الترسيم البحريّ معلّق: هل يُحصّن عون الخط 29؟
ملاك عقيل
لم تَصمد روزنامة الوسيط الأميركي بتحديد يوميْ الثلاثاء والأربعاء لاستئناف مفاوضات ترسيم الحدود البحرية غير المباشرة بين لبنان وإسرائيل في الناقورة. إذ أدّى التعنّت الأميركي – الإسرائيلي في حصر التفاوض بمساحة 860 كلم مربعاً، ورفض الوفد اللبناني الشروط المسبقة، إلى “تطيير” الجولة السادسة، التي كانت مقرَّرة صباح أمس بحضور رئيس الوفد الأميركي الوسيط جون ديروشيه ورعاية الأمم المتّحدة.
هكذا أسّست الجلسة الخامسة لمفاوضات الترسيم، بعد أشهر من توقّف المفاوضات، للمأزق الذي وصلت إليه المحادثات بسبب تجاهل الوسيط الأميركي، نيابة عن الوفد الإسرائيلي، “نقاش الخطوط” استناداً إلى القانون الدولي وقانون البحار، ومحاولة فرض أمر واقع لا يستقيم مع المبادئ الأساسية في أصول التفاوض.
وتقول المعلومات إنّ الوفد اللبناني لم يرَ أيّ فائدة من الجلوس مجدّداً إلى طاولة التفاوض تحت “سقف” الشرط الأميركي – الإسرائيلي المسبق بحصر النقاش بين الخطّ 1 (الإسرائيلي) والخطّ 23 (اللبناني). ولذلك أصّر على متابعة التفاوض، لكن من دون شروط مسبقة، وعلى أساس القانون الدولي. وتُرِكت الطابة في ملعب رئيس الجمهورية لإجراء الاتصالات السياسية اللازمة، التي قد تعيد تصويب مسار المفاوضات. ومهّد لبنان لذلك من خلال الموقف الذي صدر ليل الثلاثاء عن رئاسة الجمهورية، بالتصويب على موقف “الوسيط الأميركي الذي جاء خلافاً للطرح اللبناني”.
أسّست الجلسة الخامسة لمفاوضات الترسيم، بعد أشهر من توقّف المفاوضات، للمأزق الذي وصلت إليه المحادثات بسبب تجاهل الوسيط الأميركي، نيابة عن الوفد الإسرائيلي، “نقاش الخطوط” استناداً إلى القانون الدولي وقانون البحار
أدخلت “حرب الخطوط” مفاوضات الناقورة إلى الثلاجة مجدّداً، فلم يُحدَّد موعدٌ بعد لاستئناف المحادثات غير المباشرة. ولم يُعرف هل سيُترك الأمر إلى حين تسلّم الفريق الأميركي الجديد في إدارة جو بايدن، الذي لم يكتمل بعد، الملفَّ اللبناني.
وفي موازاة تعليق المفاوضات، طُرِح السؤال الكبير عن سبب إبقاء الوفد اللبناني منزوع الحصانة عبر رفض مجلس الوزراء الالتئام لتوقيع تعديل المرسوم 6433، الذي يكرّس حقّ لبنان بمساحة إضافية في مياهه تصل إلى 2290 كلم مربعاً (الخطّ 29)، أو توقيع رئيس الجمهورية ورئيس حكومة تصريف الأعمال المرسوم وفق صيغة الموافقات الاستثنائية، أو بعث رسالة إلى الأمم المتحدة تفيد بتغيير الإحداثيات من الخطّ 23 إلى الخطّ 29، الذي يمنح لبنان مساحة 1430 كلم مربعاً إضافية إلى الـ860 كلم مربعاً المتنازع عليها مع العدو الإسرائيلي.
تقول مصادر مطّلعة إنّ “مغادرة مساعد وزير الخارجية الأميركي ديفيد هايل بيروت منتصف نيسان، مطمئنّاً إلى عدم توقيع لبنان للمرسوم 6433، أتاحت للأميركيين والإسرائيليين اتّخاذ قرار باستئناف التفاوض تحت سقف منخفض جدّاً، الأمر الذي دفع الوفد اللبناني إلى الانقلاب على الانقلاب برفض الانصياع لهذا المسار”.
وتفيد معلومات أنّ الوفد اللبناني لم يرفع ورقة الخطّ 29 بوجه الخط الأميركي – الإسرائيلي، بل كان منفتحاً على النقاش بكلّ الخطوط استناداً إلى ما ينصّ عليه القانون الدولي، وأنّه يقبل بالنتيجة مهما كانت من منطلق أنّ الدراسة التي قدّمها الجيش محصّنة بموجب مندرجات القانون الدولي، ويصعب على الإسرائيلي تجاهل “قوّتها القانونية”. وتشير المعلومات إلى أنّ الوسيط الأميركي يتردّد بإحضار خبراء دوليين حياديين لمناقشة الموضوع مع الوفد المفاوض اللبناني للفصل في النزاع البحري جنوباً.
أدخلت “حرب الخطوط” مفاوضات الناقورة إلى الثلاجة مجدّداً، فلم يُحدَّد موعدٌ بعد لاستئناف المحادثات غير المباشرة. ولم يُعرف هل سيُترك الأمر إلى حين تسلّم الفريق الأميركي الجديد في إدارة جو بايدن، الذي لم يكتمل بعد، الملفَّ اللبناني
فتح تعثُّر المفاوضات مجدّداً البابَ أمام كمّ كبير من الأسئلة، ومنها: هل يؤسّس هذا المشهد لتغييرٍ في هويّة الوفد المفاوض، ولتوسيعه ليشمل التفاوض سوريا وقبرص وفق اقتراح النائب جبران باسيل المدعوم من الصهر المدلّل لرئيس الجمهورية؟
تجيب مصادر مطّلعة على ملفّ الترسيم: “الجواب هو حتماً لا، خصوصاً أنّ المشكلة ليست في الوفد، بل في التنازل عن حقوق لبنان”، وتسأل: “وهل يوجد وفد آخر يستطيع أن يقوم بذلك؟”.
إضافة إلى كلّ ذلك، ما هو الموقف الفعلي للثنائي الشيعي من تطوّرات هذا الملفّ؟ خصوصاً مع لهجة الاستياء الواضحة الصادرة عن قريبين من عين التينة، اتجاه أسلوب بعبدا في إدارة الترسيم البحري.
ماذا ستكون تداعيات بدء إسرائيل التنقيب عن النفط والغاز في حقل كاريش، الذي يدخل ضمن المنطقة المتنازع عليها وفق الخط 29، في حال عدم إيداع إحداثياته الأمم المتحدة؟ والأهمّ، ما هي القطبة المخفيّة التي قادت أصلاً إلى استئناف التفاوض في وقت يتمسّك الجيش بطرح الخطّ 29 خطّاً تفاوضيّاً، فيما القبول ببدء التفاوض على أساس الـ860 كلم مربعاً قد يجرّ لبنان تدريجيّاً إلى “فخّ” الخطّ هوف، الذي يمنح لبنان 55% من المساحة الفاصلة بين النقطة 1 والنقطة 23، ويعطي جزءاً مهمّاً من حقل قانا للجانب الإسرائيلي، الذي سوف يعمل على عرقلة استخراج النفط والغاز من هذا الحقل الواعد؟