بايدن يرفع «قميص خاشقجي»: ابن سلمان محاصَر
بقرارها الإفراج عن تقييم الاستخبارات الوطنيّة الأميركية لمقتل جمال خاشقجي، أطبَقت إدارة جو بايدن حصارها على وليّ العهد السعودي، محمد بن سلمان. حصارٌ ما فتئ يتزايد منذ «حادثة القنصلية» في خريف عام 2018، التي فاقت بتداعياتها كلّ ما تصوّره يوماً وريث العرش «الإصلاحي» وعلى رغم مساعيها إلى امتصاص صدمة التقرير، عبر تطمين قيادة المملكة القَلِقة إلى استمرار «الحلف التاريخي»، إلّا أن الإدارة الأميركية أبرزت هدفها بوضوح: إعادة ضبط العلاقات المُصابة بحمّى ترامب، لاستقطاب ابن سلمان مذلولاً إلى دارها
«توصّلنا إلى استنتاج مفاده بأنّ وليّ عهد العربية السعودية، محمد بن سلمان، أجاز عملية في اسطنبول، في تركيا، لاعتقال أو قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي». وضع تقرير الاستخبارات الوطنية الأميركية هذه الخلاصة، على طاولة العالم أجمع، ليعيد نبش قضيّة ما فتئت تُحاصر وليّ عهد المملكة. والتقرير الذي صدر ضمن ترتيبات لـ»الحدّ من الإضرار بالعلاقات الأميركية ــــ السعودية»، ورفضته قيادة المملكة جملةً وتفصيلاً، بنى خلاصاته استناداً إلى مكانة ابن سلمان في عمليّة صنع القرار في بلاده، فضلاً عن الضلوع المباشر لمستشاره الرئيسي (يُقصد سعود القحطاني) وأفراد من فريق حمايته الخاص في الجريمة، إلى جانب «دعمه استخدام تدابير عنيفة إذا لزم الأمر لإسكات المعارضين في الخارج، ومنهم خاشقجي». مستعيداً بعض الوقائع التي سُرِّبت، ذكر التقرير أن فريق الاغتيال الذي وصل إلى إسطنبول في الثاني من تشرين الأول/ أكتوبر 2018، ضمّ مسؤولين عملوا أو كانوا مرتبطين بـ»المركز السعودي للدراسات والإعلام» في الديوان الملكي، مشيراً إلى أن العمليّة جرت بقيادة سعود القحطاني، المستشار السابق في الديوان الملكي، الذي أشرف على سبعة من أعضاء «قوّة التدخّل السريع»، وهي «مجموعة فرعيّة من الحرس الملكي السعودي، تتولّى مهمّة الدفاع عن وليّ العهد، وتستجيب له فقط»، والتي ما كانت لتشارك في العمليّة من دون موافقته. واتّهم تقييم الاستخبارات الأفراد التالية أسماؤهم بأنهم شاركوا أو أمروا أو تواطأوا في مقتل خاشقجي نيابةً عن وليّ العهد: سعود القحطاني، ماهر المطرب، محمد الزهراني، منصور أباحسين، بدر العتيبة، عبد العزيز الهوساوي، وليد عبد الله الشهري، خالد العتيبة، ثائر الحربي، فهد شهاب البلوي، مشعل البستاني، تركي الشهري، مصطفى المدني، سيف سعد، أحمد زايد عسيري، عبد الله محمد الهويريني، ياسر خالد السالم، إبراهيم السالم، صلاح الطبيقي ومحمد العتيبة.
جاء الكشف عن التقرير فيما يسعى الرئيس جو بايدن إلى إعادة ضبط العلاقات الأميركية في الشرق الأوسط، وإعادة «مبادئ حقوق الإنسان» إلى مكانة بارزة في السياسة الأميركية. كشفٌ يعكس استعداد الإدارة الوليدة لتحدّي المملكة في قضايا كثيرة، من مثل حقوق الإنسان وملفّ الحرب على اليمن. غير أن الرئيس الأميركي يخطو بحذرٍ للحفاظ على العلاقات مع المملكة، في إطار سعيه إلى إحياء الاتفاق النووي المُبرم مع إيران، ومعالجة تحديات أخرى؛ من بينها «محاربة التطرّف الإسلامي»، والمضيّ في سياسة دونالد ترامب لتعزيز قائمة المطبّعين العرب مع إسرائيل. إزاء ما تقدَّم، رتّبت واشنطن سلسلة من الخطوات لتخفيف الصدمة، إذ تحدّث بايدن، أوّل من أمس، إلى الملك سلمان، في مكالمة قال الجانبان إنها جدّدت التأكيد على التحالف القائم منذ عشرات السنين بينهما، وتعهّدا في خلالها بالتعاون. في هذا الوقت، يدرس البيت الأبيض إلغاء صفقات سلاح مع السعودية «تثير مخاوف تتعلّق بحقوق الإنسان»، وفي الوقت ذاته، قصر المبيعات العسكرية المستقبلية على الأسلحة «الدفاعية»، ريثما تنتهي الإدارة من تقييم العلاقات مع المملكة. وفي هذا الإطار، لفت ناطق باسم وزارة الخارجية إلى أن تركيز الولايات المتحدة ينصبّ، في الوقت الراهن، على إنهاء الحرب في اليمن، حتى وهي تضمن للسعودية كل ما تحتاج إليه للدفاع عن أراضيها.
وعقب صدور تقييم الاستخبارات، اتّخذت الولايات المتحدة خطوة أولى خجولة، قرّرت بموجبها فرض عقوبات على 76 سعودياً، لم تُسمِّهم، متّهمين بـ»تهديد معارضين في الخارج»، وخصوصاً خاشقجي. وتندرج هذه العقوبات، بحسب وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، في إطار قاعدة جديدة أطلقت عليها الخارجية الأميركية اسم «حظر خاشقجي»، وترمي إلى منع دخول أيّ شخص يُتّهم بالتعرّض باسم سلطات بلاده لمعارضين أو صحافيين في الخارج. ومن ضمن المشمولين بعقوبات وزارة الخزانة الأميركية، النائب السابق لرئاسة الاستخبارات العامة السعودية، أحمد عسيري، وجهاز «قوة التدخّل السريع» (قوّة النمر). عقوباتٌ لن تنسحب، بأيّ حال، على ابن سلمان، بحسب «نيويورك تايمز» التي أفادت بأن بايدن قرّر عدم معاقبة وريث العرش، «لأن ثمن خطوة كهذه عالٍ للغاية، وستضع واشنطن في موقف عدائي مع الرياض». لكن القيادة الديموقراطية في الكونغرس ترى أن العقوبات الأميركية الحالية غير كافية؛ إذ قال رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، روبرت مينيديز، إن «ما نراه هو الخطوة الأولى لجلب المحاسبة والشفافية لجريمة قتل خاشقجي، وأتمنّى أن نرى إجراءات ملموسة لمحاسبة وليّ العهد السعودي». لكن بلينكن أكّد أن بلاده لا تريد «قطيعةً» في العلاقات مع السعودية، بل إعادة ترتيبها «لتصبح أكثر انسجاماً مع مصالحنا وقيمنا».