الحدث

“الموساد في إربيل”: إيران تردّ “إعلامياً” على قصف محطتها النووية

على رغم أن استهداف مركز الموساد المفترض، لم تتبنّه أي ميليشيات تابعة لإيران، إلا أن اختلاق الخبر وتوزيعه في وسائل إعلام ايرانية، شكّل بحد ذاته تبنياً لضربة لم تحدث بحسب الحكومة الكردية.

نقلت وسائل إعلام إيرانية، موالية للنظام، أخباراً عن استهداف مركز للموساد الإسرائيلي داخل عاصمة إقليم كردستان- إربيل، وأن الهجوم أدى إلى مقتل عدد من الإسرائيليين وإصابة آخرين. فيما نقلت القناة الإعلامية للفصائل المسلحة في العراق “صابرين نيوز” الإلكترونية خبر الاستهداف مضمنة إياه تفاصيل أكثر، مؤكدة أن “الهجوم أسفر عن إصابة 7 ومقتل ثلاثة إسرائيليين”، وهؤلاء الثلاثة هم “ضباط لهم أنشطة استخبارية في العراق”، بحسب القناة.

هذه الأنباء، تلاها نفي رسمي من حكومة إقليم كردستان على لسان المتحدث باسمها جوتيار عادل واصفاً التقارير الإيرانية بأنها “عارية عن الصحة”، وأن هذا الاستهداف الإعلامي ليس الأول من نوعه التي تتعرض له كردستان.

تطاول الاتهامات حكومة الاقليم بأنها تسمح بدخول إسرائيليين عبر مطارها، إلا ان الأمين العام لوزارة البيشمركة جبار الياور يؤكد أن “الشخصيات السياسية التي تصل إلى إقليم كردستان بين فترة وأخرى، تحصل على تأشيرات رسمية تصدر من العاصمة بغداد”.

عضو “الحزب الديموقراطي الكردستاني” أحمد مام علي الذي يتزعمه مسعود برزاني يرى أن حادثة استهداف منشأة نطنز النووية الإيرانية اثرت بشكل كبير في سياسة طهران فهي تحاول بهذه الادعاءات تشتيت الأنظار عن تكبدها خسائر يتسبب بها الموساد، عبر رمي هذه التهمة على الجيران الأكراد.

الاتهامات لكردستان بالتواصل مع إسرائيل، ليست الأولى التي تطاول الاقليم.

شهدت إيران قبل يومين من الادعاءات باستهداف مركز الموساد، انفجاراً استهدف محطة نطنز النووية لم يعرف أسبابه، إلا أنه تسبب بقطع الطاقة عن منشآتها، وبحسب وسائل إعلامية أميركية وإسرائيلية، فإن جهاز الموساد هو الذي نفذ العملية، وتعهدت إيران بردّ انتقامي، ويبدو أن ردّها جاء “إعلامياً” عبر الإعلان عن تفجير مركز الموساد من دون تقديم دليل او صورة او فيديو يثبت حدوث العملية.

الاتهامات لكردستان بالتواصل مع إسرائيل، ليست الأولى التي تطاول الاقليم، فقد انتشرت تقارير إعلامية أيضاً عام 2014 عند احتلال تنظيم “داعش” محافظات نينوى والانبار وصلاح الدين تتهم إربيل بتمرير شحنات نفطية من كردستان عبر وسيط إلى اسرائيل، كما ظهرت تصريحات لعضو لجنة النفط والطاقة النيابية العراقية عدي عواد يتهم فيها حكومة كردستان بتهريب النفط وتصديره إلى إسرائيل، وكل هذه الادعاءات قوبلت بنفي رسمي كردي.

تاريخياً، سجلت اتصالات إسرائيلية- أميركية لدعم ملا مصطفى البارزاني قائد الحراك الكردي في شمال العراق عام 1959، والمطالب بالحكم الذاتي للأكراد، وحصلت اتصالات مباشرة في عام 1963 بين البرزاني وإسرائيل بوساطة إيرانية، إذ منحت القضية الكردية اهتماماً أكبر عام 1965 خصوصاً أن ملا مصطفى البارزاني كان يقود قتالاً ضد الحكومة العراقية آنذاك واستمر الاقتتال مع جيش حكومة بغداد حتى عام 1970، لينتهي بتوقيع خطة سلام أعطي على إثرها الحكم الذاتي للكرد شمال العراق والتمثيل في الهيئات الحكومية.

