الأردن: الملكة نور تناكف من خارج أسوار العائلة
غادة الشيخ
“ملك الأردن أسوأ عدو لنفسه”.
قد يبدو عادياً أن تنشر مجلة Foreign Policy الأميركية المعروفة، موضوعاً نقدياً عن ملك الأردن وقراءة لأزمة الحكم الأخيرة بوصفها فشلاً داخلياً: “هناك الكثير من الأدلة على سوء إدارة الملك أكثر من وجود مؤامرة أجنبية ضده”. لكن اللافت أن تنشر الموضوع على صفحتها الخاصة على “تويتر”، الملكة نور الحسين والدة الأمير حمزة بن الحسين، الذي كان عنوان الأزمة الأخيرة مع شقيقه الملك عبد الله الثاني.
لم يمرّ نشر الملكة هذا المقال بهدوء، وظهر جلياً من خلال الردود أن اللهجة العالية نسبياً التي أظهرتها الملكة منذ بدء أزمة ابنها الأمير حمزة، ما زالت مستمرة.
وعلى رغم غياب ذكرها تماماً عن الإعلام الأردني الرسمي أو ما يدور في فلكه في الأزمة الأخيرة، إلا أن الملكة نور كانت محط أنظار كثر من الأردنيين والمتابعين، وهي لم تتردد في إعلان دعمها ابنها من حيث تعيش في أميركا.
فمنذ بداية أزمة الأمير مع أخيه الملك، بدأت الملكة نور تتفاعل مع ما يحدث عبر حسابها الخاص على “تويتر”، وكان موقفها الأول الدفاع عن ابنها، في تغريدة نشرتها في اليوم الثاني من الإعلان عن الأزمة في الرابع من نيسان/ أبريل 2021، لم تذكر فيها صراحة اسم ابنها حمزة، لكنها اتبعت أسلوب المواربة في التعابير والتوصيفات مثل “الضحايا، الأبرياء”، وذكرت في تغريدتها التي نشرتها باللغة الإنكليزية: “أصلي لتظهر الحقيقة والعدالة لكل الضحايا والأبرياء، وأدعو أن يبقيهم الله بأمان”.
استمر تفاعلها الإلكتروني على “تويتر” بإعادة نشر تغريدات للصحافية الأردنية رندا حبيب والمعروف بقربها من الملك حسين الراحل وزوجته الملكة نور، وتضمنت تغريدات حبيب “هاشتاغات” تفاعلية مع قضية الأمير مثل: #وينالأميرحمزة، #كلناالأميرحمزة.
لم تختر الملكة الصمت ولا المواجهة المباشرة، فكان “تويتر” مساحة للتلميح مواربة أو صراحة.
نور وعبدالله… علاقة فاترة
في الأردن، من الشائع أن العلاقة بين الملكة نور والملك عبد الله الثاني عندما كان أميراً قبل وفاة والده الملك الحسين كانت علاقة جيدة، خصوصاً أن عبدالله هو الابن الأكبر للملك الحسين، كما أن علاقتها مع زوجته رانيا العبد الله كانت كذلك، حتى أنها كانت تميزها عن بقية الأميرات وجعلتها تتولى إدارة مؤسستها “نهر الأردن”.
لكن مع ذلك، لم يكن للملكة نور ذاك القبول عند الرأي العام الأردني كما كان سابقاً للملكة عليا طوقان فلسطينية الأصل، والتي كانت محبوبة وسببت وفاتها بحادث طائرة صدمة وحزناً كبيرين في الأردن.
لم تستطع اليزابيث حلبي، الأميركية من أصل سوري أن تستحوذ على المكانة التي كانت للملكة عليا في قلوب كثر من الأردنيين.
والعلاقة الفاترة نسبياً بين الملكة نور والرأي العام الأردني ازدادت فقد غادرت الأردن بعد وفاة زوجها الملك الحسين بن طلال، وحينها انتشرت أنباء لم يتم تبنيها رسمياً أو إثباتها أنها استحوذت على نصيب مهم من ميراث زوجها، وأخذته معها إلى أميركا. منذ ذلك الحين ومنذ استلام عبدالله العرش الأردني وبروز زوجته الملكة رانيا غاب ذكر الملكة نور التي كانت الزوجة الثالثة للملك حسين والتي استمر زواجه بها حتى وفاته.
