سعد الحريريّ: آن الأوان لهذه المهزلة أن تنتهي…
الرئيس سعد الحريري في القصر الجمهوري في بعيدا(علي علوش)
مرّةً جديدة يرتكب سعد الحريريّ سلسلةً من الأخطاء لا يعرف المرء حيالها إذا كان هذا الرجل قادراً على تعلّم أي شيء في حياته السياسيّة. هو لم يتعلّم شيئاُ من تاريخ ميشال عون الأوّل بين العامين ١٩٨٨ و١٩٩٠. يعرف أنّ ما يجمعه بالجنرال القديم هو الانفعاط المَرَضي بالكرسيّ حتّى ولو كان مخلّعاً، والمشي على السجّاد الأصفهانيّ حتّى ولو كان الثمن بحجم خراب وطن برمّته. ولكنّه لم يدرك، ويا للعجب، أنّ مقدار القرب بينه وبين سيّد بعبدا هو إيّاه مقدار البعد. فالجنرال القديم يرفض التسويات حتّى ولو أخذته، وأخذت البلد معه، إلى جهنّم. أمّا المرشّح الطبيعيّ للعودة إلى تلّة السراي، فمستعدّ للتسويات حتّى ولو كانت مع قتلة والده.
لم يتعلّم الحريري شيئاً، لا من صلف ميشال عون، ولا من مكر جبران باسيل، ولا من ترّهات حسن نصر الله، ولا من دقع السنّيّة السياسيّة وتهافتها. ظلّ يخلط بين مصالحه الشخصيّة ومصلحة الوطن. ظلّ يتنزّه، عن سابق الإصرار والترصّد، بين حافر العصب الطائفيّ ومسمار السياحة في الأمم. ولكنّ الأهمّ من هذا كلّه هو أنّه لم يتعلّم شيئاً من انتفاضة ١٧ تشرين. كانت بالنسبة إليه مجرّد عارضة خشبيّة يستخدمها للقفز في المجهول بما حسبه أنّه زخم جديد. ولكنّه لم يفهم أنّ الأوطان تبنى بمواقف ثابتة تُتّخذ انطلاقاً ممّا يعتمل في وجدان الناس، لا من دوزنة حسابات الربح والخسارة على إيقاع المتغيّرات بين الولايات المتّحدة وإيران والمملكة العربيّة السعوديّة وتركيا. لقد انتهى به الأمر أن يحيا، كما في جداريّة محمود درويش العبقريّة، «على إيقاع أمريكا». ولكنّه نسي أنّ المتكلّم في القصيدة هو ابن سجّان الشاعر.
من الحكيم الذي سيهمس في أذن سعد الحريري أنّ الوقت قد حان للانسحاب؟ لقد أطلق المركب الفرنسيّ العنان لأشرعته، وها هو يستعدّ لمغادرة مرفأ المدينة المجروحة بخراب مرفأها. من يقول له إنّه أضاع ما يكفي من الوقت إذا ما قيس بأهوائه الشخصيّة؟ ومن يقول له إنّه أضاع على البلد الموسوم بالضياع عقوداً معقودةً في المسرحيّة الهزليّة التي يخوضها، وذلك منذ أن التقى مع حزب الله على الإطاحة بالسفير مصطفى أديب حتّى أكذوبة تشكيل حكومة تتحمّل مسؤوليّة رفع الدعم وتحقّق سلّة من الإصلاحات هو أوّل المتضرّرين منها. من يقول للحريريّ إنّ «فيه الخصام» ويريد أن يكون «الخصم والحكم» على رأي شاعر العرب الأكبر. هكذا يستعيد، بكلمات المتنبّي، التباسات سيف الدولة في لحظة من تاريخ لبنان تمّحي فيها الحدود بين المأساة والملهاة.
من يقول لسعد الحريريّ كلّ هذا؟ ومن يخبره أنّ الساعة قد دقّت كي يعتذر ويفكّر في شيء آخر غير السراي؟ فليفكّر في شيء جميل: في انحناءة وردة، في غنج الياسمين، في اندلاق الفجر رويداً رويداً على منحدرات الجبال. ولكن لا يفكرنّ في البقاء معلّقاُ بين حقل أميركا وبيدر إيران. فاللعبة أصبحت مضجرة. وقد آن الأوان لهذه المهزلة أن تنتهي…