السعودية – إيران التسوية تغوي الطرفين
قد يكون الترحيب الإيراني بالإيجابية التي حملها كلام وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، لا يضاهيه سوى الترحيب بالإيجابية التي تهبّ من كواليس المفاوضات النووية غير المباشرة، التي تجري في فيينا بين واشنطن وطهران، وما تحمله من مؤشرات إلى اقتراب حلّ أزمة الاتفاق النووي والخروج من دائرة العقوبات، مع ما يرافق ذلك من انفراج اقتصادي تنتظره إيران وقيادتها بفارغ الصبر.
وقد انصبّ الاهتمام الإيراني الرسمي والشعبي على المواقف المتطوّرة للقيادة السعودية، التي تتضمّن مؤشرات إلى إمكان الانتقال إلى مرحلة جديدة من العلاقات، بعيداً عن التوتّر والعداء، والتي قد تكون بمستوى وأهمية التفاهم مع الإدارة الأميركية. بل لعلّها تشكل علامة جدّيّة على اقتراب الخروج من الأزمات التي تعانيها إيران، وأكثر صدقية من الوعود التي يطلقها مسؤولو النظام. لذلك حظيت المواقف السعودية الجديدة وتحظى بالمتابعة الجدية من جميع الأوساط الموالية التي لم تخفِ توجّسها من أن يؤسّس ذلك لمسارٍ من التنازلات الإيرانية أمام السعودية قد يكون وقعها أكثر إيلاماً من تلك التي ستقدّم لواشنطن والدول الغربية. خصوصاً أنّ هذه التنازلات ستكون على حساب الموقع والدور الإقليميّين لإيران وحدود نفوذها في المنطقة. أمّا المعارضة فتنظر إلى أنّ المستجدّ السعودي والملاقاة الإيرانية في منتصف الطريق يؤسّسان لعودة العقلانيّة إلى العلاقات الإقليمية، خصوصاً بين قطبيْ المنطقة. وهو ما سينعكس هدوءاً واستقراراً في العديد من الساحات، فتبتعد الأطراف عن حالة التوتّر التي تخيّم على المنطقة منذ سنوات.
فإذا ما كانت الأوضاع الإقليمية والدولية تتّجه نحو التغيير في طريقة أو مستوى التعامل والتعاطي مع الأزمة الإيرانية وما فيها من تعقيدات نووية وسلوكيّات إقليمية، فإنّ هذا المتغيّر يفرض على المعنيّين الانتقال إلى مستويات سياسية وإجراءات تتناسب مع الشروط المستجدّة، وتأخذ بعين الاعتبار تأثيرات هذه الشروط على المصالح القومية والوطنية للدول.
لا شكّ أنّ المبادرة السعودية والترحيب الإيراني، وانفتاح طهران على العودة إلى طاولة التفاوض، وإمكان أن تقدّم تنازلات لا تخرج عن السقف الذي وضعته في أزمتها النووية، جاء نتيجة قراءة واقعية للمتغيّر الأميركي الذي نتج عن خروج الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب من البيت الأبيض ووصول الرئيس الديموقراطي جو بايدن، ومحاولة كلا الطرفين تنسيق مواقفهما ومصالحهما مع الاستراتيجيات التي أعلنها وبدأ تنفيذها على الساحة الدولية، خصوصاً تلك المتعلّقة بمنطقة الشرق الأوسط خصوصاً، وغرب آسيا عموماً.
وفي مقابل الإصرار الإيراني على أنّ الخطوة السعودية هي نتيجة غياب ترامب عن المشهد الأميركي، فإنّ ما يُقال عن العودة الإيرانية إلى التفاوض، أنّها جاءت أيضاً للأسباب نفسها. أي أنّهما بالمستوى نفسه يحاولان تنظيم أجندتيْهما على إيقاع السياسات الأميركية الجديدة للإدارة الديموقراطية. إلا أن من في طهران يعتقد بأنّ خطوة وليّ العهد السعودي تشير إلى مستوى عال من الدقّة السعودية في قراءة هذا المتحوّل، والمبادرة الى حلّ الأزمات التي تعنيها. إن تلك التي مع قطر أو مع اليمن أو إيران، وقطع الطريق على الأطراف الأخرى لمنعها من ااستغلال هذه الأزمات وتوظيفها في خدمة أهدافها على حساب المصالح السعودية التي تأخذ بعين الاعتبار التأثير المباشر للمستجدّ أو المتغيّر السياسي على “الميدان” أو على الأرض. بما يفرض إعادة بناء المواقف والخطوات بناءً على المعطيات السياسية وليس الميدانية. على العكس من التعامل الإيراني الذي وضع السياسة والمستجدّ السياسي في خدمة الميدان، بحيث فرض على الديبلوماسية الإيرانية أن تنسّق مواقفها وتحرّكاتها بناءً على ما يتطلّبه الميدان، بحسب اعتراف رأس الديبلوماسية الإيرانية محمد جواد ظريف في التسريب الصوتي.
