحدودي مع قطاع غزة، لا سيّما تلك المؤدية إلى المناطق الزراعية، وفق نتائج تقييمه الأمني للأوضاع في البلاد.
من جانبها، ندّدت الولايات المتحدة “بأكبر قدر من الحزم” بإطلاق صواريخ على إسرائيل، معتبرةً أنه “تصعيد غير مقبول”، وداعيةً جميع الأطراف إلى “الهدوء” و”نزع فتيل التوترات”، في حين دانت لندن إطلاق الصواريخ، ودعت إلى “احتواء فوري للتصعيد من جميع الأطراف ووقف استهداف المدنيين”، بينما نبّهت ألمانيا من أنّه “من واجب” الإسرائيليين والفلسطينيين “تجنّب سقوط مزيد من الضحايا المدنيين”.
وفي باحة المسجد الأقصى، اندلع حريق هائل مساء الإثنين أمكن مشاهدته من على بعد كيلومترَيْن فيما كان الآلاف مجتمعين لأداء الصلاة، في وقت تشهد فيه باحات الأقصى منذ الجمعة مواجهات هي الأعنف منذ 2017 مع ارتفاع حصيلة الإصابات في صفوف الفلسطينيين إلى أكثر من 600، وفق الهلال الأحمر الفلسطيني. وتجدّدت المواجهات بالأمس بعدما تصدّى مئات الفلسطينيين المعتكفين في المسجد في العشر الأواخر من شهر رمضان لمنع المستوطنين من الدخول إليه، إذ تُحيي إسرائيل ذكرى “يوم توحيد القدس”، أي احتلالها للقدس الشرقية العام 1967 ومن ثمّ ضمّها. وبعدما هدأت الأوضاع بعض الشيء بعد ظهر أمس، عادت لتشتعل المواجهات من جديد مساءً.
ومع تدهور الوضع، عقد مجلس الأمن جلسة مغلقة بطلب من تونس وتناول الوضع في القدس الشرقية. لكن أعضاءه لم يتفقوا على إصدار إعلان مشترك، إذ اعتبرت الولايات المتحدة أنه من “غير المناسب” توجيه رسالة عامة في هذه المرحلة، وفق ديبلوماسيين، فيما رأت منظمة التعاون الإسلامي أن “تصاعد وتيرة الأعمال الوحشية ضدّ الفلسطينيين في المسجد الأقصى والقدس المحتلّة جريمة حرب تستوجب المحاكمة”.