العراق.. قوى احتجاجات تشرين ومعركة الانتخابات القادمة
اياد العنبر
بعد سجالات طويلة بشأن المشاركة من عدمها في الانتخابات القادمة المقرر إجراؤها في أكتوبر القادم، أعلنت حركات وتجمعات من ناشطي احتجاجات تشرين حسم القرار بدخول الانتخابات. وبهذا الإعلان يكون الفاعلون في احتجاجات تشرين قد انتقلوا من مرحلة العمل الاحتجاجي إلى مرحلة جديدة في العمل السياسي.
بادئ ذي بدء، حسم القرار نحو المشاركة بالانتخابات، يعد قرارا شجاعا ويستحق الثناء والتقدير؛ لأن القوى الشبابية الصاعدة عندما تقرر الدخول في التنافس الانتخابي مع القوى السياسية التقليدية فهي تدرك جيدا أنها تدخل معركة غير متكافئة الأطراف، فأحزاب السلطة تملك الخبرة في إدارة الانتخابات، ولديها القدرات المالية والمؤسسات الإعلامية، فضلا عن سيطرتها على المؤسسات والموارد الاقتصادية للدولة التي نجحت في توظيفها لصالح إيجاد طبقة من الزبائنية السياسية.
وفي المقابل تدخل قوى تشرين الانتخابات معتمدة على الإمكانيات المادية البسيطة جدا ورمزيات الاحتجاجات، وهم يدركون جيدا أن معركة الانتخابات غير متكافئة، ولكنهم أيضا كانوا يدركون بأن خروجهم لساحات الاحتجاجات بصدورهم العارية كانوا يواجهون قوى السلطة التي تمتهن القتل والتنكيل والتغييب القسري.
قوى وناشطو احتجاجات تشرين بحسمهم قرار المشاركة بالانتخابات القادمة، قد يشكلون سببا لإزعاج قوى السلطة التقليدية التي تعودت خوض الانتخابات بالتنافس، وفقا لمبادئ أسستها المنظومة السياسية طوال ثمانية عشر عاما، والتي تقوم على قاعدة: توزيع مغانم السلطة وفقا للمقاعد التي تحصل عليها الكيانات السياسية. ولذلك كان التنافس الانتخابي يقوم على أساس كلما زادت المقاعد الانتخابية، كبرت الحصة في الحصول على الوزارات والمناصب العليا في الحكومة. فضلا عن ذلك، كان الفوز بالانتخابات يضمن بقاءك ضمن دائرتين متعارضتين: البقاء بالسلطة والعمل بعنوان معارضة للسلطة.
مبادرة مستقبل وطن، التي اختارتها قوى احتجاجات تشرين للإعلان عن دخولها الانتخابات، يبدو أنها قد تصبح مصدرا لإزعاج القوى والحركات السياسية التي أرادت أن تدخل على خط المنافسة مع القوى التقليدية المهيمنة، ومن خلال رفعها لافتة تشرين والادعاء بتبني مطالبها. ولعل الأحزاب المرتبطة بحكومة الكاظمي والأحزاب التي انسلخت من جلد القوى السياسية التقليدية، والتي سوقت نفسها تحت عنوان الانتماء لاحتجاجات تشرين ومطالبها، ستكون قد خسرت عنوانها الدعائي الذي أرادات رفعه في الانتخابات القادمة.
وقد تكون معركة قوى تشرين في الانتخابات القادمة واضحة وصريحة مع قوى السلطة والمافيات السياسية التي تهيمن على الدولة ومؤسساتها، وتستحوذ على النفوذ بقوة السلاح المنفلت، لكن هناك جبهات أخرى في معركة الانتخابات:
الجبهة الأولى: هي خطاب التشكيك بجدوى المشاركة بالانتخابات، ولعل هذا الخطاب كان له الدور الفاعل في انتخابات 2018. وقد يستهوي قوى السلطة التقليدية تكرار نفس السيناريو بإشاعة خطاب النكوص عن المشاركة بالانتخابات. حتى يكون التنافس بين مرشحي الأحزاب السياسية التقليدية محصوراً بين زبائن الإقطاعيات السياسية. ومن ثم، على قوى احتجاجات تشرين أن تستعد لمواجهة هذه الجبهة من خلال تقديم خطاب سياسي جديد قادر على اقناع الجمهور المتردد بالمشاركة الفاعلة والتصويت لصالح مرشحي قوى تشرين.
الجبهة الثانية: السلاح الأقوى الذي يمكن من خلاله إحداث نقلة نوعية في معركة الانتخابات هو قدرتها على جعل خطاب الرفض والمقاطعة أقلية غير مؤثرة في قناعات الجمهور، ولا يمكن لقوى تشرين كسب هذه الجولة في المعركة إلا من خلال تقديم برنامج سياسي واضح وصريح المعالم والخطوات، وأن تعلن أن موقفها من التحالف السياسية سيكون رهنا على قبول تحقيق هذه البرنامج. ولعل إعلان (مبادرة مستقبل وطن) كان مدركا لذلك عندما حدد أولوية هذه المبادرة (العمل على تعديل الدستور وفقاً للمادة 126 منه وأن يكون ضمن برامج القوى السياسية لمستقبل العراق). والمسألة الأكثر أهمية، هي القدرة على إدارة المناطق الانتخابية بعيدا عن تشتيت الأصوات بين المرشحين الممثلين لقوى الاحتجاجات.
الجبهة الثالثة: سؤال ما بعد الانتخابات أن العمل السياسي لا يحقق غاياته بالأمنيات وإنما بتراكم التجربة والممارسة والقدرة على تجاوز الأخطاء والهفوات. والانتقال من الفعل الاحتجاجي إلى العمل السياسي يجب أن يراهن على تحقيق كل الشعارات والمطالب بمجرد دخول الانتخابات، فالمعركة في بدايتها، وفاعلية العمل السياسي لا تكون بحجم المقاعد التي يتم حصول عليها داخل قبة البرلمان، وإنما تبدأ بإقناع الجمهور بالقدرة على فرض واقع التغيير من خلال المشاركة في مؤسسات السلطة وكسر هيمنة لقوى التقليدية، والثبات على مبادئ وشعارات الإصلاح أمام مغريات منظومة السلطة.
مشاركة قوى الاحتجاج في الانتخابات القادمة هي اختبار حقيقي للمواطن العراقي الراغب بتصحيح مسار العملية السياسية، لأن مشاركة قوى الاحتجاجات تعني توفير البديل السياسي الذي يمكن أن يتنافس مع شخصيات الطبقة السياسية التقليدية، التي رسخت نفوذها من خلال استغلال المنصب السياسي وصفقات الفساد ونهب المال العام. ولا يمكن بقاء الجمهور في دائرة التشكي والتذمر وانتظار الخلاص من سيطرة الأحزاب السياسية وزعامتها، فالانتخابات هي المكسب الوحيد الذي تحقق للعراقيين في النظام السياسي، ورغم تحايل الزعامات السياسية على نتائجها، لكنها تبقى الفرصة الحقيقة التي يمكن من خلالها البدء بكسر احتكار منظومة السلطة من قبل الزعامات السياسية، وخسارة مقاعدها في الانتخابات يعني التأسيس لبداية تقليص نفوذها وهيمنتها، ولن يتم هذا إلا بالمشاركة الفاعلة والمؤثرة ومنح الثقة لقوى تشرين في البدء نحو تصحيح المسار السياسي.