الكاتب محمد علي يبيّن أن إسرائيل أرادت منذ ذلك التاريخ أن يكون لها حليف قوي لذلك عمدت الى دعم الأحزاب الكردية المسلحة التي خاضت القتال ضد الجيش العراقي في ستينات القرن الماضي. حتى إن صحيفة “معاريف” الإسرائيلية في ذلك الوقت كشفت عن إرسال جنرال إسرائيلي إلى إقليم كردستان لغرض التدريب، ونشر التلفزيون الإسرائيلي صوراً يظهر فيه زعيم الحراك الكردي الملا مصطفى البارزاني مع وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه ديان، علماً أن الملا مصطفى البارزاني هو والد زعيم “الحزب الديموقراطي الكردستاني” الحالي مسعود البارزاني.

مسعود البارزاني كشف في معرض سؤال أحد الصحافيين خلال زيارته الكويت عام 2006 عن نظرته إلى علاقة الكرد مع إسرائيل، “أنها ليست بجريمة” وفي تصريح صحافي آخر قال إنه لا يمانع افتتاح قنصلية لإسرائيل في إربيل إذا افتتحت سفارة لها في بغداد.

يشهد الإقليم استهدافات أمنية منذ أشهر، تقوم بها ميليشيات إيرانية.

السياسي العراقي مثال الآلوسي الذي زار إسرائيل ثلاث مرات، وأعلن عن هذه الزيارات، أشار في غير مناسبة إلى أن اجتماعات ضمت شخصيات شيعية عقدت مع شخصيات إسرائيلية في إربيل، وأنه حضر جزءاً من هذه الاجتماعات.

الكاتب أحمد الحسن يستشهد بتصريح لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو عندما رد على تصريح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن وجود جهاز للموساد في كردستان، مشيراً إلى أنه لعب دوراً في تنظيم استفتاء الانفصال الذي تم عام 2017 بالقول: “إسرائيل لم تشارك في الاستفتاء الكردي سوى بالتعاطف العميق والطبيعي والمستمر منذ سنوات مع الشعب الكردي وتطلعاته” وهذا الجواب حمّال اوجه ولا ينفي تماماً وجود تواصل إسرائيلي- كردي.

المحيط الإقليمي لكردستان لا يساعده، بحسب مراقبين، على إقامة أي علاقة علنية مع إسرائيل، ولو أن الأمور تغيرت في الآونة الأخيرة مع توقيع دول عربية وخليجية اتفاقيات سلام مع إسرائيل، وبدأت تطبيعها المباشر معها، إلا أن الحالة الكردية مختلفة ومعقدة.

مستشار زعيم “الحزب الديموقراطي الكردستاني” مسعود حيدر يقول إن الإسرائيليين لا يحتاجون إلى أن يكونوا في إقليم كردستان فالجميع يعلم أنهم يمتلكون استخبارات قوية وأقماراً صناعية، وأجواء العراق مفتوحة، وأن ما تحاول أن تثيره وسائل الإعلام الإيرانية ليس سوى محاولة لإيجاد ذرائع، لاستهداف بعض الأماكن في كردستان من قبل الميليشيات الإيرانية التي تعمل على زعزعة أمن الإقليم واستقراره. وهذا أمر يتفق معه الباحث الكردي هيوا عثمان الذي يرى أن فكرة الحاجة إلى تقارب بين كردستان وإسرائيل مستبعدة وغير منطقية ولم تعد ذات اهمية مع وجود الولايات المتحدة وحضورها اللافت، لوجستياً وأمنياً واستخباراتياً.

ويشهد الإقليم استهدافات أمنية منذ أشهر، تقوم بها ميليشيات إيرانية، إذ تم قصف مطار إربيل مرتين مطلع العام الحالي، مرة بصواريخ مجموعة تسمى “سرايا أولياء الدم” تبنت الهجوم وأصيب فيه أفراد من التحالف الدولي ومواطنون محليون، وهذه المجموعة المسلحة وغيرها تعد من الاذرع الرئيسية التي تنفذ الأجندات الإيرانية داخل الأراضي العراقية. ومرة ثانية تم استهداف المطار بطائرة مسيرة تذكر بطريقة عمل ميليشيات الحوثي في هجماتها على أهداف سعودية. وعلى رغم أن استهداف مركز الموساد المفترض، لم تتبنّه أي ميليشيات تابعة لإيران، إلا أن اختلاق الخبر وتوزيعه في وسائل إعلام ايرانية، شكّل بحد ذاته تبنياً لضربة لم تحدث بحسب الحكومة الكردية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى