الحريري متّهمٌ بالانقلاب!
“ليبانون ديبايت” – عبدالله قمح
كلّ ما اصطُلح على نعتهِ “تفاهماتٍ” في مجال تأليف حكومةٍ جديدة غادرَ منطقة الاتفاق وعُدنا “على الارض يا حَكم”. منذ عدّة ايام ومحرّك التأليف جامد، لا حركة رُصدت بين المقار ولا إتصالات، باستثناء نشاط لسفارات خير “من بعيد لبعيد”.
يحدث ذلك بالتوازي مع إجراء “سفراء خليجيين” انسحابات تكتيكية بالجملة من بيروت على وقع المتغيرات التي بدأت تدب في المنطقة. سفير المملكة العربية السعودية وليد بخاري غادرَ على وجه السرعة ليل الثلاثاء المنصرم “لقضاء إجازة” مع العلم أننا لسنا في موسم إجازات. سفير الإمارات العربية المتحدة حمد الشامسي هاجر بيروت من دون ضجيج منتقلاً إلى القاهرة التي دخلها كسفير، تاركاً “مبنى الرملة البيضاء” فارغاً. ولكي تزيد طينة الحكومة بلّة، أبت إدارة دونالد ترامب “المربك إنتخابياً” إلا أن تنقل أزمتها إلى بيروت فتضم رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل على قائمة عقوبات “قانون ماغنيتسكي”، وكأن لا “فاسداً” في ربوع الأرز إلا جبران.
مجموعة الأحداث تلك، يُضاف إليها شهية الاستيزار المفتوحة والانقلاب على البرامج والوعود والتعهدات و اعتماد “الكذب و التكاذب السياسيين” منطقاً للتأليف، كلها عوامل “فتقت” المسار وفتّته وأعادت مسألة التأليف إلى نقطة البدايات.
ثمة إجماع يفيد أن ضم جبران باسيل إلى رُزم العقوبات الاميركية سينعكس تشدداً على مسار تأليف الحكومة. ما حدث في “رسالة” مصطفى أديب يعود ويتكرّر اليوم. وقتذاك، كانت الأمور تسير على الصراط المستقيم قبل أن تقرّر الادارة الاميركية إدراج الوزيرين علي حسن خليل ويوسف فنيانوس إلى قوائم العقوبات ذاتها، فرحّل التأليف وزاد تشدّداً إلى أن غادرَ السفير المتاهة اللبنانية. السؤال اليوم: هل سيؤدي فرض عقوبات على باسيل إلى معاودة تكرار الامر ذاته مع إحتمال أن يفرض الحدث نفسه علامة صعبة على مسار التأليف، وهل سيؤدي ذلك إلى مغادرة سعد الحريري المجال الجوي للحكومة؟ الأمور قيد البحث.
في الواقع، ما نتج عن الأيام الماضية لا يوحي بقرب تشكيل حكومة. السلبيات سبقت إدراج باسيل على قوائم العقوبات. المحيطون بمسار التأليف يؤكدون أن “التأليف دخل في إجازة طويلة”، لكنهم في الوقت ذاته يعوّلون على خلق صدمة إيجابية وتحويل “مسألة فرض العقوبات” إلى فرصة، تسمح في التأسيس لتأليف حكومة “تنفيس صدمات” تتولى تقطيع مرحلة مريرة بدأت تطل برأسها من وراء المحيطات.
البداية في خطوة كهذه يجب أن تدشن من بيت الوسط الذي يحتاج إلى “إعادة دوزنة سياسية” تبعاً لما حصل طوال أسبوع كامل من عمر التأليف. هناك على ضفة المحيطين باتصالات التأليف من يرمي الحمل على الحريري. رئيس تيار المستقبل متهم بالانقلاب على التفاهمات مع رئاسة الجمهورية ومحاولة فرض مشيئته في إختيار ليس فقط “كوتا” الوزراء المسيحيين على تنوع انتماءاتهم بل إسقاط أسماء “ممثلي الطوائف” على الحقائب والدرزي الوحيد الممثل في حكومة الـ18 من بينهم، في عودة إلى النهج الذي اتبع زمن أديب.
هناك أمر آخر. ثمة من يهمس تجاه الرياض كسبب “معرقل”، فـ”ترحال” سفيرها في بيروت فجأة ومن دون سابق إنذار وعلى وجه السرعة يحتمل أن يكون الحريري قد قرأه على أنه “رسالة سلبية”، فقرّر بلحظة “فرط سبحة” الايجابية القائمة مع قصر بعبدا والعزوف عن الزيارة التي كانت مقررة نهار الاربعاء، ثم قلب العزوف إلى إعتكاف عن تولي مهمة التأليف، من دون ذريعة واضحة. أما اللافت في الموضوع أن الحريري هو من طلب “لقاء الاربعاء” المنسوف من قصر بعبدا وليس العكس!
لكن أوساط معنية بموقف المستقبل لها كلام آخر، وهي تحيل كل المسألة إلى حقيبة الطاقة وتوزيع الوزراء المسيحيين الآخرين وهم من حصة الرئيس.وتشير تلك الاوساط الى أن “التفاهم” المبرم شفهياً مع قصر بعبدا يقوم على تولي رئيس الجمهورية تسمية حصته من الوزراء المسيحيين دون أي تدخل، ليتفاجأ الحريري لاحقاً، أن التيار الوطني الحر يُشارك في التسميات “بالمواربة”. اكتشف ذلك حين جرى التدقيق في “بروفايلات” بعض المرشحين للتوزير، فتبين أنها تحمل جذوراً “باسيلية”. أضف إلى ذلك، أن التفاهم على وزارة الطاقة قام على “تسمية متقاطعة” بين الرئيسين عون والحريري، ليحصل أن عون يريد “حصرية” في تسمية تميل إلى “الضفة البرتقالية”. كل هذه العوامل دفعت الحريري إلى مغادرة نقطة الاتفاق.
الكلام أعلاه لا توافق عليه أوساط “برتقالية” تقول أن الحريري وحين أدرك أن الامور باتت في خواتيمها وأن رئيس الجمهورية أنجز الشق الخاص به من التفاهم الشفهي مع الرئيس المكلف، عاد الاخير وقلب الأمور رأساً على عقب مطالباً بـ”خلط الحقائب مجدداً” تحت عنوان الالتزامات، وحين أبلغ بالرفض والاستياء، الغى موعده في قصر بعبدا من جانب واحد ومن دون ان يبلغ المعنيين.
الآن، ومع نسف صيغة الـ18 التي كان الرئيس قد أبدى قبولاً حولها ثم إنتقل إلى خانة درس وترتيب أوراق مرشحيه، تغيرت الأجواء وتبدلت، والمتابعون للملف، يجزمون أن رئيس الجمهورية في صدد العودة إلى صيغة الـ20 وأكثر. كل ذلك أدى إلى نسف التأليف، وعلى الارجح لا بوادر حلحلة هذا الاسبوع، ما يحمل على الاعتقاد أن لا حكومة في المدى المنظور حتى يقرر الحريري على أي كتف سيتكأ ومتى سيقرر وضح حد لمراكمة الخسارات والأخطاء السياسية. أكثر من ذلك، فإن “الثقة” التي منحت له في الاستشارات النيابية الملزمة بناءً على تفاهمات محددة باتت معرضة للاهتزاز ومهددة بالفعل تبعاً لتغيير وتبديل التفاهمات من طرف واحد.