خامنئي إذ يبعد حفيد الخميني عن الرئاسة
حسن فحص|المدن
لا شك ان قرار حفيد مؤسس الثورة السيد حسن أحمد الخميني العزوف عن المشاركة في سباق الانتخابات الرئاسية شكل صدمة للتيار الاصلاحي بكل احزابه وجماعاته المختلفة، واسقط كل رهاناتها على خوض معركة سهلة في مواجهة قوى التيار المحافظ وصقور مرشحيه.
قرار الخميني الحفيد لم يكن ناجماً من عدم توافر شروط المشاركة او الخوف من عدم الحصول على التأييد الشعبي، لكنه جاء بعد نصيحة مباشرة من المرشد الاعلى السيد علي خامنئي في جلسة اسبوعية روتينية تجمعهما حسب ما كشف عنه ياسر شقيق الخميني الشاب، وان المرشد اعتبر دخول حفيد المؤسس “لا مصلحة فيه” في هذه المرحلة، من دون اي تفاصيل اخرى.
هي المرة الاولى التي يصدر عن المرشد الاعلى مثل هذا الموقف وبهذا الوضوح والعلنية في مسألة تتعلق بالانتخابات والطلب من مرشح محتمل المشاركة من عدمها، وعدم ممانعته الكشف عن جانب من الحوار المتعلق بهذا الموضوع وما جرى مع الخميني الشاب.
موقف المرشد المعلن، والذي التزم به الخميني، وفّر على النظام وقيادته معركة مجانية كانت ستؤدي الى إحراجه في حال لجأ مجلس صيانة الدستور الى رفض اهلية وصلاحية الخميني للترشح الى الانتخابات الرئاسية، وقد تزيد الأمور تعقيدا لانها ستكون المرة الثانية التي يتم فيها رفض ترشح الخميني بعد تجربة مجلس خبراء القيادة قبل اربع سنوات، خصوصا وان هذا المجلس قد حدد الاشخاص الذين تنطبق عليهم صفة “رجال السياسة” التي نص عليها الدستور وحصرها في الرؤساء الثلاثة الحاليين والسابقين ونواب رئيس البرلمان واعضاء مجلس تشخيص مصلحة النظام والقيادات العسكرية العليا والوزراء، وهي مواقع لم يسبق أن شغل اي منها الخميني الشاب.
واذا ما كانت نصيحة المرشد قد قطعت الطريق امام الوصول الى مأزق في تعامل النظام مع حفيد المؤسس، فانه استطاع في المقابل ان يسحب من المعركة ورقة مهمة من يد أطراف داخلية في مقدمتها الرئيس السابق محمود احمدي نجاد ورهانه على تعميق ازمة النظام الشعبية واحراجه في رفض اهلية الخميني ومنعه من الترشح من جهة، وحرم التيار الاصلاحي من مرشح يمكن ان يشكل حالة إجماع بين القوى والاحزاب الاصلاحية ويعزز آمالها وحظوظها بالفوز السهل في استعادة السلطة التنفيذية ورئاسة الجمهورية من جهة اخرى. وبالتالي فإن نصحية المرشد شكلت نصف معركة التيار المحافظ الذي عاش لحظة إرباك حقيقية في كيفية التعامل مع هذا الترشح في حال حصوله، خصوصا وانه سيكون عاجزا على استخدام ادوات التسقيط والتخريب المعنوي والاخلاقي والسلوكي التي تصبح بحكم المباحة في المعركة الانتخابية بين المرشحين لانها ستطاول المؤسس الذي يشكل المظلة التي يستظل بها كل الاطراف.
النصيحة التي قدمها المرشد للخميني الحفيد بالخروج من السباق الرئاسي، قد يكون السبب فيها ايضا شعور قيادة النظام بالتحدي الذي يشكله هذا الترشح وامكانية فوزه. لذلك فان هذا الانسحاب، سيفرض على التيار المحافظ اعادة النظر في الاسماء التي سيدفع بها الى المعركة الرئاسية ومدى قدرتها على المنافسة واستقطاب الرأي العام واقناعه بالتخلي عن القطيعة التي يمارسها مع صندوق الاقتراع. خصوصا وان اهتمام المرشد ينصب على تحقيق مشاركة شعبية واسعة تساعد في اظهار حجم الشرعية الشعبية التي يتمتع بها النظام.
في المقابل، فان انسحاب الخميني الشاب من السباق الرئاسي شكل صدمة داخل التيار الاصلاحي الذي راهن على هذا الخيار لاعتبارات عديدة، لعل أولها امكانية ان يحظى بشخصية قادرة على اعادة ترميم صورته وموقعه الاجتماعي والشعبي، وثانيا تحدي اجهزة النظام السياسية التي ستكون محرجة في التعامل مع هذا الترشح ورفض اهليته. ولعل الصدمة الابرز ان القرار جاء من خارج توقعات الاصلاحيين وبعد مشورة مع المرشد من دون ان يكون اي من الاطراف الاصلاحية على اطلاع بهذه الخطوة، الامر الذي خلط اوراقهم وفرض عليهم العودة الى نقطة البداية في البحث عن مرشح بديل قادر على تحقيق النسبة الاعلى من حالة الاجتماع التي رافقت ذهابهم الى خيار تبني ترشح الخميني الحفيد.
وأمام ما يعانيه التيار الاصلاحي من ازمة في الاتفاق حول شخصية جامعة تكون قادرة على ملء الفراغ الذي احدثه انسحاب الخميني الشاب، خاصة في ما يتعلق بمسألة استقطاب القواعد الشعبية وجرها الى صندوق الاقتراع، يبدو ان المرحلة المقبلة ستشهد ارتفاع بعض الاصوات التي دعت في الاسابيع الماضية الى خيار تبني شخصية من خارج التيار الاصلاحي وتكون قادرة او قريبة من الافكار التي يعتقد بها هذا التيار واحزابه، ومن المرجح ان تبدأ هذه الاحزاب والمجلس الاعلى للسياسات الاصلاحية الذي انيطت به مسؤولية وضع آليات اختيار مرشح الاجتماع للاصلاحيين، بالتفكير بصوت عال حول امكانية الذهاب الى خيار تبني ترشيح وزير الخارجية محمد جواد ظريف الذي مازال حتى الان ينفي ويرفض الدخول في البازار الانتخابي، وفي المستوى نفسه هناك اصوات لا تعارض الذهاب الى خيار تبني ترشيح رئيس البرلمان السابق مستشار المرشد علي لاريجاني. ويبدو ان هذين الخيارين (ظريف ولاريجاني) يشكلان المخرج الاقرب الى الواقعية لقيادة النظام والتيار الاصلاحي على حساب صقور التيار المحافظ المتحفزين للانقضاض على موقع الرئاسة واستغلال الفرصة السانحة حتى ولو كانت على حساب وحدتهم الداخلية.