فيينّا – بغداد – دمشق (2): متى يحين دور لبنان؟
ابراهيم ريحان
قبل أيّام حطّ وفد سّعودي برئاسة رئيس الاستخبارات الفريق خالد الحميدان في دمشق، والتقى نائب الرّئيس السّوري للشؤون الأمنيّة اللواء علي المملوك لساعات. وتردّدت أنباء غير مؤكّدة عن لقاء الحميدان رئيسَ النّظام السّوري بشّار الأسد.
وأفادت المعلومات المتوافرة عن “لقاء دمشق” أنّ الطّرفين السّعودي والسّوري تفاهما حول احتمال عودة سوريا إلى جامعة الدّول العربيّة، وفتح مقرّ السّفارة السّعوديّة في دمَشق إيذاناً بعودة العلاقات الدّبلوماسيّة بين البلدين.
وفي معلومات لـ”أساس” أنّ علي المملوك عَرضَ على الوفد السّعودي أن تساهم دمشق في تقريب وجهات النّظر بين طهران والرّياض لحلّ الأزمة اليمنيّة. وقد يشير هذا العرض إلى احتمال أن تحاول إيران نزع ورقة الوساطة من حكومة الكاظمي كيلا يُسجّل الأخير مكسباً سياسيّاً لصالحه. هنا أيضاً غابَ لبنان…
من دِمَشق، إلى القاهرة، حيث امتدّت جهود الكاظميّ لتصلَ قناة السّويس بمضيق البوسفور، وجمع الأتراك والمصريين بعد قطيعةٍ امتَدّت منذ إسقاط حكم الإخوان ومحمّد مرسي في ثورة 30 حزيران من عام 2013. ليسَ ضروريّاً القول إنّ لبنان لم يكُن حاضراً في هذه المُحادثاتِ أيضاً.
كما في فيينا وبغداد، هنا أيضاً غاب الملفّ اللبناني.
أفادت المعلومات المتوافرة عن “لقاء دمشق” أنّ الطّرفين السّعودي والسّوري تفاهما حول احتمال عودة سوريا إلى جامعة الدّول العربيّة، وفتح مقرّ السّفارة السّعوديّة في دمَشق إيذاناً بعودة العلاقات الدّبلوماسيّة بين البلدين
فيينّا: لبنان المنسيّ في مهبّ تل أبيب
تتلاعَب طهران في فيينّا، وتُجالِس في العاصمة العراقيّة، وتتحدّث بكلامٍ جميل عن حلّ الأزمة اليمنيّة. الكلام المعسول على الطّاولة يُقابله استشراسٌ للحوثيّ على جبهة مأرب، وطائرات مُسيّرة وصواريخ لا تعكُس ابتسامَةَ نائب رئيس مجلس الأمن القومي الإيراني سعيد عرفاني، ولا كلامَ الغَزَل غير المسبوق الذي يتفوّه به في بغداد عن السّعوديّة، ولا الكلامَ “الإيجابيَّ” الذي وصَل إلى مسامع مدير وكالة الاستخبارات المركزيّة الأميركيّة وليام بيرنز، في أثناء زيارته الأخيرة للعاصمة العراقيّة قبل أيّام، نقلاً عن لسان مستشار الأمن القومي الإيراني علي شمخاني عبر وزير الخارجيّة العراقي فؤاد حسين.
إيران، التي تُراوِغ المجموعةَ الدّوليّةَ في العاصمة النّمساويّة، لا تريد التّحدّث إطلاقاً عن لبنان و”دُرّة تاجها” حزب الله، الذي يوازي بأهمّيّته لدى إيران برنامجها النّووي وربّما أكثر، ولا عن برنامج صواريخها الباليستيّة، ولا عن أذرعها. وقد نجحَت طهران وضربَت ضربتها، وهزمت محاولات أميركا فرض بحث برنامج الصّواريخ الباليستيّة والأذرع في لقاءات فيينّا. وربّما نجاح إيران في هذه النّقاط هو ما أوحى للكاظمي، الرّجل الأميركي – الإيراني، بافتتاح زمن الطّاولات الجانبيّة.
على الرّغم من ذلك، لا تزال العوائق الإسرائيليّة تُحاول تخريب مسارَ فيينّا باعتبار البرنامج النّوويّ الإيراني خطراً وجوديّاً. بدوره، يرفضُ الحرس الثّوري الإيراني التوقيع على اتّفاقٍ مع واشنطن في الوقت الحاليّ، إذ يُفضّل أن تتمّ المحادثات والتوقيع بعد الانتخابات الرّئاسيّة الإيرانيّة، التي صارَ شبه مؤكَّدٍ أنّها ستوصِل أحد جنرالاته إلى سدّة الرّئاسة.
إيران، التي تُراوِغ المجموعةَ الدّوليّةَ في العاصمة النّمساويّة، لا تريد التّحدّث إطلاقاً عن لبنان و”دُرّة تاجها” حزب الله، الذي يوازي بأهمّيّته لدى إيران برنامجها النّووي وربّما أكثر
متى يحين دور لبنان؟
يتوقّع متابعون أن تطرح الولايات المُتحدة ملف حزب الله على طاولة البحث مع الإيرانيين بعدَ أن يدخل لبنان مرحلة “رفع الدّعم عن الموادّ الحيويّة”، والتي ستكون نتائجها كارثيّة على السّلطة الحاكمة، التي يُهيمن حزب الله عليها، من رأسِ الجمهوريّة إلى أخمصها.
انتظار واشنطن رفع الدّعم في لبنان ليسَ تفصيلاً، إذ إنّ وكيل وزارة الخارجيّة الأميركيّة ديفيد هايل كان مُصرّاً أثناء لقائه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، في زيارته الأخيرة، على السّؤال عن موعد رفع الدّعم، كمن ينتظر هديّة من السّماء. وهذا ربّما يدلّ على انتظار واشنطن “ثمرة” الانهيار الشّامل لمُقايضة حبل الخلاص بحزب الله وطهران.
وفي الوقت عينه، لن تألو الولايات المُتحدة جهداً لطمأنة تل أبيب والتقليل من مخاوفها من صواريخ الحزب الدّقيقة، التي تسعى واشنطن منذ بداية عهد الرّئيس السابق دونالد ترامب إلى حلّ مسألتها، والطائرات المُسيَّرة التي يمتلكها الحزب ليسَ فقط في لبنان بل في سوريا أيضاً، إذ يرى الإسرائيليّون في الأمر تهديداً جدّيّاً لأمنهم القومي.
وفي السّياق نفسه، أبلغ الوفد الأمني الإسرائيلي، الذي زارَ العاصمَة الأميركيّة واشنطن أخيراً، المسؤولين الأميركيين أنّهم لن يقفوا مكتوفي الأيدي على الإطلاق تجاه لبنان إذا “اشتمّوا رائحة” تكرار اتفاق 2015 مع إيران، إذ إنّ “تل أبيب لن تحتمل إيران نوويّة وحزب الله على حدودها في وقتٍ واحد، وعلى من يعنيهم الأمر في واشنطن استدراك هذه المسألة قبل تحرّك تل أبيب”.
يبقى لبنان خارج أيّ بحثٍ جدّيّ حتّى السّاعة، وقد يكون وقوعه فاتحةَ المُقايضة على انتشاله. وإلى حين بلوغ مرحلة السّقوط الكبير خلال الأسابيع المقبلة، يبقى “لبنان المَنسيّ” عُرضةً لأيّ رياح عاتية قد تهبّ عليه من جنوبِهِ.
إلى ذلك الحين، سيبقى لبنان “تحت الطّاولات” وليس فوقها…