الأميركيون والدخول الروسي والتركي شمالاً… الكلمة الفصل لنا
لا تشعر الولايات المتحدة الأميركية بأي خطر يهدّد نفوذها في لبنان، لذلك ليست على عجلة لإبرام تسويات تؤثّر على سياستها العامة المتبعة في لبنان.
منذ نزول المارينز إلى شواطئ بيروت عام 1958 والتقلبات التي حصلت في بلد الأرز وصولاً إلى تفجير مقرّ المارينز، لم تتغير السياسة الأميركية تجاه لبنان، إذ إنه في عزّ الإنكسار كانت واشنطن منتصرة، وما ينطبق على المراحل السابقة يسري مفعوله على هذه المرحلة بالذات.
وتراقب واشنطن كيف أن عواصم الدول الكبرى تتعاطى مع الملف اللبناني وتبدي اهتمامها بالإستثمار في هذا البلد سياسياً واقتصادياً، لكن الأساس يبقى أن واشنطن لا تزال تتفرّج ولم تقل كلمتها بعد.
وتكشف المعلومات أن واشنطن تراقب التحرّك الروسي في شمال لبنان والرغبة في الإستثمار في مجالي الطاقة والمرافئ، وليست الزيارة الأخيرة لوفد روسي أمس الأول إلى طرابلس إلا دليلاً على الأهمية التي تعطيها الشركات الروسية للدخول إلى لبنان عبر بوابة الشمال.
وكان سبق محاولة الدخول الروسي حديث كثير عن تغلغل الدولة التركية في شمال لبنان ومحاولة إقامة منطقة نفوذ لها شبيهة بالخطّ الذي تقيمه أنقرة في شمال سوريا، وتحاول في الشمال الإستفادة من الأوضاع الإقتصادية المتردية وضعف تيار “المستقبل”، وعدم قدرته على تأمين الخدمات الضرورية وغياب المملكة العربية السعودية عن المشهد اللبناني، ووجود تيار سني شمالي لا يزال ينظر إلى تركيا على أنها وريث الخلافة.
لكن كل تلك العوامل لا ترعب واشنطن، إذ تشير المعلومات الى أن أميركا تعرف جيداً أن كل فريق يعلم حجم تدخله في اللعبة اللبنانية. فبالنسبة إلى أنقرة فقد وصلتها رسالة قاسية من واشنطن مفادها أنه ممنوع العبث بأمن لبنان واستقراره، وهذا الأمر سيكلّف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الكثير في حال أقدم على أي هفوة، خصوصاً في ظل الحديث عن توسّع النشاط الإستخباراتي التركي شمالاً، فكانت النتيجة أن أعاد أردوغان حساباته فأبقى على وجوده السياسي فقط.
وتتعامل الولايات المتحدة مع روسيا على أنها دولة كبرى، لكن ترفض مزاحمتها على النفوذ في لبنان، وبدورها تحترم موسكو الخصوصية اللبنانية، وفي تعليق على الطموح الروسي للدخول إقتصادياً عبر بوابة الشمال، تشير مصادر مطلعة على الموقف الأميركي إلى أن هذا الأمر لا يزعج واشنطن، لكنها تطرح سؤالاً مفاده هل يقبل اللبنانيون باستبدال منظومتهم الإقتصادية والركائز التي قام عليها الإقتصاد والعلاقات المميزة مع أميركا والغرب، بعلاقات مرحلية مع روسيا؟
ومن جهة ثانية، تعتبر واشنطن أن الحديث عن المرافئ في لبنان يأتي ضمن سياق الصراع على المرافئ في الشرق الأوسط، لذلك فالمهم بالنسبة لها هو مرفأ بيروت وليس طرابلس نظراً لعوامل عدّة أبرزها أن مرفأ بيروت في العاصمة وقريب من العواصم العربية، وهو مجهز وقابل للتطوير رغم كل ما تعرّض له بعد انفجار 4 آب، والأهم من هذا كلّه أن أحواضه عميقة وترسو فيها السفن الحربية الكبيرة، وهذه العوامل لا تنطبق على مرفأ طرابلس الذي بحاجة لعمل شاق وكبير ليصبح من المرافئ المهمة على حوض المتوسّط.
تعرف واشنطن أن تغيير طبيعة النظام الإقتصادي اللبناني والتوجه نحو الصين وروسيا مكلف جداً على الإقتصاد، والشعب اللبناني يرفضه مهما حاول “حزب الله” الترويج له، لذلك فان كل الكلام عن هذا الأمر لا يعدو كونه في نظر واشنطن، التي هي المسلّح الأول للجيش اللبناني، سوى فقاعات هواء لن توصل إلى أي مكان لأن هذه الدول أصلاً غير قادرة على مدّ لبنان بالمساعدات.