قراءة في المشهد السياسي.. هل يستدعي الوضع المأزوم حدثا أمنيا كبيرا؟…
غسان ريفي-سفير الشمال
في الوقت الحكومي الضائع، وفي ظل تعطل لغة الحوار، وجدت تيارات سياسية تعاني من ″جوع شعبي″ ومن ″شهوة″ الشارع، أن تشغل نفسها وأنصارها باللجوء الى إثارة النعرات عبر التصعيد الطائفي والمذهبي الذي لطالما أخذ البلد الى مآس ما يزال اللبنانيون يجهدون لطي صفحاتها، ما يتطلب شيئا من الوعي السياسي والوطني، لجهة الكف عن الاستثمار بالعنوان الطائفي على حساب الشعب اللبناني الذي يدفع الأثمان الباهظة الواحد تلو الأخر، لهذه اللغة المقيتة.
هذا التصعيد المستجد، يعكس حجم المأزق السياسي لكل المعنيين بعملية التأليف التي توقفت أمام جدار اللاءات واللاءات المضادة، حول شكل ومضمون وثلث الحكومة المتنازع عليهم بين بعبدا وبيت الوسط، ما دفع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله الى التدخل في محاولة منه لكسر هذه اللاءات باقتراح رفع عدد وزراء الحكومة الى 20 أو 22، وبوضع الثلث المعطل في عهدة فريق سياسي وليس لدى تيار بمفرده، وبوقف التصعيد الاعلامي والسجال الساخن، لكن مبادرة نصرالله تنتظر المؤتمر الصحافي للنائب جبران باسيل يوم الأحد لتحديد مصيرها وإمكانية البناء عليها باللجوء الى “الوزير الملك” الذي يضمن عدم حصول أي فريق على الثلث المعطل.
تشير المعطيات الى أنه بالرغم من كل الخلاف الحاصل على تشكيل الحكومة، إلا أنه لا يزال شكليا، فلا الورقة الملونة التي تسلمها الحريري من رئيس الجمهورية وعرضها في خطاب 14 شباط جدية كونها تطرح العديد من الأسماء من أكثر من طائفة لكل حقيبة، ولا التشكيلة التي قدمها الحريري لرئيس الجمهورية وتم تسريبها ترتقي الى الجدية أو المسؤولية في مواجهة الأزمة (في حال كانت صحيحة).
كل ذلك يعني، أن الأمور تحتاج الى وقت كبير لتنضج كما تحتاج الى جدية في إرادة التأليف من كل الأطراف، حيث لم يعد خافيا على أحد أن الحريري ينتظر ضوءا أخضرا سعوديا، يبدو أن إنارته ستطول على الأقل بانتظار زيارة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للرياض، خصوصا في ظل المؤشرات غير المشجعة محليا بين السعودية والحريري والتي تجسدت بعدم قيام السفير وليد البخاري بزيارة بيت الوسط بعد عودته من بلاده حتى في ذكرى 14 شباط ما ترك إنطباعا بأن هناك هوة سحيقة تفصل بين الطرفين لم تنفع الزيارات العربية للحريري في ردمها بعد.
في غضون ذلك، يبدو أن ثمة إجماعا دوليا على أن تكون فرنسا صاحبة الدور الأساسي في التعاطي مع الملف اللبناني وبتكليف واضح من أميركا، شرط أن تقتصر المبادرة على تشكيل حكومة “مهمة” تكون قادرة على تنفيذ الاصلاحات والانقاذ الاقتصادي والمالي، وبالتالي فإن الحديث عن مبادرة روسية جديدة الى جانب المبادرة الفرنسية هو أمر مبالغ فيه ويأتي في سياق إستقواء الأطراف السياسية على بعضها البعض بهدف تحسين الشروط.
تشير المعلومات الى أن الرئيس ميشال عون ومعه جبران باسيل، والرئيس سعد الحريري ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط لجأوا الى روسيا سواء عبر موفدين أو عبر إتصالات، بهدف دفع قيادتها للضغط في لبنان من أجل تشكيل الحكومة، إضافة الى سعي عون عبر النائب السابق أمل أبو زيد، والحريري عبر مستشاره جورج شعبان، ومعهما النائب فؤاد مخزومي الى إرضاء شارعهم بالاعلان عن إستقدام اللقاحات من روسيا وإعطائها بشكل مجاني لمحازبيهم، لكن السفير الروسي دحض كل ذلك عندما زار وزير الصحة الدكتور حمد حسن وأكد أن روسيا لن تتبرع باللقاحات وليس لها علاقة بكل ما يُحكي، وبالتالي فإن من يريد الحصول عليها يفترض به أن يتبع الآلية الرسمية من خلال وزارة الصحة اللبنانية.
أمام هذا الواقع، وأمام إنسداد الأفق السياسي والحكومي بشكل كامل، وأمام الأزمات التي تتنامى وترخي بظلالها القاتمة على المواطنين الذين يواجهون جنون الدولار على عتبة العشرة آلاف ليرة وإنهيار الدولة ومؤسساتها وإنعدام خدماتها، ويتعرضون لشتى أنواع السرقات رسمية في المصارف وغير رسمية في ممتلكاتهم التي يجتاحها اللصوص من دون حسيب أمني أو رقيب قضائي، إضافة الى النكسة التي أصابت التحقيق في ملف تفجير مرفأ بيروت بإقصاء المحقق العدلي فادي صوان والاحتجاجات التي بدأت عليه والمرشحة للتصعيد، أمام كل ذلك، ثمة تساؤلات تطرح نفسها لجهة: ما هي طبيعة المخرج من كل هذه الأزمات؟، وهل سيكون هذا المخرج أمنيا لفتح ثغرات في جدارها؟.
تبدي مصادر متابعة مخاوف جدية من أن يستدعي الوضع المأزوم حدثا أمنيا كبيرا، فهل يسارع المعنيون الى موقف وطني يُخرج الحكومة من الأسر، ويبدأ بوضع خارطة الحلول للأزمات؟، أم أنهم سينتظرون محركا للجمود السياسي بالرغم ما يمكن أن يحمله هذا المحرك من مخاطر على البلاد والعباد؟..