زاد من حدة الشرخ في العلاقة، عندما أزاح الملك عبد الله الثاني عام 2004 ولاية العهد عن أخيه الأمير حمزة بن الحسين ومنحها لابنه الأكبر الأمير الحسين بن عبد الله، على رغم أن الملك الحسين وقبل وفاته أوصى بأن تكون ولاية العهد للملك عبد الله الثاني، من نصيب ابنه الأمير حمزة.
انحصر نشاط الملكة نور في الخارج في قضايا إنسانية وبيئية وخيرية وتباينت المسافة أكثر بينها وبين الرأي العام الأردني. عام 2016، حصل أمر جعل من اسم الملكة نور يرن بقوة في الشارع الأردني، عندما انتشرت أخبار تتحدث عن علاقة عاطفية تربطها بالمليونير المكسيكي كارلوس سليم، لكن سرعان ما تم احتواء الموضوع أردنياً، إذ لا يزال أبناء الملكة يعيشون في البلاد، فإضافة إلى الأمير حمزة هناك الأمراء هاشم، وإيمان وراية أصغر أبناء الملك الحسين.
الكاتب باسل الرفايعة وفي حديثه يعتبر أن “ليزا حلبي”، وهو الاسم الأصلي للملكة قبل زواجها من الملك حسين، واجهت حماسة أقل لدى الأردنيين عند اقتران الملك الراحل الحسين بها، فبحسب قوله: “ما زالت في أذهان الأردنيين الملكة علياء طوقان العربية الفلسطينية الأصل، المتحدثة ببراعة وحضور طاغيين في القضايا العامة، خصوصاً في الشؤون الإنسانية واحتياجات المناطق النائية الأكثر فقراً في المملكة”.
فالمقارنة الذهنية كما يضيف الرفايعة بين الملكة الجديدة في ذلك الوقت أي الملكة نور التي لا تتقن العربية، والراحلة المحبوبة المشتبكة مع المجتمع، جعلت كثراً من الأردنيين/ات حذرين/ات من تقبل ليزا حلبي، التي ارتفعت شعبيتها تدريجياً في ثمانيات القرن الماضي “مستفيدة من روافع الحضور الآسر للملك الحسين في الوجدان الأردني”.
يتفق الكاتب مالك عثامنة مع فكرة الحضور القوي الذي تميزت به الملكة علياء في وجدان الشعب الأردني مقارنة مع مكانة الملكة نور كما ذكر الرفايعة، لكن وخلال عهدها مع زوجها الملك الحسين قبل وفاته، مارست دور السيدة الأولى كما هو في معظم دور العالم، ولم يكن لها دور ذو أبعاد سياسية، واقتصر على النشاط في العمل الاجتماعي، حتى إن اسمها ارتبط بمهرجان جرش الفني، وكل أدوارها لم تكن خارج الأطر الدستورية، وبعد وفاة الملك الحسين استمرت بحمل لقب ملكة كمنحة لها من الملك عبد الله الثاني الذي منح زوجته رانيا العبد الله اللقب أيضاً.
“نعم كانت هناك تعقيدات سياسية لتركها الأردن” يوضح عثامنة عن الملكة نور، فهي كما يضيف أم ولي العهد الأمير حمزة، بعد وفاة زوجها، ويقال إنها كانت تطمح في عهد زوجها ليكون ابنها حمزة ولياً للعهد، كما يشاع في الصالونات السياسية. وأضاف أنها ارتأت أن تغادر المشهد السياسي بعدما سحب العاهل الأردني ولاية العهد من ابنها، مع الإشارة إلى أن إجراء كهذا هو حق دستوري للملك بتعيين ولي عهده بغض النظر عن أي وصية.
وعلى رغم انسحابها من المشهد الأردني، كما يستكمل عثامنة، إلا أن الملكة نور بدأت في الفترة الأخيرة تتبع أسلوب المناكفة، دفاعاً عن ابنها الأمير حمزة، ومع تصاعد وتيرة الأزمة بينه وبين أخيه الملك عبد الله الثاني تحولت مناكفاتها إلى تصعيد، ووضعت نفسها طرفاً في النزاع من خلال تغريداتها أو حتى إعادة نشرها أخرى، معتبراً أن نشرها مقالاً يتحدث بقسوة عن الملك هو مناكفة سياسية صريحة ضد “رأس الدولة الأردنية”، ولا تمكن قراءة ما قامت به بسذاجة، بل هي اختارت هذا المقال تحديداً لتناكف من مكانها البعيد، وربما ترى أنها خطوة لتنتصر لابنها الأمير حمزة بن الحسين.