بعد الاتصال «الايجابي» بين عون و الأسد … لبنان ينتظر
دوللي بشعلاني-الديار
الردّ السوري حول موقفه والدعوة للتفاوض على ترسيم الحدود
ينتظر لبنان استئناف المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود البحرية الجنوبية مع العدو الإسرائيلي التي عُلّقت في 11 تشرين الثاني الفائت، من دون أن تقوم الحكومة المستقيلة حتى الآن بتعديل المرسوم 6433 المتعلّق بالإحداثيات الجديدة التي اعتمدها الوفد اللبناني المُفاوض. غير أنّه في هذه الاثناء، مدعو للإسراع في مسألة التفاوض مع سوريا لحلّ مشكلة الحدود البحرية الشمالية المتداخلة، في البلوكين 1 و2 من المنطقة الإقتصادية الخالصة التابعة له، كما هي مرسّمة في المرسوم 6433 المودع لدى الأمم المتحدة، وذلك لحفظ حقّه في مساحة الـ 750 كلم2 لا سيما بعد مصادقة الحكومة السورية على تلزيم البلوك 1 (السوري) لصالح شركة «كابيتل» الروسيّة بموجب القانون رقم 10 تاريخ 9/3/ 2021.
أوساط ديبلوماسية مطّلعة أكّدت أنّ التفاوض على ترسيم الحدود البحريّة الشمالية مع سوريا، قد يبدو صعباً لكنّه ليس مستحيلاً وإن كانت المواقف الداخلية المتناقضة تجاه سوريا، لا سيما مبدأ «النأي بالنفس»، هي التي حالت دون الإستجابة الى الطلب السوري. فقد أرسلت الحكومة السورية في أيّار من العام 2019، مذكرة الى لبنان طلبت فيها عقد اجتماع لبحث مسألة ترسيم الحدود بين البلدين، غير أنّ الجانب اللبناني لم يتجاوب إيجاباً معها، لهذا فإنّ الإجتماع لم يحصل.
أمّا اليوم وبعد أن لزّمت الحكومة السورية البلوك 1 من المنطقة الإقتصادية الخالصة التابعة لها لشركة «كابيتل» الروسية، فأصبح لِزاماً على لبنان حلّ مسألة التفاوض قبل أن تبدأ الشركة المذكورة أعمالها، في أي وقت، من دون أن يُسجّل لبنان اعتراضه على المنطقة المتداخلة. ولهذا حصل الإتصال الهاتفي بين رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ونظيره السوري الرئيس بشّار الأسد في 6 نيسان الجاري والذي دعاه فيه عون للتفاوض على الترسيم، كون التوقيت الحالي «مناسب»، سيما أنّ كلّ من البلدين قدّم خارطة تُظهر حدود مياهه الإقليمية الخالصة، وقد تضاربت حدود الخارطتين إذ تداخلت فيهما مساحة تبلغ 750 كلم2. فبات من المهم التفاوض بين البلدين لحلّ هذه الإشكالية.
وبعد نحو أسبوع، أي في 13 نيسان الجاري، التقى وزير الخارجية والمغتربين شربل وهبه سفير سوريا لدى لبنان علي عبد الكريم علي وسلّمه مذكّرة تتضمّن الموقف اللبناني من ترسيم مياهه الإقليمية، ودعوة السلطات السوريّة للتفاوض حول الترسيم من منطلق العلاقات الأخوية على أساس قانون البحار. وينتظر لبنان الردّ السوري على هذه المذكرة، سيما أنّ البلدين مستعجلان لإنهاء التفاوض. لبنان كون جولة التراخيص المفتوحة الثانية لتلزيم الشركات العالمية ستشمل البلوكين 1 و2 الشماليين، وسوريا كون شركة «كابيتل» الروسية التي وقّعت عقداً لأربع سنوات يُمكنها بدء العمل في البلوك السوري رقم 1 ساعة تشاء، ولكن لا بدّ أولاً من إنهاء مشكلة التداخل الحدودي.
وأوضحت الاوساط أنّ العقد الذي وقّعته الحكومة السورية مع شركة «كابيتل» الروسية، قد حفظ حقّها في أي إتفاقية مستقبلية قد تبرمها مع لبنان. ففي ملحق هذا العقد الذي يشير الى إحداثيات البلوك رقم 1 السوري، ثمّة بند ينصّ على أنّ الشركة المتعهّدة العمل في البلوك المذكور تلتزم بأي إتفاقيات أو معاهدات مستقبلية بين الجمهوريتين السورية واللبنانية على إحداثيات البلوك رقم 1. ومن خلال هذا البند تكون سوريا قد حفظت حقّها مع الشركة الروسية، وفي الوقت نفسه، إنّ هذا البند يُطمئن الجانب اللبناني لجهة كون سوريا موافقة على وجود إشكال حدودي بين البلدين. الأمر الذي يجب أن يُشجّع المسؤولين اللبنانيين على السعي لبدء عملية التفاوض مع الحكومة السورية حول ملف ترسيم الحدود.
وأكّدت الأوساط نفسها أنّه في انتظار الجواب السوري على المذكرة، على لبنان أن يتصرّف سريعاً. فالجيش الذي استلم ملف ترسيم الحدود في العام 2014 يقوم اليوم بمراجعة ملف الحدود الشمالية مع سوريا. وذكرت بأنّ ملفات عديدة تربط بين لبنان وسوريا لا بدّ من التفاوض بشأنها، ولكن يُمكن العمل على كلّ ملف على حدة، متمنيّة ألاّ يأتي الجواب السوري بالرفض، كون لبنان سبق وأن رفض التجاوب مع المذكرة السورية. عندئذ يُصبح على لبنان السعي لدى روسيا، على ما لفتت، لإقناع الجانب السوري بالجلوس الى طاولة المفاوضات المباشرة كونها تحصل بين بلدين عربيين شقيقين، ولأنّ الشركة المنقّبة عن الغاز والنفط السوري هي «كابيتل» الروسية، ولأنّ شركة «نوفاتيك» الروسية هي إحدى شركات «الكونسورتيوم» التي لزّمها لبنان أعمال التنقيب في البلوكين 4 و9.
وذكرت الاوساط بأنّه سبق للبنان أن رسّم حدوده البحرية الشمالية في العام 2009 (بين النقطتين 1 و6)، وعاد وعدّلها في العام 2011 في المرسوم 6433 الذي أودعه الى الأمم المتحدة، من النقطة 6 الى النقطة 7 التي أصبحت حدود المنطقة الإقتصادية شمالاً، بحسب الخرائط التي رسمها الجيش اللبناني. وتدخل النقطة 7 ضمن هذا المرسوم الذي لم يتمّ بعد تعديل إحداثياته الجنوبية لعدم موافقة رئيس الحكومة المستقيلة حسّان دياب على عقد جلسة إستثنائية لمجلس الوزراء لتعديله مجتمعاً ، ما يعني أنّ لبنان ليس بحاجة الى تعديل المرسوم 6433 لبدء المفاوضات مع الجانب السوري متى حصلت الموافقة من البلدين، بل لاستئناف المفاوضات غير المباشرة مع العدو الإسرائيلي.
وعمّا هو المطلوب اليوم، تقول الأوساط ذاتها إنّه لا بدّ للبنان من التعلّم من تجارب الماضي، ولا سيما من الأخطاء الحدودية التي ارتكبها مع أكثر من جانب، إمّا عن غير قصد أو عن عدم دراية ومعرفة، ودراسة ملفه بشكل جيّد وواضح لتلافي ارتكاب أي أخطاء جديدة قد تكلّفه خسارة أكثر من مئات الكيلومترات في المنطقة الإقتصادية الخالصة التابعة لحدوده البريّة. وبما أنّ الجيش يعمل اليوم على ترسيم الحدود وفق الخرائط والإتفاقيات، عليه أن يكون شفّافاً في عمله هذا ويُطلع الشعب اللبناني على استنتاجاته، وعلى حسابات ربح أو خسارة الكيلومترات في المنطقة المتداخلة بين لبنان وسوريا، سيما أنّ الثروة النفطية هي من حقّ كلّ لبناني.
كذلك فمن الضروري أن يقوم لبنان بتوجيه رسالة الى الحكومة السورية، الى جانب المذكّرة، يعترض فيها على الحدود المتداخلة، فضلاً عن رسالة مماثلة لشركة «كابيتل» يضعها فيها في إطار إعتراض لبنان على وجود مساحة نزاع بين البلدين تبلغ 750 كلم2. وفي هاتين الرسالتين يضمن حقوقه البحرية الشمالية. حتى إذا ما أرادت الشركة الروسية بدء أعمالها في البلوك السوري رقم 1، تبعد عن المساحة المتنازع عليها الى حين البتّ بأمرها بالإتفاق بين البلدين. كما على لبنان تقديم اعتراض لدى الأمم المتحدة، سيما أنّ حدوده مرسّمة في المرسوم 6433، وإن بشكل أحادي الجانب، من أجل الدفاع عن إحداثياته.
وشدّدت الاوساط على ضرورة أن يكون الموقف اللبناني موحّداً تجاه ملف ترسيم الحدود مع سوريا، لأنّ عدم وجوده أدّى الى تعليق المفاوضات غير المباشرة مع العدو الإسرائيلي، وأن يأخذ الملف الحدودي مساره السياسي والديبلوماسي.