إنّ الليونة السعودية، التي صدرت عن وليّ العهد، تلقّفها ظريف مباشرة على الرغم من تغييب وزارة الخارجية عن مجريات اللقاء، الذي حصل في التاسع من شهر نيسان في العاصمة العراقية بغداد بين ممثّلين عن الطرفين، وأخذ طابعاً أمنياً. وكان الموقف، الذي أعلنه ظريف من سلطنة عمان، حيث دعا حكومة صنعاء اليمنية للتعامل الإيجابي مع دعوات الحوار ومبادرات السلام المطروحة، فرصةً للديبلوماسية والعمل السياسي للعب دور مفصلي في المساعدة على حلّ هذه الأزمة، وورقةً تعزّز موقفه في معركة الدفاع عن دور الديبلوماسية ومحوريّتها في قراءة الميدان، بما لا يتعارض أو يتناقض معه، بل تعمل على ترجمته وتحويله إلى نتائج ملموسة تخدم المصالح القومية.
من هنا يبدو الجانب الإيراني أمام تحدّي التجاوب مع المبادرة السعودية، فيدفع باتجاه الانتقال من التفاوض على الجانب الأمني وما يتعلق بالأزمة اليمنية، الذي بدأ في بغداد، إلى الحوار في المسائل السياسية التي تؤسّس لتحسين وتطوير العلاقات بين الطرفين والبلدين. وهي مسائل تفرض على الجانبين الأخذ بعين الاعتبار تعدّد المستويات الفاعلة في هذه المنطقة المتوتّرة، سواء تعلّق الأمر بجماعات داخل هذه الدول، أو بقضايا وطنية أو قومية أو إقليمية أو دولية من المفترض أن تتعاملا معها لتكريس التعايش والتعاون السلمي بينهما. خصوصا أنّ كلّ واحد من هذه المستويات يؤثّر على الآخر سلباً وإيجاباً.
يبدو أنّ التطوّرات الدولية والإقليمية، التي فتحت نافذة أمام نقل المنطقة إلى مرحلة جديدة من الاعتراف بضرورة الحوار، لم تعد تسمح لإيران بالرهان على قدرتها في فرض رؤيتها على الشركاء الآخرين في الإقليم. فهي معنيّة بتغيير سلوكها والتعامل مع هذه التطورات والمستجدّات بالمستوى نفسه المطلوب من الآخرين، والتخلّي عن ممارسة دور منفصل لا يلحظ مصالح الآخرين، الأمر الذي وضعها في مواجهة اللاعبين الإقليميين والدوليين وكلّفها أثماناً كثيرة وكبيرة على مدى العقود الماضية.
قد تكون الخطوة المطلوبة لترجمة الإيجابية المستجدة، ليس في تمسّك إيران بتسويق رؤيتها للحلّ في المنطقة، الذي أطلقت عليه اسم “أمن هرمز” أو معاهدة عدم الاعتداء، التي أشار ظريف الى إعادة طرحها في جولته الخليجية الأخيرة، بل في العمل على إعادة تعريف حدود التنافس الطبيعي مع السعودية، بالتزامن مع تعزيز مساحات التعاون وتنميتها، بما يساعد على تضييق مساحات الصراع والتخاصم، وعلى بناء فهم مشترك للهواجس والمخاوف، وعلى التعاون في المصالح السياسية والاقتصادية والدينية، ويسمح بأن يكون لهما تأثير على القضايا الإقليمية والسياسات الدولية.